“منذ زمن طويل ونحن نبحث عن فردوس مفقود لا وجود له، حين يغيب عن خيالنا سيكون كل شيء ممكنا!”
رواية فريج المرر الصادرة مؤخرا عن المركز الثقافي العربي أثر أدبي ممتاز رغم أنها العمل الأول للصديق الكاتب السوداني حامد الناظر.
ارتباط الرواية بالمكان يجعلها تنتمي إلى المدرسة الواقعية وهي تستمد خصوصيتها من خصوصية هذا المكان الضيق الذي يغدو نافذة على عالم فسيح، ففريج المرر هو حي من أحياء مدينة دبي القديمة، وفيه يقع مقهى الزمن الذي يرتاده الأحباش، هنا تبدأ حكايات الفريج ولا تنتهي، يأخذنا الراوي إلى أعماق التاريخ الذهني والاجتماعي للحبشة من خلال نماذج حية لشخوص تصارع من أجل بقاء الهوية، فتنشطر الرواية إلى حكايات شتى تمتزج فيها الحكمة بالواقعية وتتآلف فيها الغرابة بالفجيعة.
هي ليست فقط رواية النادلات الأثيوبيات في مقاهي دبي وبنات الليل الوافدات من الجوع الافريقي، وهي ليست رواية حمد المري الذي يبحث عن امتداد له في نسل مستحيل، بل هي أيضا ليست حكاية الراوي الذي لا نعرف شيئا عن جذوره وكأنما ولد ساعة وصوله إلى دبي تائها في أزقتها القديمة باحثا عن أفق، لكنها رواية كل هذه الكائنات مجتمعة، رواية الحبشة التي كانت في يوم ما امبراطورية وأصبحت مصدرا لكل الأوجاع الإنسانية، هي رواية الفريج الذي سيغدو مرآة عظيمة تتفتت في ضوئها الذوات وتتوالد الحكايات، ولن يفقد الراوي في هذا الخضم مهارة الحكَّاءِ المخاتل إذ يمتنع عن الحكاية في نقطة الذروة ويترك للقارئ أن يتخيل مصائر الشخوص يشكلها كيفما يشاء.
رواية أولى ولكنها متقنة قادت حامد الناظر إلى منصة التتويج أكثر من مرة، فقد امتاز فيها الكاتب بأداء لغوي يتسم بالبساطة والشاعرية وهو يتنقل بخفة ورشاقة داخل الفضاء الروائي الذي أنشأه بين السرد، والحوار الداخلي ووصف الأشياء التي يتكون منها هذا العالم المخفي في أعماق دبي الساحرة.