أخبار

رسالة سجناء النهضة إلى أحمد نجيب الشابي

إلى السيد نجيب الشابي رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي
تحية نضالية مباركة

نحن مجموعة من المساجين الإسلامين الذين يقبعون مرابطين وصامدين ماسكين على الجمر في السجون والمعتقلات التونسية منذ 1990 يطيب لنا بمناسبة إحياء ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 2002.12.10 أن نصافحكم بهذه الرسالة لا لنذكركم بما تعرضنا له “كأسرى” نظام قهري وما تعرضت له عائلاتنا ولا تزال من اضطهاد وتنكيل وانتهاك للحقوق وتعد على الحرمات ومحاولات غسيل الدماغ وما لاقته حركتنا ومناضلونا من محاكمات وتعذيب وقتل وإعدامات ومنافي تهجير وطرد من الشغل ومصادرة لموارد الرزق وإفتكاك جوازات السفر وحصار ومراقبة وملاحقات ومضايقات وطرد من الدراسة والتعليم وتشتيت لشمل العائلات بالسعي الى إجبار زوجات المساجين على تطليق أزواجهن والعمل على القضاء على الحركة وتدمير بنيتها وهياكلها التنظيمية وإلغاء وجودها وغلق ملفها وتحريض الحكومات الغربية على إلغاء حق اللجوء السياسي وتسليم الناشطين لإعدامهم او حبسهم في الزنازين والإصرار على تشويه صورة الحركة الإسلامية وتقديمها في شكل مجموعة متطرفة متسترة بالدين وإرهابية.

أحمد نجيب الشابي

أحمد نجيب الشابي

ولا نرغب أيضا في هذه المراسلة الخاطفة أن نفصل القول في شتى المظالم التي مسنا ضرها ولا إحصاء الإنتهاكات الصارخة لحرياتنا الفردية والجماعية وحقوقنا كحركة سياسية ولكن نود فقط في هذه المناسبة العالمية النضالية أن نلفت نظركم بصفتكم رئيس حركة طلائعية لا نكتم إعجابنا بشجاعتها وصدقها في تبني قضية الحريات والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وبصفتكم أيضا كأستاذ محام الى بعض الأوضاع التي يعيشها المساجين السياسيون في بلادنا والسجناء عموما في الأحباس التونسية مما يخالف ما وضعته الأمم المتحدة من قواعد نموذجية دنيا في معاملة السجناء ويشكل خرقا واضحا لترتيبات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومجموعة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بجميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الحجز والسجن ومما يناقض أيضا وينتهك فصولا بينة للقانون الداخلي للسجون التونسية في نسخته القديمة أو المعدلة ونذكر من هذه التجاوزات والوضعيات الشاذة ما يلي على سبيل الإشارة لا الحصر.

إن جل المساجين في الأحباس التونسية لا يتمتعون بفراش مستقل بل يتقاسم السجين الفراش مع سجين آخر وهي وضعية مخلة بالآداب والذوق السليم ومخلة بشروط الصحة وراحة السجين أثناء النوم أو اليقظة.

كثير من السجناء لا يجدون نصف حشية ينامون فوقها بل ينامون على “الاسفلت” أو بلغة السجن في “الكدس” رأسا وذنبا “tête et queue” متكدسين” بعضهم على بعض” و “بعضهم في بعض” كعلب السردين ويمتد الكدس الى تحت الأسرة والى عتبة بيوت الراحة في ظروف قذرة وسخة مفترشين أغطية نتنة وهي وضعية لو أطلع عليها التونسيون لما صدقوا أن هذا يوجد في بلدنا تونس2002 بل لم يوجد في تونس ابدا حتى زمن البايات عندما كان السجناء يحبسون في كراكة حلق الوادي.

الإعتداء على كرامة السجين بالإهانة والتعنيف والضرب وإستعمال “الفلقة” والتعليق في السلاسل على القضبان. وهو سلوك يومي في جل السحون التونسية وخاصة الهوارب بولاية القيروان حيث تمارس الإنتهاكات بإشراف مدير السجن ومساهمته وبعلم إدارة السجون وتحت سمع وبصر وزارة العدل وحقوق الإنسان.

الانعدام الكلى لبرامج الإصلاح التربوي والأخلاقي وغياب التوجيه الديني والروحي وإنعدام فضاءات التثقيف والمطالعة والعبادة والرياضة اضافة الى شكلية ما يقدم للمساجين احيانا من حصص رفع امية او برامج تاهيل مهني وادماج اجتماعي الامر الذي حول السجون الى مراكز لتعليم الانحراف وارتكاب الفواحش واحتراف “الاجرام”.

منع السجناء وخاصة السياسيين منهم منعا باتا من تلقي الكتب والمراجع والدوريات العلمية والفكرية والدراسية وحرمانهم من التسجيل في المعاهد والجامعات ومواصلة التعليم والدراسة وممارسة الحصار الأعلامي بمنعهم من الإطلاع على الصحف وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بهدف الحد من طموحاتهم العلمية وتدمير ملكاتهم العقلية وعزلهم عن الواقع المحلي والدولي.

تردي نوعية الأكلة المقدمة للسجين وعدم توفرها على الحد الأدنى من القيمة الغذائية ومواصلة تقديم الصبة

تتوالد الفئران وتتكاثر الحشرات والطفيليات في اكثر السجون التونسية وتتقاسم هذه الكائنات طعام السجناء وتسكن فرشهم وملابسهم واجسادهم.

الإكتظاظ المفرط للسجون وتدهور شروط حفظ الصحة.

السيد الفاضل: اننا برغم ما اصابنا من ضر في السجون وما لحق عائلاتنا من اذى ومالاقته حركتنا ومناضلوها في البلاد وفي المنافي من قمع وتصفية وتشويه واقصاء وبرغم كل الويلات فاننا نؤكد لكم بقاءنا صامدين بإذن الله ثابتين على مبادئنا متعلقين بالقيم الالهية والمثل الإنسانية العليا متيقنين أن المنعرج الديمقراطي والانتقال بشعبنا وبلدنا الى زمن الحريات والديمقراطية والتعددية الحقيقية والحياة السياسية النظيفة والراشدة لابد ان يتحقق في يوم غير بعيد بفضل صمودكم وثباتكم ووفاء كل المناضلين الاحرار والشرفاء لمنطلقاتهم ومبادئهم السامية والكفاحية ووفائنا جميعا لآمال شعبنا وطموحاته في مجتمع حر ومتحضر وديمقراطي واشواق امتنا في ريادة حضارية وكونية جديدة.

نحيطكم علما اننا عازمون باذن الله على الدخول في اضراب جوع ابتداء من يوم 9 ديسمبر 2002 بمناسبة ذكرى اليوم العالمي لحقوق الانسان. اما مطالبنا الاساسية فهي كما يلي:

* سن قانون العفو التشريعي العام

* رفع كل المظالم المسلطة علينا كمساجين وكحركة سياسية والإعتراف القانوني بحركتنا الإسلامية كجزء لا يتجزء من المنتظم السياسي الوطني والقانوني.

* مساندتنا ودعمنا لكل المطالب الديمقراطية التي تنادي بها القوى السياسية التقدمية والديمقراطية في بلدنا سواء كانوا احزابا او جمعيات معترفا بها او غير معترف بها او كانوا شخصيات مناضلة.

* وضع حد للانتهاكات المادية والمعنوية لكرامة السجين.

* حقنا المشروع في تلقي الكتب والمراجع والدوريات العلمية والفكرية وحقنا في مواصلة الدراسة والتعليم والارتقاء المعرفي.

* تجميعنا في غرف مستقلة وتحسين ظروف اقامتنا (تقريب، زيارة بدون حاجز …).

وأخيرا نحي صمود حزبكم ومصداقية اهدافه وبرامجه ونبارك جهودكم ونبل مناضليكم وروحكم النضالية ونؤكد على ان تشكيل جبهة ديمقراطية واسعة ومكافحة ذات برنامج واضح واهداف طموحة واولويات واقعية … جبهة تؤمن بان تحطيم قلاع الاستبداد وتكسير اغلال الانظمة القهرية وانهاء حقبة عبادة الوثن والارتقاء الى زمن الحريات ومصاف الشعوب المتحضرة والمجتمعات الراشدة والحرة لا يتم دون تضحيات ودون تقديم ضريبة الحرية.

وفقكم الله وسدد خطابكم وبارك مسعاكم وحقق آمال شعبنا على أيديكم.

—————————–
أرشيف الحزب الديموقراطي التقدمي


محمد الطاهر المنصوري، وداعا

الدكتور محمد الطاهر المنصوري

الدكتور محمد الطاهر المنصوري

إنا لله وإنا إليه راجعون
فقدت الجامعة التونسية أحد أبرز أبنائها الدكتور محمد الطاهر المنصوري الذي أسهم على امتداد أكثر من ثلاثين عاما في تطوير البحث الأكاديمي في مجال التاريخ والعلوم  الإنسانية، الفقيد حاصل على الدكتوراه في التاريخ سنة 1987 من جامعة تولوز بفرنسا وديبلوم في علم النفس التربوي. قضى نحو 30 عامًا في جامعة منوبة بتونس أستاذا وباحثا ومؤطرًا لرسائل البحث ومحققا، ومنتجا لعشرات الدراسات والبحوث، وتخصص في العلاقات بين بيزنطة والعالم المتوسطي خلال العصر الوسيط، عمل أستاذا محاضرًا وزائرا في جامعات فرنسا واليونان وقبرص واليابان والمغرب والسعودية وبمعهد الدراسات العليا بالدوحة. 

هذه فقرة صوتية ضمن تتضمن تحليلا للواقع السياسي في العراق سنة 2004 إبان الغزو الأمريكي، من برنامج وثائقي بعنوان العالم يتحدى العالم بإمضاء عامر بوعزة.

 

(مواصلة القراءة…)


في ذكرى محمود درويش: هل نقول وداعا؟

محمود درويش

محمود درويش

فاجأنا المتنبي برحيله ثانيةً، ترجّل فارسُ الشعر العربي عن صهوة حصانه الذي كان مصنوعا من الريح ليتوارى في البياض.

 في مشهد تراجيدي قاسٍ على الضّمير العربي عاد الشاعرُ ملفوفا في العلم الفلسطيني ليُوارَى الترابَ هناك غير بعيدٍ عن القدس في المقاطعةِ حيث ينام ياسر عرفات والشهداءُ الذين ينتظرون قيامةَ العودة.

عاشقٌ من فلسطين يقف الآن مع المنتظرين في المعابر الـهُلامية الكائنة في التقاطع ما بين ذاكرتين: ذاكرةِ الأرض وذاكرةِ الشعر، محمود درويش العلامةُ والرمز سنديانةٌ خضراءُ في صحراء الوجدان العربي القاتمة حيث تعوي الرياحُ وتتبدّد النبوءات.

جرّب الموت مرتين، فارتفع من فوق سريره في خفة الكائن التي لا تُحتمل، ورأى في غرفة العمليات جسدَه المشدودَ إلى سقف الرغبة الأولى لكنه عاد هذه المرّة إلى الموت كمن يفي بوعد سابق، كأنَّ موته لم يكن فرضيةً قائمةً أو احتمالا ممكنا فنحن لم نستعدّ كما ينبغي للفطام ولتجربة اليُـتْم اللغوي، لم نتهيّأ للغياب والفراغ والحنين، فقد كان محمود درويش حتى اللحظة الأخيرة المرادف اللغوي لفلسطين والورقة الأكثر أهمية في معادلة التوازن الاستراتيجي بين الخسارات الكثيرة والربح القليل.

على امتداد ستين عاما من الهجرة والحب والحرب والبحر والذكريات كانت كل زيتونة من أرض كنعان القديمة تمدّ جذورها في كتاب الشعر العربي فتُلقي ظلالها الحزينة في قلب كل منفيّ، وكان الشاعر يصطاد اللحظة من سياقها العابر ليراكم في منفاه الروحي صُوَرا من فلسطين.

محمود درويش، العصيّ على الغياب، علّمنا أن الشعر ممكنٌ في زمن المستحيل وأن بَـهاء البلاغة قد صار ضرورة لتقوى جدرانُ البيت المهدّم على الانتظار، ولذا فنحن ندرك اليوم أن موته كان حاضرا بقوّة فيه وأن حضوره البهيّ الشجيّ في قلب كل مواطن عربي إنما قد كان على مدى أعوامنا الماضية حبل المشيمة اللغوي الذي يشدّنا إلى الجمال.

الحب الأسطوري الذي صنعته فلسطين من حولنا كان يعبّر عنه محمود درويش بالشفافة ذاتها تلك التي تمنح اللغة قدرتها على مخاتلة الزمن، لكنّ محمود درويش كانَ أكثر سخاء منّا وقد منحنا شعرا ووردا وفراشات وتفاصيل صغيرة تكفي لجعلنا نصغي برهافة أكثر إلى دفق الحياة وإيقاعها.

.

—————————-
النص النثري من كتاب نظرية الموز (دار البدوي للنشر تونس2016) وهو في الأصل مقدمة العدد الخاص من برنامج سفر على سفر الذي قدّمته في وفاة الشاعر سنة 2008

عامر بوعزة: زمن الأحلام الكبيرة ولّى

حوار مع الشاعر عامر بوعزةتونس – الحبيب لسود – دبي الثقافية
هو واحد من جيل شعري تفتحت قريحته خلال الثمانينات من القرن الماضي ورسّخ حضوره في التسعينات بتجربة متفردة تتجه نحو التكثيف والاختزال والتنوع ، فالتقارب بين الأسلوب الفوتوغرافي والتعبير الشعري شديد الوضوح لديه سيما في النصوص القصيرة التي تقدم المشهد اليومي بشكل مختلف، والأفكار السياسية والاجتماعية أكثر شفافية في نصوص يمكن إدراجها ضمن فن الكوميديا السوداء ، الكتابة لدى الشاعر عامر بوعزة ترتبط بالواقع ارتباطا متينا حيث الأزمنة والأمكنة والوجوه مألوفة لكنها تصير كائنات لغوية مفعمة بالدلالات في عالم شعري يشبه الحلم.

وبوعزة الذي يقيم الآن في دولة قطر حيث يعمل في قطاع الإعلام من مواليد 1966 بتونس العاصمة حائز على الماجيستير في اللغة والآداب العربية وأنتج في الإذاعة والتلفزيون برامج ثقافية واجتماعية وسياسية عديدة توج بعضها محليا وعربيا، صدر له (غابة تتذكر أحزانها) دار إنانا للنشر تونس 2011،و الأنين المتصاعد من أحلام النيام –دار شمس للنشر والإعلام بالقاهرة 2014، وصدر له مؤخرا كتاب نقدي بعنوان فاته أن يكون ملاكا وهو دراسة نقدية في سيرة محمد شكري الذاتية ، عن دار البدوي للنشر والتوزيع 2015، وينتظر أن يصدر له قريبا كتاب نثري بعنوان: نظرية الموز، صور ومشاهد من زمن بن علي.
معه كان هذا الحوار

في مجموعتك الشعرية الأنين المتصاعد من أحلام النيام الصادرة في 2014 عن دار شمس للنشر والتوزيع بالقاهرة نلمس تجذيرا للواقعي واليومي في النص الشعري، فضلا عن المراوحة بين التفعيلة والنثر، فما هي الخلفية النظرية التي تصدر عنها هذه التجربة؟

 منطلقات الكتابة الشعرية عندي هي الرؤية والاختلاف، فما يميز الكاتب والفنان عموما هو قدرته على اختراق الأشياء والعالم، من ثمة تتحدّد المسافة الفاصلة cover-final-02بين المجاز والواقع، تلك التي يسميها بعض النقاد المحدثين بؤرة التوتر، لذلك فإن النص يعبر بالضرورة عن الواقع ويحيل عليه ويتحاور معه وأحيانا يلقي الضوء على ما هو معتم فيه ويتجاوزه بالرؤيا. في نص “تلفزة أولاد أحمد” مثلا صورة من الواقع الكافكوي الذي انتهت إليه المدينة في مرحلة الاستبداد السياسي حيث يتجلى الموات في أكثر من صورة كما يتجلى العدم في انتفاء القيمة، ولذلك يقارب هذا النص النثري حالة اللامعنى فيما يشبه الكوميديا السوداء إذ تتساوى الأضداد وتنتفي الفوارق بين المتضادات تحت وطأة القحط، كما في “كشك عبد السلام” التي تقترب أكثر من مناخات الثورة وتقدم صورة المنتحر حرقا في مواجهة ميؤوس منها مع السلطة القائمة. النصوص كلها تنطلق من مشاهدات ووقائع ولحظات أو حالات ما لكنها تتحوّل إلى مشهد لغوي يلعب فيه الإيقاع دورا أساسيا فالغنائية تظل من أساسيات التعبير الشعري في تصورنا حتى وإن كانت بعض النصوص تنتمي إلى مجال النثر فهي تمتلك غنائيتها الخاصة كأن تستبطن إيقاع الشوارع وفوضاها. الكتابة تعبير عن الواقع والذات، لا يخرج شعرنا العربي الحديث عن هذه الخلفية خصوصا وأن عصرنا هو عصر الرواية ويشهد تراجعا حادا في الإقبال على الشعر.

واقعية النصوص من المجموعة الأولى إلى الثانية مرتبطة بالأسماء والأماكن وأحيانا الأزمنة، فكيف يمكن للشعر وهو لغة المطلق أن يتصل بهذه العناصر دون أن يقع في المباشرة؟

لا معنى للغة مجردة من ذاكرتها، والشعر عندي احتفال لغوي بالعالم، من ثمة كانت الوجوه والأسماء والنصوص والوقائع المرتكزات الأساسية لنصوصي الشعرية منذ المجموعة الأولى (غابة تتذكر أحزانها)، الاشتغال الحقيقي على النص هو تحويل اليومي إلى لحظة شعرية خالدة وتأصيل النص في ظرفيته لا يختلف ومعدن الشعر الأصيل، نحن ورثة ذاكرة شعرية لو تأملناها جيدا لوجدنا أنها كانت تعبر عن عصرها أكثر مما ترفرف في المطلق لكن قوتها الإبداعية هي التي جعلتها تتجاوز عصرها وها نحن نعاود تجربة الأسلاف برؤى مغايرة وحيل فنية تنتمي إلينا لكن الجوهر واحد.

يشار دائما إلى غياب المثقف والمبدع في تونس عن سياق ثورته التي كانت منطلقا للربيع العربي مما جعله يتنازل عن دوره الريادي في إحداث التغيير والتبشير به بل يتهم المثقف بتزييف الرأي العام فكيف تعيش هذه المفارقة؟

couverture3_front copyأعتقد أن هناك خلطا مُتعمّدا لدى من يسعون إلى الاستحواذ على المنجز الثوري بين التبشير بالتغيير وإحداثه فعليا في الواقع، الشعراء والفنانون والمثقفون لا يمثلون خطا واحدا بل فسيفساء من المواقف والاتجاهات والأفكار، هناك خط الموالاة والتمعش من الاستبداد وهناك خط الإخلاص الحقيقي للفن والنظر إلى الواقع بعمق نقدي. لم يكن النص الإبداعي في منأى عن الحراك الثوري وما حدث على أرض الواقع نجده مبثوثا في المسرح والسينما والقصائد وحتى الأغاني، ولكن تعوزنا اليوم القراءة الهادئة والموضوعية لهذه المدونة التي كتبت عن الاستبداد وبشرت بالخلاص، هناك أزمة قراءة في مجتمعنا ولكن تنضاف إليها اليوم أزمة قطيعة سياسية بين اتجاهات لا تريد الاعتراف بدولة الاستقلال وبأكثر من نصف قرن من التراكم الثقافي والاجتماعي نتيجته هذا الواقع الذي نعيش. بالنسبة إليّ أؤكّد أن نصوص مجموعتي الأخيرة الأنين المتصاعد من أحلام النيام كتبت خلال السنوات التي سبقت الثورة وفيها إرهاصات لما حدث في النهاية، علاقة الكتابة بالثورات لا تقتصر على الحماسة والتحريض هي أيضا قراءة الواقع والنفاذ إلى عمقه أيضا.

هذا عن الاستباق والاستشراف لكن كيف تبدو معايشة الشعر العربي للتحولات التي تعصف بالمجتمع في ظل الربيع العربي؟

السؤال لا يختص به الشعر بل هو مطروح على مختلف التعبيرات الفنية، فالتحولات المجتمعية سريعة جدا وما نشهده اليوم يعادل ما عاشته أجيال أخرى في عقود كاملة من ثمة كان المأزق في علاقة النص الإبداعي عامة بالواقع المتحوّل، ونحن نعيش في ظل هذه المتغيرات انحسار الضوء على التجارب الكبرى وخفوت وهجها الذي كان منذ نصف قرن زمن الأحلام الكبيرة، لكن لا أعتقد أنه ثمة ما يستدعي الزج بالتجربة الشعرية في خضمّ هذه الدوامة العنيفة فالشعر ينظر إلى الوجود في كليته ولا يقتصر على معايشة الآني في ظرفيته وتاريخيته، ما نعيشه اليوم لم يتجلّ بعد في قصائد مدهشة ومجددة والتجارب القليلة التي تفاعلت مع الثورات لم تخرج عن دائرة الانبهار والوصف ومحاولة النفاذ إلى عمق اللحظة بسرعة.

 نشرت كتابك الثاني في القاهرة وأنت مقيم في الخليج العربي فكيف ترى حضور الإبداع التونسي في المشهد العربي عامة؟

عامر بوعزة

عامر بوعزة

صعوبات النشر متشابهة في مختلف البلدان العربي ولكن هناك تقصير واضح من قبل الأجهزة الثقافية الرسمية في تونس في التعريف بالإنتاج الثقافي الوطني في المشرق والخليج وحضور المؤسسات الرسمية في معارض الكتاب ضعيف وأحيانا منعدم، لا يمكن الاطمئنان بسهولة إلى الإجابات التقليدية عن واقع التبادل الثقافي العربي والتذرع بقلة القراءة، فالخارطة الثقافية العربية بصدد التحول والانزياح ومراكز القوى التقليدية تتراجع لفائدة مراكز جديدة، الخليج العربي اليوم يمثل نقطة جذب هامة وذلك ما لم تنتبه إليه السلط الثقافية عندنا، هناك عمل كبير ينتظرنا لتوصيل التجارب المحلية إلى الأفق العربي وتجاوز هذه الثنائية التقليدية بين المشرق والمغرب.

أن يكون الشاعر إْعلاميا هل يؤثر ذلك بالسلب أم بالإيجاب على تجربته ؟ ثم آلا ترى أن الصحافة تأخذ الكثير من وقت الشاعر بما قد يتسبب في هيمنة قلم الصحفي على قلم الشاعر ؟

أن تكون إعلاميا معناه أن تكون دائما في قلب الحدث، تعايش عصرك لحظة بلحظة دون أن تجد الوقت الكافي للتأمل والابتعاد مسافة كافية لتعميق الرؤية لهذا يصعب جدا التوفيق بين الكتابة الشعرية والعمل الصحفي، الصحافة تهيمن على روح الشاعر وتأخذه بعيدا عن الينابيع الأولى بل وتزج به في دوامة عنيفة. لهذا السبب لا يمكن للإعلامي أن يكتب بغزارة أو بإسهاب وتتكثف الكتابة بشكل يجعل النص أقرب إلى الومضة. لكن الشعر يلقي دائما بظلاله على النص الصحفي ويتسلّل إلى التقارير في المفردات وإيقاع الكتابة وهذا أمر إيجابي.


فاته أن يكون ملاكا

صدر عن دار البدوي للنشر كتاب “فاته أن يكون ملاكا” بتوقيع الكاتب التونسي عامر بوعزة وهو دراسة نقدية في سيرة محمد شكري الذاتية تتناول أعماله الثلاث : الخبز الحافي، الشطار،ووجوه جاء في مقدمة الدراسة ما يلي:فاته أن يكون ملاكا

لقد أضعنا الطريق إلى محمد شكري طويلا، فاستسلم البعض إلى فكرة انحرافه المبكر عما ينبغي أن يكون عليه الأدب، واعتقد البعض الآخر أنه يشبع شهوة قارئ نهم لصور الفقر والقهر والاضطهاد. ولم ننتبه إلى الصراع التراجيدي الذي تمور عناصره في قاع التجربة: أدب الكاتب وحياة الانسان. فسيرة محمد شكري الذاتية تفتح الباب على عالم مليء بالإغواء والمغامرة والغموض، عالم تنبثق فيه إرادةُ الحياة من قاع البؤس والعنف والشقاء، يتخذ فيه الوجود معنى التحدي.

ولم يكن غرضنا في البدء بلوغ هذه الجهات في القراءة،  وإنما أردنا أن يكون البحثُ في أسئلة الكتابة: كيف صاغ محمد شكري الواقع باللغة؟، ولكن القراءة طفقت تأخذنا في مجاهل النص ومغاوره حتى أخذت الصورةُ النمطية تتبدّد وتحلّ محلها صورةٌ جديدة هي صورة الكاتب وهو يواجه قدره العاتي منذ أن قتل والدُه أخاه أمام أنظاره وأرغمه على ابتلاع تفاصيل المشهد في غياهب الذات.

“لقد فاتني أن أكون ملاكا”، عبارة كتبها محمد شكري وهو يسلّط وعي الكهل على طفولة الطفل، فحمل سيرته الذاتية معاني الحيرة إزاء الوجود والعدم، والخير والشر، والموت والحياة….، وإذا كان لابدّ من سبب يتذرع به الكاتب كي يقول حياته، فهذا سبب وجيه يجعل حياة كل فرد موضوعا ممكنا للكتابة شرط الإيمان بأن الأدب قاهرٌ الموتَ لامحالة.


فَريج المُرر

فريج المرر للكاتب السوداني حامد الناظر“منذ زمن طويل ونحن نبحث عن فردوس مفقود لا وجود له، حين يغيب عن خيالنا سيكون كل شيء ممكنا!”

رواية فريج المرر الصادرة مؤخرا عن المركز الثقافي العربي أثر أدبي ممتاز رغم أنها العمل الأول للصديق الكاتب السوداني حامد الناظر.

ارتباط الرواية بالمكان يجعلها تنتمي إلى المدرسة الواقعية وهي تستمد خصوصيتها من خصوصية هذا المكان الضيق الذي يغدو نافذة على عالم فسيح، ففريج المرر هو حي من أحياء مدينة دبي القديمة، وفيه يقع مقهى الزمن الذي يرتاده الأحباش، هنا تبدأ حكايات الفريج ولا تنتهي، يأخذنا الراوي إلى أعماق التاريخ الذهني والاجتماعي للحبشة من خلال نماذج حية لشخوص تصارع من أجل بقاء الهوية، فتنشطر الرواية إلى حكايات شتى تمتزج فيها الحكمة بالواقعية وتتآلف فيها الغرابة بالفجيعة.
هي ليست فقط رواية النادلات الأثيوبيات في مقاهي دبي وبنات الليل الوافدات من الجوع الافريقي، وهي ليست رواية حمد المري الذي يبحث عن امتداد له في نسل مستحيل، بل هي أيضا ليست حكاية الراوي الذي لا نعرف شيئا عن جذوره وكأنما ولد ساعة وصوله إلى دبي تائها في أزقتها القديمة باحثا عن أفق، لكنها رواية كل هذه الكائنات مجتمعة، رواية الحبشة التي كانت في يوم ما امبراطورية وأصبحت مصدرا لكل الأوجاع الإنسانية، هي رواية الفريج الذي سيغدو مرآة عظيمة تتفتت في ضوئها الذوات وتتوالد الحكايات، ولن يفقد الراوي في هذا الخضم مهارة الحكَّاءِ المخاتل إذ يمتنع عن الحكاية في نقطة الذروة ويترك للقارئ  أن يتخيل مصائر الشخوص يشكلها كيفما يشاء.

رواية أولى ولكنها متقنة قادت حامد الناظر إلى منصة التتويج أكثر من مرة، فقد امتاز فيها الكاتب بأداء لغوي يتسم بالبساطة والشاعرية وهو يتنقل بخفة ورشاقة داخل الفضاء الروائي الذي أنشأه بين السرد، والحوار الداخلي ووصف الأشياء التي يتكون منها هذا العالم المخفي في أعماق دبي الساحرة.


الأنين المتصاعدُ من أحلام النيامْ

الأنين المتصاعد من أحلام النيامعن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر للشاعر والإعلامي التونسي  عامر بوعزة مجموعته الشعرية الجديدة « الأنينُ المُتصاعدُ مِنْ أَحْلامِ النِّيامْ ».

الأنين المتصاعد من أحلام النيام ، ثلاثة عشر نصًا في ثمان وثمانين صفحة، هي: رؤيـا / سَـفَـر / رحيـل / أسئلة / ضـوء / بحـر / صـورة / رصيـف /تلفزة أولاد أحمد / ذكريات نمّالة / كشك عبد السلام / تـونـس / مـوت.

في هذه المجموعة الجديدة تتجه تجربة عامر بوعزة الشعرية نحو التكثيف والاختزال والتنوع.
لقد أضحى التقارب بين الأسلوب الفوتوغرافي والتعبير الشعري أشدَّ وضوحا سيّما في النصوص القصيرة التي تقدم المشهد اليومي بشكل مختلف، وأضحت الأفكار السياسية والاجتماعية أكثر شفافية في نصوص يمكن إدراجها ضمن فن الكوميديا السوداء.
والتزاما بنفس النهج الذي بدت عليه نصوص المجموعة الأولى “غابة تتذكر أحزانها” ترتبط الكتابة لدى الشاعر بالواقع ارتباطا متينا، فالأزمنة والأمكنة والوجوه مألوفة لكنها تصير كائنات لغوية مفعمة بالدلالات في عالم شعري يشبه الحلم.. (مواصلة القراءة…)


كلـــــمة الختام

عامر بوعزة

عامر بوعزة

أصدر الرئيس المدير العام للإذاعة التونسية مقررا بشطبي من قائمة موظفي المؤسسة، وبجرة القلم هذه وضع نهاية لثلاثة وعشرين عاما قضيتها في الوظيفة العمومية.

لقد كنت تقدمت بعد حصولي على عرض من إحدى المؤسسات الإعلامية العربية بطلب للإلحاق بالوكالة التونسية للتعاون الفني لكن رئاسة الإذاعة التونسية نظرت إلى المسألة من زاوية أخرى وفعلت بكل بساطة ما فعله النظام السابق مع الصحفيين الذين غادروا البلاد هربا من علوية الولاء السياسي على الكفاءة وتطويرا لآفاقهم المهنية: العزل انتقاما وتشفيا باستخدام القانون.

لن أناقش هذا الأمر، فالنقاش ماعاد يجدي نفعا وما عاد مهما التذكير بمحتوى خلافي المبدئي مع الإدارة بسبب رفضي علانية أسلوب شراء الذمم والترضيات المشبوهة وإساءة التصرف في الموارد المالية، إنما أؤكد أن انتقالي للعمل خارج تونس وإن كان هروبا من واقع مهني مــرّ فهو شرف للبيئة التي تكونت فيها قبل أن يكون اختبارا حقيقيا لي، لقد اشتغلت في مواقع مختلفة، وكانت الرحلة مليئة بالأحداث والنجاحات والإخفاقات حرصت فيها ما أمكن على استقلالية الفكر وحرية الرأي ونقاوة الضمير، ورغم ذلك أمتلك من الشجاعة الأخلاقية ما يكفي – وأنا أغادر الوسط الإعلامي- على الاعتذار لمن كان يرى أن عملنا في الإذاعة قبل حدوث الثورة يحملنا جزءا من مسؤولية النظام الذي لم نهتد إلى معارضته.

إن وجودي حاليا خارج تونس ليس جريمة تستوجب العقاب وقد كان حريا برئاسة المؤسسة أن تستجيب لطلب الإلحاق إلا أنّ غريزة الجَوْر والاستبداد زيّنت لها تسخير القانون لتصفية حسابات شخصية لم تكن طرفا فيها أصلا، ولهذا لشدّ ما تثير استغرابي تصريحات الدكتور محمد المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية لوسائل الإعلام الأجنبية عن استتباب العدالة في تونس وانعدام الظلم وأتمنى أن يكون حديثه عن تونس حقا وأن تكون تجربتي الشخصية مع المسؤولين الذين “أتت بهم الثورة” أمرا شاذا لا يقاس عليه.

أتمنى لكل الزملاء الصادقين النجاح والتوفيق والقدرة على الصبر والاحتمال حتى يتجاوزوا بأخف الأضرار هذه المحنة التي ابتليت بها الإذاعة في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ الدولة الديمقراطية الوليدة “دولة الحقوق والمؤسسات !”

لقد عملت بجدّ مع أساتذة أفخر بالتتلمذ عليهم والسير على خطاهم وزملاء أعتز بما أنجزناه سويا وتركت في خزينة الإذاعة وفي ذاكرة الناس أعمالا أقل ما يقال فيها إن وراءها جهدا وإخلاصا، ولست آسف على شيء فلم يعد ثمة في الإذاعة ما يدعو إلى الأسف إذ حق فيها قول الشاعر: لـقـد هـزلـت -حـتــَّـى بدا من هـزالـهـا – كِـلاها وحـتــَّـى سـامـهـا كـلُّ مـفـلـس.

                                                                                عامر بوعزة صحفي أول بالإذاعة التونسية (سابقا)


غـــابة تتذكّر أحـــزانها

270724_2120525487252_2283783_nتتضمن هذه المجموعة نصوص عامر بوعزة الشعرية الأولى التي ظهرت خلال مرحلة التسعينات  في الصحافة التونسية والعربية وأبرز المجلات الأدبية المتخصصة، وهي بهذا المعنى العتبات الأولى…

أفضت هذه العتبات بصاحبها من عالم الذات إلى الأفق الرحب من خلال معايشة التحولات التي عصفت بالعالم في نهاية الألفية الماضية. ففي هذه النصوص تتحاور وقائع وأحداث وشخوص في سياق رؤية يتزاوج فيها العاطفي المشترك بالجمالي المتفرّد وهي في بعض وجوهها محاولة من الشاعر “لاعتقال لحظة هاربة” والقبض على خيط دخان الزمن.

كل نص من نصوص هذه المجموعة يستمدّ إيقاعه من ذاته ومن توهجه الشعري الذي تغذيه الرؤيا أساسا وهكذا تجاورت نصوص النثر مع قصائد التفعيلة وعلا صوت الموسيقى وانخفض وفق طبيعة الحالة واللحظة، فهذه النصوص كلها في الأصل لحظات وانفعالات وصور أوْمضت ثم اختفت تاركة أثرا ما تعقّبه الشاعر حتى أخذه إلى غابة الشعر وتركه بين سيقان أشجارها الباسقة واخضرار آفاقها وارتسام الأشعة الدافئة على أوراقها الكثيفة التي تكسو الأرض.

وعامر بوعزة الذي انتزعته الصحافة الإذاعية من هذه الغابة الساحرة لسنوات طويلة، يطمح بإصداره هذا العمل الأول في هذا التوقيت بالذات إلى أن يصحّح قليلا مسار القطار الذي ركبه منذ مغادرته أسوار كلية الآداب بمنوبة ذات صيف ثمانيني لا يُنسى، وهو يعمل حاليا على مشاريع أدبية أخرى منها مجموعة نصوص بعنوان “نظرية الموز”، ومجموعة شعرية جديدة بعنوان “الأنين المتصاعد من أحلام النيام” و لم يكن ممكنا أن يتجاهل هذه النصوص ويتجاوز فكرة نشرها وها هي الآن تحتلّ موقعها بين إصدارات “إنــانــا” التي ما فتئت تتقدّم بخطى ثابتة في عالم النشر.



عامر بوعزة يقدّم المجموعة في برنامج صباح الخير على القناة الوطنية الأولى:

 


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress