مقالات رأي

إعــــدام ميت

 

محمد البوعزيزي

محمد البوعزيزي

حمدت الله كثيرا عندما قرأت نص أدونيس “رماد البوعزيزي” ، لقد هبط هذا النص في وقت حرج أخذ فيه جمع غفير من الأوصياء على التاريخ والرّمز والمجاز يسحبون محمد من أسماله البالية ليخرجوه بالقوة من بيت الأسطورة الذي شيدته له ضمائر الناس في الوطن العربي، وقد كان سببا -مجرد سبب لا غير- في أن تتهاوى أصنام السياسة العربية الواحد تلو الآخر فتتكسّر تحت وطأة أمواج الغضب الشعبي.

جاء أدونيس في الوقت المناسب ومدّ يده ليدفع البوعزيزي دفعةً قوية إلى الداخل ويغلق باب البيت آخذا المفتاح معه، إنها نقطة ينبغي أن يعود الجميع بعدها إلى السطر ويبحثوا عن جثة أخرى يبدؤون معها سطرا آخر في لعبة الكـرّ والفرّ العجيبة هذه، فالاندفاع الأهوج في مقاومة صورة البوعزيزي وصدّها تحت مسميات العدالة والحق والفضيلة والديمقراطية تبدو للناظر عن بعد كالوقوف أمام قاطرة  تشق عباب الفراغ. إن إحساس بعض الأشخاص بامتلاك الحقيقة لا يعدو أن يكون تورما واضحا في ذواتهم وخللا في تصورهم للوجود، فهم لا يتورعون مثلا إذ يفتحون  ثلاجة الموتى ليقتلعوا  ضرسا ذهبيا يرون أنهم أحق به من الديدان، أو يقصون إصبع جثة متفحمة ليفوزوا بخاتم يعرفون أنْ لا أحد سيتذكره في المأتم. هؤلاء هم الجزء المخفي من جبل الثلج، هذا الجزء ما كان ليظهر لو لم يذوّب حريقُ البوعزيزي الجزء الظاهر منه والذي كان ستارا كثيفا يمنع الناس من رؤية الأشياء كما ينبغي أن تُرى.

لقد كانت الثورة الشعبية زلزالا عنيفا أطاح بعرش الفساد وظلت ارتداداته المتتابعة تسحب الأرض من تحت الأنبياء الجدد والكهنة والسحرة وحملة المباخر والمشعوذين، وها إن رماد البوعزيزي يعيد إلى الحقيقة شيئا من نسبيتها بعد أن مرّغ أنفَها البعضُ في وحل المزايدات الانتهازية والدونكيشوتيات الخالية من كل معنى إيجابي، فلم يكن ضروريا الربط بين الدفاع عن سجينة لم يهتم أحد بالإصغاء إليها في غمرة الثورة وما تلاها وإخراج البوعزيزي من ذاكرة الرمز وتجلياته الممكنة والتراجع عن منحه شرف الحرف الأول في فقرة التغيير الدراماتيكي الذي حدث. (مواصلة القراءة…)


من أجل الجمــــهوريــــة

عامر بوعزة مع المنصف المرزوقي والطاهر هميلة بمناسبة حلقة من المقهى السياسي يوم 19 جوان 2011

مع المنصف المرزوقي

سيكون الدكتور المنصف المرزوقي إذا ما امتنع عن الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة أول رئيس عربي يساهم في التداول السلمي على السلطة في بلاده أيا كان شكل النظام الذي سيقره الدستور الجديد.

لقد أظهر تشخيص حالة الاستبداد في تونس أن الزعيم الحبيب بورقيبة قد دق أول مسمار في نعشه السياسي عندما قرر أن يكون رئيسا مدى الحياة، ومن المفارقة أن حدث ذلك بعيد ظهور أولى بوادر عجزه عن التحكم في دواليب الدولة، فآل حكمه إلى نموذج سياسي يتعلق بالحداثة الغربية ويحاكيها ولكنه يستثني من شغفه بها نقطة قوتها: تعايش الأفكار السياسية المتضادة تحت سقف الدولة وفي كنف القانون، وكان العطب الذي أصاب الجمهورية الأولى في العمق ذلك التضاد الصارخ بين الدولة العصرية والنظام السياسي المتخلف، وهو ما كانت القاعدة الشعبية تغفره لبورقيبة تقديرا لفكرة الزعامة التاريخية.

ثم أخفق بن علي في التخلص من شهوة الاستبداد حين لم يلتزم بوعده أن لا رئاسة مدى الحياة ولم يتخلّ عن السلطة احتراما للدستور، ولأن حكمه لم يكن ثورة على نظام سابق وإنما انقلابا سلميا لم يخف نزوعه إلى الاستمرار فقد عاد بسرعة إلى النموذج القديم المستقرّ مكتفيا بتحسينات شكلية منها تطوير “المعارضة” و”الحياة النيابية” مقارنة بما كانت عليه في السابق وتقوية دعائم السلطة بتشديد القبضة الأمنية، أما المبرر في الحفاظ على التناقض بين الدولة العصرية والنظام المتخلف فقد تحول في عهده من فكرة مقاومة الاستعمار إلى فكرة مقاومة التطرف الديني، وعاد الرئيس ليستلهم شرعيته من صورة البطل المنقذ والأب الحنون بعد انقضاء الشرعية الدستورية واضمحلالها تحت أقدام الدكتاتور. (مواصلة القراءة…)


زهرة لمبوبة

في إحدى حلقات البرنامج التلفزيوني الشهير دليلك ملكْ سأل الأستاذ سامي الفهري المشاركين الحالمين بالثروة والملايين عن السيدة الفاضلة زهرة لمبوبة وانتظر من المشاركين أن تكون إجاباتهم كلها صحيحة طالما أنه يسأل عن شخصية فـذّة لايُـغفر لمن لا يعرفها ذنبُ جهله بمآثرها العظيمة وأفضالها الخالدة وما إن خاب أمله ووجد بين الحاضرين من أخفق في معرفة كنية السيدة زهرة حتى اندفع يؤنب المخطئين ويلومهم شديد اللوم بل ويوبّخهم على فقرهم الثقافي المدقع الذي أوقعه في الحرج متسائلا بكل إلحاح : كيف لا تعرفون زهرة لمبوبة ؟

وبما أنني كنت معنيا بتوبيخ الأستاذ سامي الفهري هذا فقد أوقعني جهلي في حرج شديد ليلتئذ إذ كنت أتابع البرنامج بمعية بنيتي الصغيرة ذات السبع سنوات وقد تساءلت بكل براءة عن السيدة زهرة لمبوبة هذه من تكون ؟ واستغربت جهلي بها وعدم معرفتي بشخصية بدا واضحا من خلال ما تشاهده في التلفزيون أنها أشهر من نار على علم ولم أستطع أن أمحو من على وجهها الصغير خيبة الأمل الكبيرة في والدها الذي ربما كانت تعتقد أنه يعرف كل شيء وأنه من غير المسموح له بأن يجهل أمرا كهذا .. ولعلها أن تكون قد تصورت والدها في وضعية الممتحن في ذلك البرنامج فحرمه جهله من فرصة نادرة للحصول على ملايين كثيرة تحول الأحلام الكبيرة المجردة إلى واقع محسوس ملموس ..

وقد دفعني هذا الموقف السّخيف إلى تصفّح كتاب ورقات للعلاّمة حسن حسني عبد الوهاب وكتبا أخرى في التاريخ الثقافي والاجتماعي التونسي وما نشر عن بلادنا في الموسوعات ودائرة المعارف الكونية علّني أظفر بإجابة ملائمة عن السؤال المؤرق من تكون زهرة لمبوبة هذه التي يُـنكر علينا سامي الفهري جهلنا بها ؟

وبما أنني لم أجد في المصادر والمراجع ردّا شافيا عن هذا السؤال الخطير المحيّر فإنني صرت أتحاشى مشاهدة البرنامج بمعية أفراد أسرتي وأتشاغل عنه في الدقائق الأولى حيث يُطرح السؤال المصيري حتى لا أنفضح مجدّدا ولا يكتشف أبنائي خلوّ وفاضي وفراغَ مِزودي وقعودَ همّتي عن طلب العلم الصحيح علم الأنساب والتاريخ والأعلام ولكنني وأنا في غمرة الإحساس بالذنب التمست لنفسي أعذارا شتى فلقد أتْـلـفتُ في القراءة أحلى سنوات العمر وقضيت ما يقارب ربع قرن بين مقاعد الدرس حتى اهترأت سراويلي ونلت من الشهائد ما يسدّ الرمق فما وقع بين يدي شيء عن زهرة لمبوبة ولا درّسني أحد في المناهج المدرسية أو الجامعية شيئا عن هذه المرأة ..وإنني أحمد الله على أن نبّهني التلفزيون إلى جهلي وأهدى إليّ عيوبي وأراني نفسي في مرآته فكشف سوءاتها الكثيرة واستفزّ خمولي فأيقظ في كهولتي حاجة ملحّة إلى الاستزادة من ينابيع المعرفة وفيوض العلم ..


الضحية والجلاد

الكرنك نجيب محفوظ

الكرنك نجيب محفوظ

كتب أحد أبرز الحقوقيين التونسيين وهو يتأهب لدخول السجن سنة 2001 عن الجلاّد الذي ينتظره هناك ليحرُس عزلته ويذيقه من نار الاضطهاد صنوفا وألوانا، وتساءل بحسّه الحقوقي عن هذا الآدميّ الذي هو مواطن تونسيّ شبّ وترعرع في هذه الأرض ونَما وهو يتنشق هواءها ويكرع من مائها ويرتوي من نسغ جمالها، ولكنه انتهى جلاّدا في خدمة قضية قد تبدو له عادلةً منصفةً بينما تبدو لغيره ظالمةً جائرة.

هذه الفكرة التي قلّما يُـنتبَهُ إلى بداهتها ألهمت الأدباءََ والسينمائيين، ليس أدلّ على ذلك من فيلم “الكرنك” المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ أدان فيها القمع السياسي في عهد عبد الناصر والملاحقات التي استهدفت شباب الجامعات بمختلف انتماءاتهم الإيديولوجية لمجرّد نقدهم ثورةَ الضباط الأحرار، وتشير قرائنُ عديدةٌ إلى أن صورةَ الضابط الذي كان جلاَّدا قاسيا في المعتقل ثم صار إلى السجن بعد النكسة تتطابق مع صورة صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية السابق الذي تمت محاكمته في قضية انحراف المخابرات الشهيرة في أعقاب نكسة 67، ويعتبر مشهدُ لقائِه وهو سجينٌ مع الطلبة الذين كان يُعذِّبهم من أقوى مشاهد الفيلم.

كما تُعتبر شخصية الضابط توفيق شركس (محمود عبد العزيز) في شريط “البريء” لوحيد حامد وعاطف الطيب أبرز نموذج سينمائي لهذه المفارقة، فهو المكلف بالإشراف على المعتقل الصحراوي الكائن في منطقة نائية من العالم يُعذب فيها “أعداء النظام” من الطلبة والمثقفين والنشطاء السياسيين بطريقة موغلة في الفظاعة، ولكننا نراه في اللقطات الأولى وهو يختار هدية ابنته في عيد ميلادها فيرفض أن يبتاع لها لعبةً في شكل “عسكر وحرامية” ويفضِّل اختيار آلة موسيقية ناعمة بما يعكس بوضوح هذا الازدواجَ الحادّ في شخصية الجلاّد التي قد

يدلُّ مظهرُهَا الخارجيُّ وهي بعيدةٌ عن سياقِها الوظيفي على غير ما تبطنه. (مواصلة القراءة…)


عين الحسود فيها عود

التحركات المضادة لنضال الإذاعيين من أجل القطع مع الماضي تدلّ على أن علة العلل في القطاع الصحفي هي انحسار رقعة التضامن المبدئي وتبجيل البعض مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة، وهذه الممانعة هي أفضل دليل على أن نظام بن علي ما يزال قائم الذات يتحرك بلا خجل أو وجلٍ في الواقع أو داخل النفوس والضمائر سنة كاملة بعد حدوث الثورة، فالمطالب التي تبنتها النقابة الوطنية للصحفيين والتي يجري التشكيك في مشروعيتها تتعلق بثلاثة محاور أساسية لا مناص منها لإعادة بناء الإعلام العمومي على أسس سليمة: الاستقلالية المهنية والشفافية الإدارية وكرامة الصحفي.

الاستقلالية المهنية لتحصين الإذاعة عن التجاذبات الحزبية والاحتواء الإيديولوجي وحتى لا تعود من جديد بوقا لفائدة هذا الطرف أو ذاك بتنشيط حاستي الخوف والطمع ولا تحنّ إلى دورها القديم في خدمة الدكتاتورية، وهو ما يستدعي وضع أطر ديمقراطية لصياغة القرار التحريري والسهر على تنفيذه.

الشفافية الإدارية لأن الإذاعة بما هي مرفق عمومي ليست في معزل عن رياح الفساد العطنة التي سمّمت الأجواء والنفوس وأفقدت قيمة النزاهة معناها حتى صار هاجس البعض السّعيُ إلى الانتفاع من سوء التصرف لا مقاومته والوقوف ضدّه، فكل التفاصيل المتعلقة بفرص العمل والتكوين ليست من باب النميمة أو الحسد والتباغض وإنما ينبغي أن يُـنظر إليها بمنظار أسمى لأنها تقود إلى فكرة العدالة والإنصاف التي هي الآن همّ وطني شاسع يشترك في المطالبة به التونسيون جميعا.

كرامة الصحفي لأنّ الإعلام العمومي رغم ما يقدمه من جليل الخدمات للمواطنين يظلّ الشماعة المثالية التي تُـعلق عليها النخبة أخطاءها وتنفس بواسطتها عن شعور بالذنب دفين لم تقدر على التحرر منه بطرق سوية في إطار مراجعات نقدية ذاتية، فمن السهولة بمكان القول إن الإعلام هو صانع الدكتاتوريات، وهو في خدمة الاستبداد والفساد، خصوصا بالنظر في البنى التشريعية والإدارية القائمة والتي تيسّر ذلك بل تعبّد له الطريق ولكنه مظهر وحيد من مظاهر الاستبداد وشجرة يتيمة في غابة الفساد، ومن الحيف العظيم استثناء الإذاعة العمومية من حملة الإصلاح والمراجعات العميقة التي تشمل الآن كل شيء، انتصارا لكرامة الصحفي التونسي الذي أثبت دائما كفاءته واقتداره كلما رأيناه يعمل في دول أخرى… (مواصلة القراءة…)


قد يتأخر المبدع عن موعده

سعادته السيد الوزير

عيون المعاصرة 2011

عندما يتزامن الأثر و ثورة حدثت في نطاقه الجغرافي تَعِدُ بإحداث تغييرات عميقة في مختلف البُنى قد نسترجع الحاجة إلى المناهج السياقية في النقد الأدبي كالمنهج التاريخي والنفسي والاجتماعي، تلك المناهج التي خفت بريقها لفائدة مناهج نصانية تفضل الانشغال بالنصّ ذاته معزولا عمّا يقع خارجه، من هذا المنظور يبدو أن رواية حسين الوادي “سعادته…السيد الوزير” الصادرة مؤخرا ضمن سلسلة عيون المعاصرة عن دار الجنوب للنشر قد تأخرت قليلا عن موعدها، فلو قرأها الناس سنة واحدة فقط قبل الآن لتغيّر الأمر كثيرا…!.

قدّم الكاتب في هذه الرواية “بورتريه” لوزير في نظام فاسد، جيء بهذا الوزير من عالم التربية والتعليم (حيث كاد المعلم أن يكون رسولا…) لا لكفاءة يتحلّى بها أو لتخصّص نادر يمتاز به وإنما ليؤدّي دورا ما كان لغيره أن يؤدّيه لو كان أكثر فطنة وانتباها، أصبح هذا المعلّم وزيرا ليدفع لاحقا ثمن كل الأخطاء التي ارتكبتها المنظومة بتوقيعه الشخصي وبمبادرة منه هو إذ كان يعتقد بسذاجةِ من لا يفقه في أصول السياسة المافيوزية الشيء الكثير أنه في سبيله إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية بإعفاء الدولة من أعباء إدارة وسائل الإنتاج الخاسرة (رزق الباي ليك) بينما كان من وجهة نظر أخرى يفرّط في الملك العمومي بسهولة متناهية لفائدة بعض الجهات المتنفّذة في جهاز السلطة مثيرا أطماع كلّ القروش التي تستدرجها دائما رائحة الدم.

وتقدّم الرواية نفسها بوصفها ملفا يتضمن اعترافات السيد الوزير أمام حاكم التحقيق ومحاولته تبرئةَ ساحته من ذنوب سيكتشفها القارئ تباعا ولكنه منذ الوهلة الأولى يتوقّع حدوث أشياء غريبة تنتمي إلى الكوميديا السوداء أكثر من تعبيرها عن واقع حقيقي كائن، انطلاقا من  المفارقة السريالية التي ينفتح بها النص: أن تنتج عن قرابة الراوي الدموية بابن خالته قرابة وظيفية بين وزير أول يشرف على تنفيذ مخططات “سيادته..” في الحكم ووزير مبتدئ لا يفقه شيئا، وتتطوّر الأحداث في الرواية من خلال وصف سيرذاتي مفصل لما حتّمه على الوزير ضعفُه أمام غوايةِ السلطة وتماديه في الوزارة على ما فيها من إكراهات تجعله فاعلا من درجة ثانية إذا ما قورن بمن هم نافذون ولكن من خارج جهاز السلطة التنفيذية ومؤثرون أكثر، يبدو ذلك بوضوح في صورة الوزير الكاريكاتورية وهو يمارس رياضة الجري في موكب لأحد الوجهاء مكتظٍّ بالمتزلفين والوصوليـين أو يتقرّب في ملعب القولف من وجيه آخر. (مواصلة القراءة…)


دورْ يا كلامْ على كيفَكْ دُورْ…

الأمين العام لحزب حركة النهضة

حمادي الجبالي

بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات أضحت مراقبة الوضع تحتكم بالدرجة الأولى إلى الملفوظ السياسي لأنه لم يعد مجرّد نوايا تصدر عن طرف معارض وإنما صارا أفكارا قابلة للتشكل كليا أو جزئيا في برامج سياسية، وفي هذا السياق تجتاز عربة الانتقال الديمقراطي طريقا محفوفة بالمآزق اللغوية بما يجعل إجادة فعلي القراءة والتأويل بشروط الموضوعية الفكرية والشجاعة الأخلاقية تمرينا صعبا على الانتقال السريع من وضع التلقي السّـلبي لأطنان من الملفوظات الخشبية إلى الاستجابة بكفاءة لتحديات لغوية دقيقة ومؤثرة.

جلّ قضايا “الكلام السياسي” نابعة من ملفوظ ممثلي حزب حركة النهضة لأنهم يستعدون لتولي بعض مقاليد السلطة بينما لم يعد لمواقف الأطراف الأخرى أهمية تُُـذكر لدى قطاع عريض من الرأي العام، لقد انتهت الحملة الانتخابية التي قامت في جزء كبير منها على التواصل اللغوي وعلى الوعود المُنْصبَّةِ بشكل مباشر في اتجاه الناخب، وأصبح كلام الأحزاب الفائزة بأوفر المقاعد يخضع آليا لقراءة بقية مكونات الطيف السياسي والمجتمع المدني والرأي العام وتأويلها مختلَفَ أبعادِه ودلالاتِه، وهو ما يفسّر الزوابع الإعلامية التي أثارها كلام سعاد عبد الرحيم إلى إذاعة مونتي كارلو حول الأمهات العازبات بإرادتهنّ، أو استعمال حمادي الجبالي عبارة الخلافة الراشدة السادسة، أو كلام راشد الغنوشي في التلفزيون حول موقفه من النظام السوري الحالي وحقِّ حزب التحرير في أن يعترف به القانون. (مواصلة القراءة…)


تونس بين تركيا وأفغانستان

تركيا أو أفغانستان ؟

تركيا أو أفغانستان ؟

من تداعيات عرض الشريط الإيراني بيرسيبوليس على قناة نسمة التلفزيونية، ارتفاع درجة الحرارة الثورية في الشارع التونسي، فقد انطلقت الحملة الانتخابية في جوّ من “الوفاق العام”  بعد نهاية آخر مطبات المرحلة الانتقالية ونعني بها مشروع الاستفتاء الذي لم يصمد لأسباب لوجيستية ولم يشقّ الصف السياسي بقدر ما وحّد اللاعبين الأساسيين حول جملة من الضوابط لرسم خطوط فترة ما بعد الانتخابات، ولكن لم يتسن لهذا الهدوء أن يتواصل وعاد مسلسل الصراع بين السلفيين والحداثيين إلى الواجهة ناسفا بعض المكاسب التي تحققت سياسيا في الفترة الماضية متهدّدا لا سلامة المسار الديمقراطي فحسب وإنما السلم الاجتماعي ومكتسبات المجتمع التونسي كذلك..

فلئن كانت النهضة تتقدّم إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بوصفها الحزب السياسي ذا المرجعية الدينية الأكثر ملاءمة لمقتضيات الانتقال الديمقراطي في تونس التي تنتمي إلى عصر الحداثة فإن مظاهرات “استعراض القوّة” عشية الجمعة 14 أكتوبر 2011 تكشف الوجه الآخر لرقعة الشطرنج السياسية ونحن في مفترق طرق تاريخي حاسم، إذ عبّرت الفصائل الأشدّ تطرفا ومغالاة عن وجودها وعن تطلعاتها لإعادة المجتمع قرونا إلى الوراء والتخلي عن منجزات الحداثة لأنها طبعا من منظورها تعتبر خروجا عن أحكام الشريعة. وهكذا يجد المواطن التونسي البسيط نفسه وهو الذي يخشى دائما على طمأنينته وأمنه موزعا بين مظهرين من مظاهر “الإسلام السياسي” أحدهما يناقض الآخر تماما، إنه يرى على شاشة التلفاز قياديين سياسيين إسلاميين غير ملتحين وبثياب افرنجية، يبتسمون ويتحدثون ويضحكون وينشئون التحالفات الخفية والعلنية حتى مع السياسيين المنعوتين تقليديا في الذهنية العامية بأنهم من أعداء الدين لأن الدين حسب مذهبهم هو أفيون الشعوب، وهو يرى في المظاهرات التي تندلع بين الفينة والأخرى نصرة لله ورسوله متدينين عتاة غلاظا شدادا يرتدون ملابس لا تشبه ما تعوّد التونسيون ارتداءه منذ قرون، هم في الغالب شبان في مقتبل العمر ومن آفاق اجتماعية متواضعة تتعلق الشعارات التي يرفعونها بالكراهية والانتقام والدعوة إلى تصفية الخصوم الكفار. (مواصلة القراءة…)


الدرس الانتخابي

انتخابات 23 أكتوبر 2011

انتخابات 23 أكتوبر 2011

“إقبال التونسيين على صناديق الاقتراع فاق كل التوقعات”، تلك هي العبارة التي تردّدت بكثافة على ألسنة جميع المتدخلين يوم 23 أكتوبر 2011 إجابة عن كثير من التساؤلات.

هذه العبارة لا يمكن تجاوزها بسرعة لأنها في نظرنا تمثل بيت الداء وأصل الدواء..

فلماذا أقبل التونسيون بكثافة على الانتخابات بينما توقعت استطلاعات الرأي التي تداولتها الصحف عزوفا؟ ولماذا تعجز النخب عن مرة أخرى عن فهم الشعب وتحليل ردود أفعاله بشكل صحيح حتى تتوقع جيدا ولا تقف مبهوتة أمام واقع يتضح من جديد أنها لا تعرفه كما يجبُ؟ (مواصلة القراءة…)


الــغــــول

معلقة شريط برسيبوليس (2007)

معلقة شريط برسيبوليس (2007)

في ظلّ التخوفات المتزايدة من إمكان حدوث قلاقل واضطرابات اجتماعية خلال فترة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي انطلقت سلسلة من الأحداث ذات الطابع الشعبي الذي يوحي بالاندفاع التلقائي دون أن يكون كذلك.

التخوفات تجسّدت على أرض الواقع في تحذير السلطات الأمريكية مواطنيها من القدوم إلى تونس في هذه الأيام تحسبا من وقوع مظاهرات واحتجاجات سياسية، كما تجسّدت في إقبال الناس على التزود بالمواد الغذائية بشكل غير طبيعي. ويمكن تأويل هذا الربط بين التخوفات والموعد الانتخابي في الخشية من أحد السيناريوهات الممكنة أو المتوقعة: أن يضطرب الوضع الاجتماعي فيحول دون وقوع الانتخابات وتدخل البلاد في مأزق اللاشرعية واللاتوافق، أو أن تقع الانتخابات فتفضي إلى حصول النهضة على الأغلبية بما يدفع إلى الانقلاب عليها وتنفيذ ما حدث في الجزائر منذ سنوات أو ما يشبهه بصيغة من الصيغ المتطورة.

إنّ الأحداث التي فجرها عرض قناة نسمة لشريط برسيبوليس باللهجة التونسية دون حذف المقطع الذي يمثل تجسيدا للذات الإلهية يتنزل ضمن سياق حافل بالمعطيات المتجاورة والمتداخلة منها أحداث كلية الآداب بسوسة التي يبدو فيها الطرف المتشدّد مستفزا وبادئا برغبة فرض منطق القوة، وحضور مسألة ارتقاء النهضة إلى سدة الحكم عبر المجلس الوطني التأسيسي في خلفية الحوار التونسي الأمريكي خلال زيارة الوزير الأول الرسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وانطلاقا من أن هذه الأحداث لا يمكن أن تكون مجتمعة في ذات السياق بمحض الصدفة وأن الوقائع السياسية غير محكومة بمنطق العفوية وسلامة النية فإنّ تحديد دور كل طرف (الطرف الخارجي، الطرف الرسمي، المعارضة) في توجيه دفة السفينة وهي تعبر العاصفة يدعو إلى تدقيق النظر أو ما يمكن تسميته على الطريقة السينمائية بتكبير اللقطات حتى نستشف المنطق الداخلي لما يحدث حولنا ويؤثر فينا. (مواصلة القراءة…)


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress