أقلام صديقة

حامد الناظر يكتب عن نظرية الموز

small_old_couvأتاحت لي عزلة كورونا المجيدة قراءة ثانية في كتاب “نظرية الموز” للصديق العزيز الصحفي والشاعر التونسي عامر بوعزة الذي صدر في العام ٢٠١٦.

يتألف هذا الكتاب النبيل والساخر من مجموعة نصوص ومقالات قصيرة مكثفة، بالغة الكمال في أفكارها، صانعة قوسًا إنسانيًا واسعًا فوق قريتنا الكونية، من الأدب إلى الصحافة والإعلام إلى العولمة إلى الطبقة الوسطى إلى فيروز ومحمود درويش وبورقيبة والقاهرة وغزة وكوبا وأشياء أخرى، وهي على كل حال تقرأ بأكثر من وجه، متجاوزة بذلك الفضاء التونسي بإشارات وإحالات ذكية إلى فضاءات أخرى أوسع تشملنا بعذاب الذاكرة طالما أننا وقعنا جميعًا في فخ العولمة.

نصوص بوعزة كتبت بخليط سحري من النوستالجيا والسخرية حول تلاشي الطبقة الوسطى التي كان الموز أحد أهم رموزها في الموائد وفي الذاكرة التونسية قبل سقوط جدار برلين، وتلك حكاية أخرى تشبه حكايتنا أيضًا. يعبر القاريء إلى نصوص الكتاب من خلال عتبة قصيرة، هي ملخص مكثف لكتاب (فخ العولمة) للكاتبيْن (هانس بيتر مارتن – هارالد شومان)الذي صدر ١٩٩٦ وتنبأ بديكتاتورية السوق والإعلام الموجه والقيم الجديدة الخالية من أية مضامين إنسانية، في ظل هيمنة النموذج الأمريكي على العالم، والأهم أن الثروة ستتركز في حجر خمس سكان العالم، وسيصبح الـ ٨٠٪؜ عاطلين ومعوزين وفائضين عن الحاجة!

حامد الناظر

حامد الناظر

يقول بوعزة “انتهت حكايتنا مع الموز، ولم ينتبه أحدٌ إلى أن ذلك النصر تحقق بفضل العولمة، وكان على الذين ناهضوا العولمة أن يفكروا قليلاً قبل الإصداع بمواقفهم المناهضة وأن يقارنوا بين حالهم مع الموز وحال آبائهم زمن السيادة الحدودية التقليدية والحماية الجمركية الصارمة، زمن جدار برلين. عليهم أن يختاروا بين حالتي الموز واللاموز، بين الوفرة التي يشهدونها بعيونهم ويلمسونها بأصابعهم في الأسواق والحرمان الذي طبع ذكريات طفولتهم خلال نصف قرن مضى.

موزة لكل فم، أليست تلك هي العولمة؟”.

“الموز ومعه الصحيفة” كانا أحد أهم رموز الطبقة الوسطى في السودان، وكانت هذه الطبقة النبيلة مثل غيرها في معظم بلاد الله قبل سقوط جدار برلين ومجيء البشير وبن علي وجورج بوش الأب ويلتسين، طبقة واسعة وممتدة أفقيًا في كل مؤسسات الدولة، في التعليم والصحة والسكة الحديد والموانيء ومياه المدن ومصلحة الضرائب وسلك القضاء وغيرها الكثير، قبل أن يصبح هاتف جالاكسي الذكي رمزًا أصيلًا لطبقة جديدة فقيرة لا اسم لها، تعود في آخر يومها بباقة إنترنت ورصيد مكالمات بدل كيس الموز وصحيفة اليوم الطازجة، أليست هذه عولمة البشير التي بشرتنا ب”البيتزا الإيطالية والهوت دوغ”؟

اجتاحت ثورات الفائضين عن الحاجة نصف العالم تقريبًا على موجات متتالية، وأشكال متباينة من التعبير خلال العقود الثلاثة الماضية، وهاهي جائحة كورونا تهدد العروش وتخلخل ما بقي من قيم إنسانية في ضمائر ساسته الأنانيين. ولكي ينجو الخمس الثري الذي يملك مفاتيح المستقبل، لم يعد أمامه إلا أن يخبر هذه اللعنة الماكرة، على وجه اليقين، كيف تفرق بين من يستحقون الحياة وبين الفائضين عن الحاجة حتى تقوم بدورها على الوجه الأكمل فيخلو لهم وجه العالم، هذه هي المعضلة الآن وليست في ذلك السؤال الذي طرحه كتاب (مارتن/شومان) ماذا نفعل بالحرية التي أوجدتها العولمة؟


لماذا استعجلت الرحيل؟

عبد العزيز الجلاصي

بقلم عبد العزيز الجلاصي

صباح الخير، أولا.
هل نمت جيّدا ليلة أمس؟
كيف كانت السماء عندكم؟
هل أمطرت؟
هنا، الأمطار التي انتظرناها طويلا معا، أطلّت طوفانا، وذهبت على عجل؟
لكن، دعنا من هذا كلّه الآن، وأخبرني:
لماذا استعجلت الرحيل؟
ما زال أمامنا متسع من الوقت كي ننهي حديثا بدأناه قبل أن نخلد إلى قيلولتنا الكسلى، فلا تخذلني إذا.
وعدتني أن تبدأ في كتابة روايتك، وتسلمني مسودّات فصولها فصلا فصلا.
وعدتني أن تعود إلى نصّك الأخير(سأصحو يوما) لتعدّل خللا إيقاعيا شعرتَ به أنت، ولم أنتبه إليه.
وعدتني أن نطيل السهر لنستمع معا إلى (بثينة قويعة) تقرأ لنا “درويش” في “إشراقاتها” على أمواج الإذاعة الوطنية.
كنت ستعزف لها درسك الأول على العود الذي نفضت عنه الغبار منذ أسبوع وجدّدت أوتاره.
منذ أسبوع، أشرقتَ بصوتك وأنت تقرأ لشاعر “الثلاثين عصفورة”؛ صديقنا (عامر بوعزّة) الواقف مذهولا على شفا الهاوية يرقب رحيلا لم يتوقّع حدوثه، بعد أن كنّا في الليلة السابقة نرتّب معه موعدا للقاء شتويّ.
مازال أمامنا متسع من الوقت، لننعم بتقاعدنا، ولنطلق العنان لخرفنا وتصابينا، في بيت نبنيه معا يتسع لمناقراتنا ولعبث أحفادنا…

(مواصلة القراءة…)


سرّ الصوت الفضيّ ذي القرار الموسيقي الغامض..

الشاعر والإعلامي نصر الدين اللواتيالشاعر والإعلامي نصر الدين اللواتي

الشاعر والإعلامي نصر الدين اللواتي

بعد ربع قرن.. من تلك الأيّام البعيدة، أيام صيدِ المعاني على طريقِ الحياة، والتحفّز للتحليق وراء الأفكار والقصائد والمجازات والأوهامٍ والأحلام وهي تتطايرُ في كل اتجاه، من تلك الأيام البعيدة، حيثُ الذكريات المخاتلةُ ما انفكت تلاعبنا، يأتي صوتٌ كموسيقى ملونة بالفضة.
صوتٌ كأنه يرنّ الآن منطلقا في تحليقه الأثيري قادمًا من نواحي غامضة ومسافرًا الى أمكنة سريّة، بنبرةِ قرارٍ موسيقيّ لا تشبهُ أي موسيقى.
لكنه لم يكن مجرّد صوت ذاك الذي كان يقودني كل مرة لسهرٍ رحبٍ ومذهل، كان صفحاتِ اكتشاف متواليةٍ لأسماء ولآداب وقضاياَ ولتساؤلات وهواجس هي الآن معمارٌ في الذاكرة لا يتزحزح.
كنتُ ألاحقُ برنامج إبحار، ثم قمر لكل الليالي، ببهجةٍ منقطعة النظير، قبل أن أفهم فيما بعد أن هذين البرنامجين الإذاعيين الأسبوعين في إذاعة المنستير التونسية، منحا جيلاً وأكثر متعةَ اكتشاف عوالم الثقافة العربية بتنوع أسمائها مشرقًا ومغربًا وتعدد انشغالاتها ومعاركها وخاصّة مع ارتباط الانتاج الثقافي عربيًّا خلال التسعينات بهزات وزلازل وتحولات كبيرة.
وأكثر من المتعةِ كانت تلك السهرات معرفةً خالصةً، بحواراتٍ واختيارات لا ارتجال فيها ولا استسهال، وفرصةً لتهريب ذوقٍ فني وأفكارٍ مختلفةٍ، تلك التي كان النظام الرقابي يحار في مطاردتها، حتى نجح في إسكاتها، قبل أن تهب بعد ذلك رياحٌ وتتلاحق أحداثٌ في بلد الفرح الدائم.
بعد نحو ربع قرن، أردت فقط أن أقول شكرًا لذلك الصوت الفضيّ ذو القرار الموسيقي الغامض، شكرًا للشاعر المختلف بنصوصه الحائرة، شكرًا للمعرفة والاكتشاف والذائقة التي كنت جزءًا منها، شكرًا عامر بوعزة

—————
نصر الدين اللواتي


“فاته أن يكون ملاكا”.. قراءة جديدة لسيرة محمد شكري

فاته أن يكون ملاكا

كمال الرياحي / الجزيرة نت

ما تزال السيرة الذاتية للكاتب المغربي محمد شكري مثيرة للقراءة والنقد منذ بداية ظهور جزئها الأول في ثمانينيات القرن الماضي. وقد قطعت تلك السيرة شوطا طويلا في التهميش والإدانة والمطاردة والمنع.
رفضت دور نشر طباعة الجزء الأول من السيرة والذي يحمل عنوان “الخبز الحافي”، ثم مُنع من التوزيع وحُظر تدريسه في الجامعة كما في حادثة الجامعة الأميركية بالقاهرة.
غير أن هذه السيرة اشتهرت عندما دفعت الطاهر بن جلون لترجمتها إلى الفرنسية، لتظهر في دار ماسبيرو الشهيرة بلغة موليير قبل لغة الضاد التي كتبت بها. وقد سبق أن ظهرت لها ترجمة إنجليزية مخيبة للآمال مع بول بولز.
“فاته أن يكون ملاكا” هو كتاب جديد صدر حديثا عن دار البدوي للباحث والإعلامي التونسي عامر بوعزة يحاول فيه تفكيك هذه السيرة ومقاربتها مقاربة نقدية جديدة.
أن يكون ملاكا
اختار الباحث آخر عبارة نطق بها الراوي في “الخبز الحافي” لتكون عنوانا لكتابه، عبارة قالها محمد شكري الكهل أمام قبر أخيه الذي قتله والده وهو بعدُ طفلٌ أمامه. عتبة نصية أخرى تؤكد تمسك الناقد بالطبيعة الاستثنائية لصاحب السيرة الذي فاته أن يكون ملاكا كأخيه، وأنه عاش ليجعل منه الواقع القاسي شيئا آخر لا يقوله النص، وتبقى تأويلاته مفتوحة مع كل قارئ، فهل جعلت منه الحياة شيطانا أم إنسانا؟

كمال الرياحي

جاء الكتاب في بابين: الأول ينطلق من الهوية الواقعية إلى الهوية السردية ويذكّر فيه الباحث بمسألة الهوية الواقعية، محددا خصوصيات المكان وضبط ألاعيب الأزمنة وعلاقتها بسرد الوقائع ووعي الراوي بالعالم وإعادة تشكيل الذات.
أما الباب الثاني فيرصد ملامح الفرادة في سيرة محمد شكري الذاتية، ويتناول قضايا فنية لها علاقة بأدبيات كتابة السير الذاتية ضمن ثنائيات من نحو “الحقيقة والمجاز” و”النسيان والتذكر” و”الطفولة والرجولة” و”الرؤية والرؤيا” و”الذات والآخر”. كما فتح الباب على التقاط الطاقة الرمزية في نص السيرة والتطرق لقضايا نفسية، منها عقدة “قتل الأب” والجسد واللذة ومسألة الموت.
التحرر من الأحادية
لا يدعي الكتاب فتحا في مجال السيرة الذاتية ولا حتى في مقاربة سيرة محمد شكري أو ثلاثيته، بل يكتفي بتوصيف نفسه باعتباره مجرد قارئ لهذه السيرة الذاتية.
لكن قيمة هذا الكتاب تتجلى أولا في محاولة مقاربة السيرة في كلّيتها، أي من خلال الثلاثية كاملة “الخبز الحافي” و”الشطار” و”وجوه”، وبذلك يُخرج الباحثُ المبدعَ شكري من أسر الكتاب الواحد.
ويقول بوعزة مبررا اختياراته “نعتقد أن كتاب الخبز الحافي قد يكون شجرة عظيمة تحجب أمام القرّاء غابة فيها من الغواية الإبداعية ما يستوجب المغامرة”. والحق أن هذا ما كان يردده الكاتب نفسه عندما يواجهه الإعلاميون بأسئلة عن “الخبز الحافي” فيحتج بقوله إنه كتب غيره الكثير، وإن أدبه تطوّر كثيرا عن النص الأول الذي تريد المؤسسة الإعلامية والنقدية أسره فيه.
تتمثل الفضيلة الثانية لهذه القراءة في تحرر القراءة قدر الإمكان من أحادية المنهج الذي رأى الباحث أنها ستكون سببا في قصور الرؤية وتدبر أمر هذا النص الخُلاسي المستعصي على التوصيف، ولذلك فتح القراءة على باب التأويل دون السقوط في فوضى مصطلحية أو في الذاتية الانطباعية.
عامر بوعزةالسيرة والواقع
ينحو هذا البحث نحو مداورة مفهوم الواقع وتجلياته من خلال مدونة سِيَرية لكاتب شديد العلاقة بواقعه يعتبر الباحث أعماله “وثيقة اجتماعية تؤرخ للمهمشين والفقراء، رفضا لمقولة الانعكاس التي تجعل من السيرة الذاتية شهادة للكاتب على عصره”.
وينطلق بوعزة في هذه المقاربة مستندا إلى منجز الإنشائي الفرنسي فيليب لوجون الذي قضى حياته في تقعيد كتابة السيرة الذاتية واستخراج أسرارها وآليات اشتغالها، ولم يتردد في بحوثه في مراجعة بعض أفكاره المتعلقة بمسألة الواقع والتطابق وقول الحقيقة، خاصة بعد ظهور كتب مواطنه جورج ماي.
غير أن انفتاح البحث على الهرمينيوطيقيا (التفسير والتأويل) واجتراحات بول ريكور، وخاصة مفهوم “الهوية السردية”، أكسب المقاربة اختلافا أخرجها من اجترار القراءات الأخرى إلى التأمل في النصوص نفسها لإعادة قراءتها من منظور جديد هو نفسه المنظور الحداثي لتلقي السير الذاتية اليوم.
فالذات الكاتبة لم تعد تلك التي عاشت الوقائع، بل ذاتا سردية خلقها الكاتب لتسرد سيرة ذاتٍ مركبة تتحرك كل لحظة بما يجعلها تتغير ولا تتطابق مع نفسها تماما، ولتصبح في النهاية ذاتا متخيلة وشخصية ورقية لا يربطها بالواقع غير ذلك الميثاق الأول للكتابة بين الكاتب والقارئ يقر فيه أنه سيكتب الحقيقة، فلا وقائع ولا حقيقة يمكن أن تقولها السيرة الذاتية، وخاصة منها تلك التي لا تتردد في وصف نفسها بالروائية.
يمثل كتاب عامر بوعزة بحثا مهما ينضاف إلى المدونة النقدية المهتمة بسيرة محمد الشكري الذاتية، ويقدم قراءة مختلفة وتذكّر ببليوغرافيا نقدية أخرى سبقتها تؤكد أن الأدب الحي يظل في حاجة إلى نوافذ جديدة تفتح عليه من زوايا أخرى غير مطروقة.


الجهاد المقدس على “فيسبوك”

ألفرد عصفور

ألفرد عصفور
إعلامي من الأردن

 بقلم الدكتور ألفرد عصفور:

خلال الأيام الأخيرة ازدحم موقع “فيسبوك” الى حد الانفجار تعليقا وتعقيبا وإبداعا, إزاء ما يجري من أحداث في الشرق الأوسط. فكل على ما يبدو يغني على ليلاه وهذا مثل ينطبق بدقة على ساحة “فيسبوك”. فلكل ما يغني له أو يبكي عليه.
قليلا ما أشارك في التعليقات على هذا الموقع الالكتروني ولكني كثيرا ما أتابع وأدقق فيما يكتبه اصدقاء ال¯ “فيسبوك” وهم يزيدون عن ستمئة.
في المتابعة ال¯ “فيسبوك” نجد بعض الأصدقاء في واد والعالم في واد آخر. فتراه لا يزال, برغم الأحداث الدموية الكبرى في المنطقة, يرسل المضحكات والطرائف ودعوات للمشاركة في الألعاب, أو المسليات, وآخرون يرسلون صور مناسباتهم الخاصة, وكأنهم يقولون للعالم اتركونا نعيش حياتنا بطريقتنا.
الأحداث الجارية في المنطقة ومن خلال التعليقات عليها عبر “فيسبوك” والمشاركات المختلفة والمتناقضة كشفت الكثير من مكنونات النفوس. فإلى جانب الفريق الذي لا يريد أن يسجل أي موقف قد يحسب عليه مكتفيا بالتفرج والنأي بالنفس, هناك الفريق الذي اعتبر الأمر معركته التي كان ينتظرها, وجهاده المقدس الذي يتمنى الاستشهاد فيه. فترى هذا الفريق يرسل في الساعة الواحدة أكثر من عشرة “بوستات” مختلفة لكنها في مجال واحد وقضية واحدة. في متابعة “”بوستات”” “فيسبوك” هذا الأسبوع نجد عودة قوية إلى الغيبيات والأدعية والتمنيات, وثمة عودة قوية لفكرة المؤامرة الخفية التي تستهدف الوطن العربي ودينه ومقدساته. رأيت هذا الأسبوع على “فيسبوك” أدعية وأحاديث وآيات كأنما نسمعها ونراها للمرة الأولى وكأنها نزلت اليوم مثلما قال عمر “رضي الله عنه”. (مواصلة القراءة…)


لن أصمت بعد اليوم

بقلم الدكتور محمد الفهري شلبي
الدكتور محمد الفهري شلبي

الدكتور محمد الفهري شلبي

صمت طويلا. قررت ألا أصمت بعد اليوم . هاكم لمحة سريعة عن القضية التي جعلتني أنقم أحيانا على أشياء كثيرة سبق أني تحدثت عنها منها أني تعلمت. لو لم أفعل لكنت في الشقاوة أنعم.
ملف القضية معروف في شأننا، الرؤساء المديرين العامين الذين تداولوا على المؤسسة منذ 2002. سأتحدث باسمي، فأنا سيد نفسي اليوم، و أترك لزملائي الحديث عن أنفسهم و إن كان ما سأقول يخص القضية فهو يخص الجميع.
التهمة الموجهة إلي هي أنني اشتريت برامج كاكتوس دون اللجوء إلى قانون الصفقات العمومية و بالمقايضة.سأترك الحديث عن القانون و عن المنطق جانبا الآن و أذكر لكم ما قاله رئيس الحكومة علي العريض قبل عام و نيف بتاريخ 30 ماي 2013.
1-المستوى السياسي
“أعلن رئيس الحكومة،علي العريض أنه تم الترخيص للتفزة التونسية وبصفة استثنائية باعتماد صيغة المقايضة بالمساحات الاشهارية بالنسبة لبرمجة شهر رمضان المقبل وذلك في إطار دعم مواردها”. و هاكم الرابط.
يعني هذا ببساطة شديدة أن السجان أقر صراحة أنه لم يكن في وسع التلفزة و لا في وسع المسجونين آنذاك و الممنوعين من السفر اليوم انتاج مواد درامية و غيرها لشهر رمضان بالموارد المخصصة للتلفزة ، و هذا بعد مغادرة كاكتوس بعامين مما يفترض أن الأوضاع تحسنت.
كان رد مجلس إدارة التلفزة الرفض لأنهم أدركوا أنه طُلب منهم فعل ما سُجن من أجله أربعة أشخاص أنا خامسهم. و كان رضا السعيدي المكلف بالملف الاقتصادي صرح قبلها في بداية أفريل بالشيء ذاته. .” أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم؟”
2- المستوى القانوني
ينص قانون عدد 33 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 و المتعلق بالمؤسسات العمومية للقطاع السمعي والبصري على ما يلي في فصله السابع:
” تخضع صفقات المؤسسات العمومية للقطاع السمعي والبصري وكذلك الاتفاقيات التي يترتب عنها انعكاس مالي إلى التراتيب العامة في مادة الصفقات العمومية فيما يتعلق بنفقات التجهيز والتسيير العادي. وتُضبط بأمر أنظمة خاصة تحدد شروط وإجراءات اقتناء حقوق بث وملكية الأعمال السمعية البصرية وتنفيذها” (الرابط)
بربكم هل بعد هذا وضوح؟ ما الذي يخضع إلى التراتيب العامة المعمول بها في الصفقات العمومية؟ هي النفقات المتصلة بالتجهيز وبالتسيير العادي. و ماذا عن المواد السمعية البصرية ؟ أنظمة خاصة تُحدد شروط وإجراءات اقتناء حقوق بث وملكية الأعمال السمعية البصرية وتنفيذها.
ماذا يعني هذا؟ أن القانون يقر صراحة بأن المواد السمعية البصرية لا يمكن أن تخضع إلى تراتيب الصفقات العمومية. تخضع إلى أنظمة خاصة ، و كنا في أكتوبر 2010 بصدد وضع اللمسات الأخيرة لمشروع أمر ينظم هذا القطاع.
عندما جابهت من سألني عن ذلك أجابني بأنه كان على انتظار صدور الأوامر. يعني أمتنع عن شراء أي مضمون إعلامي بما في ذلك حقوق بث المقابلات الرياضية و الحال أني مطالب بالقانون أن أسهر على عدم توقف البث في الخدمة العامة. الأمر المنظم هذا لم يصدر إلى الآن. من كان يقبل التوقف عن بث مسلسلات في رمضان في انتظار أوامر لم تصدر إلى ال’ن؟ دعوا جانبا السياسة و ما يرافقها. هل هذا كلام معقول.
هل فهمتم الآن لماذا رخّص على العريض سنة 2013 للتلفزة بأن تقتني البرامج كما كانت تتعامل التلفزة مع كاكتوس و غيرها كمحمد الحناشي الذي كان يبيع التلفزة برامج سأحدثكم عنها لاحقا؟
3-المستوى المنطقي
لماذا لا يمكن لأي تلفزة في العالم ان تشتري مواد سمعية بصرية حسب قانون الصفقات العمومية؟ مبدأ الصفقة العمومية هو أن تنشر إعلانا تقول فيه المؤسسة كذا ستقتني السلعة الفلانية حسب مواصفات محددة، كأن تقول 100 كرسي من المادة الفلانية بحجم كذا تتحمل الوزن الفلاني…. تتلقى ثلاثة عروض و يجبرك القانون على الابقاء على العرض الأقل ثمنا. تصوروا أن التلفزة تنشر إعلانا لاقتناء مسلسل؟ ما هي المواصفات التي ستحددها ؟ و إن هي حددتها هذا يقتضي أن تكون المسلسلات الثلاثة متطابقة في كل شيء حتى تأخذ الاقل ثمنا. متطابقة في كل شيء. هل هذا معقول؟
فلنفترض أنه ممكن. و سنتغلب على قانون الجاذبية. من من المنتجين يخاطر بإنتاج مسلسل كلفته 2 مليارات و هو يعلم ان له حظا على ثلاثة ليُبقى على مسلسله؟ و هل يمكن الإكتفاء بحلقة واحدة لتقييم المسلسل. العارفون بالعمل التلفزي يعلمون أن هذه نكتة لأن 15 حلقة من مسلسل واحد تنتج بشكل متواز.
تصوروا أن وزارة الثقافة تتصرف بالمنطق نفسه؟ تحدد شروطا و تنتظر ثلاث فاطمات بو ساحة و تأخذ الفاطمة الأقل سعرا؟ و هذا يقتضي بطبيعة الأمر استنساخ المرأة ثلاث مرات…عندما جاءت وزارة الثقافة بأزنافور، هل اتبعت مسلك الصفقات العمومية؟
هل فهمتم الآن أنني سجنت ظلما مرتين و منعت من السفر ظلما و لطخت سمعتي ظلما حتى البارحة على الفيس بوك؟
ماذا بقي؟ التجاوز في الإشهار. جيد. هاكم التفسير: لما تم فصل الإذاعة عن التلفزة عام 2007 لم يُحدث هيكل تنظيمي للتلفزة عندما أصبحت مستقلة عن الإذاعة. لما توليت منصبي في جويلة 2009 سألت عن ذلك و قدموا لي مشروعا أعده سلفي و رفضته سلطة الإشراف و قُدم لي ذلك في سبتمبر 2009. و بدأنا بالاشتغال على ذلك و طالبت النقابة في مفاوضات مضنية مطالب كثيرة من بيينها المشاركة في إعداد الهيكل التنظيمي. و كنت منشغلا بنقل التلفزة إلى مقرها الجديد بسواعد بنات التلفزة و أبنائها. لن أفصل و سأكتفي بالقول إن قنوات تلفزية فرنسية استعانت بالأمريكان…
و ما لم يكن هنك هيكل جديد يبقى الهيكل التنظيمي القديم ساري المفعول، و هو أمر عدد 1296 بتاريخ 4 جوان 1999. ماذا نجد في هذا النص:
الفصل 36 يقول: “تكلف إدارة القناة الوطنية –قناة 7 خاصة- بإعداد و ضبط سياسة المؤسسة في ميدان البرامج التلفزية و بالعمل على الإرتقاء بالثقافة و الحضارة التونسية و بالقيام بالإنتاج الخاص بالقناة و بالبرمجة و البث و متابعة البرامج التلفزية”.
الفصل 38 يتحدث عن المصلحة الفرعية لبرمجة قناة تونس 7 التي تشتمل على مصلحتين:
-مصلحة البرمجة و مرافبة البث
-مصلحة مشاهدة البرامج.
كل هذا تحت إشراف مدير قناة تونس 7. فمن هو مطالب بأن يرى التجاوز في حجم الإشهار؟ هل الرئيس المدير العام أم أناس آخرون؟
ملاحظة: كل كلمة قلتها هنا و سأقولها موثقة إما نصا أو شهادة.
د محمد الفهري شلبي

———————
المزيد حول نفس الموضوع

كلنا محمد شلبي، كلنا ذاك الرجل
ساعة الرئيس المعطلة


كوابيس المرحلة

قراءة في مجموعة الأنين المتصاعد من أحلام النيام لعامر بوعزة 
بقلم رياض خليف

الأنين المتصاعد من أحلام النيام لعامر بوعزة  مازال النص الشعري في تونس يحمل شحنة كبيرة من القلق والتأزم عاكسا حالة اللا استقرار التي سطت على الوضع منذ مدة. فأغلب النصوص التي تظهر في السنوات الأخيرة لم تكتم الحزن والحيرة والضياع عكس ما كان منتظرا وعلى خلاف التاريخ العربي الذي عرف فيه الأدب موجة فرح عقب الأحداث السياسية الكبرى .. ولعل أخر الأعمال الصادرة والتي تجسد هذا المشهد الشعري كتاب “الأنين المتصاعد من أحلام النيام” الذي أصدره الأستاذ عامر بوعزة في القاهرة مؤخرا .. فهذا الكتاب أضاف للمدونة التونسية نصا آخر يغلب عليه التوتر وهو ما يسهل على القارئ اقتناصه…

تقاطعات العناوين

على غير عادة شعراء العصر الذين اعتادوا اختيار عنوان داخلي كعنوان رئيسي يأتي هذا العنوان وهو ما يعطيه قيمة أخرى تسيطر على كل عناوين القصائد فهو عنوان جامع ومؤثر بالتأكيد …

على مستوى الشكل ورد هذا العنوان مركبا وفيه الإضافة والنعت والجر أما العناوين الداخلية فعشرة منها ذات مفردة واحدة مقابل ثلاث عناوين مركبة…

أما معجميا فيلتقي العنوان مع هذه العناوين الداخلية قي معجم التوتر (انين. رحيل. اسئلة. رصيف. موت) كما يلتقي معها في معجم الحلم (احلام. رؤيا. سفر. بحر. ضوء…)

هذه التقاطعات توحي بان الكاتب يعد كل هذا المحتوى في باب الأنين والحلم المزعج هي رائحة الكابوس يطلقها هذا العنوان الرئيسي فالأحلام التي ينبعث منها الأنين هي الكوابيس المزعجة…ربما اراد الشاعر تصوير ثنائية الحلم والألم التي نعيشها في لحظتنا المعاصرة التي ارتبطت بها جملة مكن نصوص عمله… (مواصلة القراءة…)


التعارف من أجل إنجاح الحوار

ألفرد عصفور

ألفرد عصفور
إعلامي من الأردن

قد لا يكون جديدا القول إن الحوار بين أتباع الديانات على اختلافها مطلوب وضروري ولا بد منه اذا اردنا للعالم ان يعيش بسلام ومن اجل أن لا تستخدم الأديان كمحرض على الحروب، فالعنف مناف لطبيعة الله وهو بالضرورة كذلك مناف لجوهر الاديان. واذا كان الهدف من اي حوار بين اتباع الاديان والحضارات سيؤدي إلى تعايش سلمي بين اتباعها فان ما يجب ان يسبق الحوار هو التعارف.القرآن الكريم يدعو المسلمين لان يقرأوا. ” اقرأ… ” وكذلك يؤكد” “إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا….” ويقول الإنجيل: “فتشوا الكتب… إن لكم فيها حياة ابدية” وهذا التعارف المطلوب ليس من باب اعرف عدوك بل من باب اعرف جارك واحبب قريبك. فكيف يكون التعارف؟ ليس للمسيحي ان يتعرف على العقيدة الاسلامية من غير مصادرها الاصلية: القران الكريم والكتابات الاسلامية. فلا يجوز الاعتماد على ما كتبه الاستاذ الحداد مثلا عن الاسلام، او ما كتبه المستشرقون او المعلقون او ما تقوله بعض الفضائيات غير الاسلامية عن الاسلام.ولا يمكن للمسلم ان يتعرف على العقيدة المسيحية ان لم يتعرف عليها من مصادرها الاصلية اي الانجيل والكتابات المسيحية والان المواقع المسيحية على الانترنت والقنوات الفضائية المسيحية متوفرة بكثرة لمثل هذه المعرفة. (مواصلة القراءة…)


غابة تتذكر أحزانها

الفرد عصفور

ديوان شعر على الطريقة الحديثة. قطع صغير وصفحات غير مزدحمة. والشعر نفسه على الطريقة الحديثة المرسلة بدون قوافي الا اقل القليل. ولكن بالقراءة المتأنية يمكن لمن يحاول الاصغاء الى الصوت الداخلي في القصائد ان يجد موسيقى حزينة تنتظم كل النص من الصفحة الاولى الى الاخيرة.

يلفت النظر في هذه الاشعار ذلك الاستحداث الغريب لربط ما هو جماد بما هو صاحب روح اي  المادي والمعنوي. شعرت ان الشاعر في بعض القصائد، الاولى على سبيل المثال والتي حمل الديوان عنوانها: غابة تتذكر احزانها، ان الشاعر يحمل في نفسه حزنا دفينا وتساؤلا ينم عن شعور يمكن وصفه بانه الاحساس بالغبن. هناك تكرار جميل لكلمة من بعدنا وهذا التكرار في رايي يعبر عن حنق الشاعر على الحالة التي يتحدث عنها. حالة من التعب والحزن والغبن والانكسار الى جانب حالة من العشق والذوبان والنوستالجيا للماضي الجميل…. لكنه الماضي الذي لم يحدث.

في قصيدة اخرى يكثر الشاعر استخدام فكرة المرايا. حيث يرى فيها البحر والنخيل والشهوات… تلك هي تونس الجميلة. (مواصلة القراءة…)


رماد البوعزيزي

ـ1 ـ

أثر الفعل تجاوز الفعل ذاته، على نحو فاجأ المخيلة، ولم يتوقعه الظن. بلدة فقيرة منومة أيقظت المدن من سباتها. جناح فراشة تونسية ولـد إعصارا عربيا. وها هي العاصفة، الآن، تسكن في كل بيت في هذه البقعة

أدونيس

أدونيس

العربية من العالم.

أما كيف حدث ما حدث، أو لكي نحور إيجابيا المثل العربي الشعبي: كيف صارت الحبة التونسية قبة عربية؟ فأمر يجب أن يعالجه، تفهما واعتبارا، إضاءة واستنارة، ذوو الخبرة والاختصاص.

في كل حال، يُشير هذا الذي حدث إلى الطاقة العملية التي يختزن الإنسان والتي تتفجر على نحو يحير ويدهش، خصوصا أنه لم تقم به طبقة بعينها، أو نخبة محددة. ولم يصدر عن نظريـة في تحريك الجماعات. ولم ينزل من فوق، أو من مسبقات فوقية. صعد من أسفل. من التجارب الحية. من آلام البشر وعذاباتهم. إنه انبثاق من الحياة ذاتها.

إذا أضفنا حضور المرأة إلى جانب الرجل في كل ما حدث، والطابع اللاعـُنفي، بعامة، ونـُشدان الحرية والكرامة والعدالة وحكم القانون، قبل الهتاف المألوف ضد الاستعمار، أو البطالة، أو الفقر، فإنني، شخصيا، لا أتردد في وصف ما حدث بأنه ظاهرة عربية فريدة حقـا.

ـ 2 ـ

حتى الآن، زُلزلت السلطات العربية. سقط بعضها. وبعضها الآخر يتأرجح. فلتذهب كلها إلى مصيرها الصغير البائس. لم تفعل شيئا يمكن الاعتزاز به، حضاريا، أو البناء عليه. لم تفعل، بعامة، إلا بوصفها شركات استثمار في بلدان تُهيمن عليها كانها مجرد أسواق.

تجارب دامية متنوعة طول خمسة عشر قرنا كانت، منطقيا، كافية لكي تزول ثقافة الخلافة والاستخلاف. لكنها على العكس» ظلت بقيمها وعناصرها وأدواتها مستمرة وفعالة. وهذا ما تؤكده مرحلتنا التاريخية الراهنة، مجسمة في السلطات العربية الوطنيـة، منذ نشوئها، بعد الاستقلال، في أواسط القرن الماضي المنصرم. (مواصلة القراءة…)


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress