Tag: عامر بوعزة

راديو البشير رجب

 

على مشارف بلدة الصمار الجنوبية كنا نحن الثلاثةَ تخترق بنا السيارة صمت الخلاء وقيظ بواكير الصيف الأولى، كان سي البشير رجب يلقي بصوته الوقور الدافئ من حين لآخر كلمات تحرّك ذلك الهدوء الجاثم على صدر الظهيرة ثم سرعان ما نسرح بنظرنا معا في الفراغ الشاسع الممتدّ والطريق.

لقد قررنا يومها أن نغادر الفندق السياحي ونتوغل قليلا في الجنوب في اتجاه بني قردان، والحق أن سي البشير رجب فاجأني منذ يومنا الأول معا في تطاوين بل منذ بدايات الرحلة الإذاعية الشيقة برغبته العارمة في التهام المناظر والصور ومعرفة الأسماء والتفاصيل والإنصات بعمق وانتباه إلى الآخرين، رغبة لا حدّ لها في احتضان المكان والتجاوب بعمق مع فيض المشاعر والأحاسيس التي اكتنفتنا ولذا كان البقاء في غرفة الفندق شيئا مملا بالنسبة إليه حتى في هذه القيلولة الشاقة.

والبشير رجب الإذاعي الكبير الذي تسيلُ شعبيته لعابَ كلّ محترفي الإذاعة وتحرّك غيرتهم، ما يزال يحافظ على تواضعه الجمّ وتلقائيته الصادقة رغم شهرته الواسعة وحبّ الناس الجارف له، وليس عسيرا إدراكُ السرّ في هذا النجاح الأسطوري فقد كان واضحا أن البشير رجب ينتمي إلى جيل لا يضع مساحيق على صوته الإذاعي ولا يتجمل بمناسبة الذهاب إلى الأستوديو ولا يضع قناعا فاصلا بين روحه الاجتماعية وشخصيته الإذاعية وإنما صوتُه يوم الأحد بعض منه وقطعة من تجربته وخلاصة عمره الذي قضى أكثره في شارع الحرية.

بشير رجب وبابا بلقاسم

بشير رجب وبابا بلقاسم

بينما بدأت تلوح في الأفق ملامح البلدة العائمة في الفراغ الصحرواي مشبعةً بالتفاصيل الريفية القاسية ملفوفةً في وهج القيلولة، أخرج سي البشير هاتفه النقال من جيب سترته وأجرى اتصالا هاتفيا سريعا مع “بابا بلقاسم” أحد مستمعي برنامجه الأسبوعي “ميعاد الأحد” وأحد كبار المساهمين في تنشيط فقرته الشهيرة “مع آبائنا المسنين” ، وكان واضحا من خلال ما وصلنا من هذه المكالمة أن الصدفة وحدها جعلت بابا بلقاسم العائد للتو من صلاة الجمعة يلتقط المكالمة الهاتفية بعد أن ترك هاتفه النقال في البيت، وأن القدر كان يرتب له لقاء من نوع خاص…

كان يمكن لبابا بلقاسم أن يتأخر قليلا في الرد على هذه المكالمة التي خطر فجأة ببال سي البشير أن يُجريها قبل أن تُـسرع السيارة في تجاوز بلدة الصمار…

كان يمكن لهذه المكالمة أن تظلّ معلقة على خيط الانتظار…

لو حدث ذلك لما أخذنا قليلا من الراحة في بيت بابا بلقاسم ولما كان هذا المقال الصحفي الذي أكتبه الآن وأتذكر فيه تفاصيل لقاء غير مرتب بين الإذاعة والواقع، بين الصوت وصداه، بين سي البشير وبابا بلقاسم، هناك في الصمار في أعماق الجنوب التونسي و قاع هدوئه الرتيب…

– أستأذنكم في بضع دقائق نقضيها مع بابا بلقاسم، سنرتاح قليلا ثمّ نواصل طريقنا، لن نـتأخر…

لم نكن نملك إزاء فكرة سي البشير هذه غير الموافقة فقد كان سائـقُنا مستمتعا برحلته الجنوبية إلى أقصى الحدود أو لنقل كان مستمتعا برفقة البشير رجب منذ لحظة خروجهما من العاصمة وقد شعرت بهذا عندما التحقا بي في المنستير لمواصلة الرحلة معا إلى تطاوين حيث دعتنا الإذاعة إلى تنشيط دورة تكوينية في فن إدارة الحوار الإذاعي…

وما هي إلا أن توغلت بنا السيارة في بلدة الصمار التي كانت تغفو في كنف الظهيرة ،كانت البيوت المتواضعة البيضاء رابضة في هدوء رصين والشوارع الضيقة مستقيمة في انضباط صارم، وكان المارة القليلون الذين يَجُرّون الخطى عائدين من المسجد، يتحرّكون في هذه اللوحة الزيتية الساكنة ويذلّلون المسافة بين الحلم والواقع.

لم يصدق بابا بلقاسم عينيه عندما توقفت السيارة أمام بيته ورأى ضيفه يترجل منها ويتجه إليه ليعانقه، اختلطت المشاعر بالمشاعر عندما تعانق الرجلان وانهال بابا بلقاسم لثما وتقبيلا على صديقه الذي يزوره عبر ذبذبات الأثير كل يوم أحد والذي يضبط إيقاع حياته الرتيبة على موعد إطلالته الأسبوعية تلك…

أخذنا بابا بلقاسم إلى بيته، قال: هاذاكة الحانوت، وهاذي داري بينهما بضعة أمتار، هذا صاحبي يطلّ عليّ مرة كل نصف شهر، يجيب السلعة من المهدية يبات ليلة ثم يرجع، أولادي كبرو، عرسو ومشاو على رواحهم…

كان بابا بلقاسم كما يصرّ على تسميته سي البشير رجب رجلا في حوالي الثمانين من العمر تقريبا، يحتفظ بصلابة ورثها من قساوة الحياة التي عاشها، حدَّثـنا في لحظات عن عمره الشاسع الطويل، طفق يسرد بحماس بعضا من طفولته وكيف بدأ حياته راعيا في الحقول مُختصرا ما يناهز القرن في كلمات قليلة طافحة بالرضى عن النفس والقناعة التونسية الأصيلة: ربيت أولادي وكبرتهم الحمد الله….

ثم سرعان ما ينتبه مجدّدا إلى سي البشير فيـتوقف قليلا ليتأمله ثم ينطلق بصوت متهدّج في تذكر الألغاز التي كان يقترحها على المستمعين في البرنامج ويحدّثنا عن الظروف التي ابتكرها فيها، كان يتمتّع بحافظة عجيبة وصفاء ذهن نادر ولم يكن من السهل علينا أن نغادر هذا الصدفة الجميلة دون أن نصيب شيئا من ضيافة بابا بلقاسم، لقد ألحّ في ذلك ولا فائدة في معاندته، وبينما كان يتحدّث بغزارة وسخاء عن ذكرياته مع برنامج ميعاد الأحد كان أفراد أسرته يتحرّكون في كل الاتجاهات لتنظيم غداء مرتجل للزائر المفاجئ ورفاقه…

بعد الغداء والقهوة اللذيذة وحكايات بابا بلقاسم عن برنامجه الإذاعي الذي ينتظره صبيحة كل يوم أحد والذي خصص لأجله خطي هاتف قار أحدهما في البيت والآخر في الحانوت إضافة إلى الهاتف النقال الذي لولاه لما كان هذا اللقاء، بعد استراحة قصيرة في بيت جنوبي مضياف اهتـز سكونه بمناسبة نزول الإذاعة ضيفة عليه، بعد عبارات الوداع المرتجلة كانت الطريق في انتظارنا لتخترق بنا مجدّدا فراغ الفيافي وامتداد المدى حتى الحدود الشرقية للبلاد التونسية.

عامر بوعزة والبشير رجب

عامر بوعزة والبشير رجب

وفي الساعات الأخيرة من إقامتنا بتطاوين حرصت جمعية الخير لرعاية المسنين على أن تستضيف البشير رجب في النادي النهاري الذي يلتمّ فيه شمل الآباء والأمهات لممارسة أنشطة شتى، وحول مائدة عامرة بالحلويات والمشروبات تحدّث مستمعو ميعاد الأحد إلى منشطهم المحبوب ولخّصوا في كلمات قليلة فيض الحياة العارم المعتمل في نفوسهم معربين عن رغبتهم في المشاركة في هذا البرنامج ولو بأحجية أو طرفة أو زجل شعبي آملين في أن يجد نشاط النادي صدى في البرنامج وهو ما وعدهم به سي البشير بعد أن تهاطلت عليه أرقام الهاتف من كل الجهات.

في طريق العودة الطويلة إلى العاصمة وبينما كانت زياتين صفاقس تغطي خضرة المدى متلامعة تحت ضوء الأفق الطلق،تذكرت سعادة بابا بلقاسم وروحه الجميلة وانتظار رواد نادي الخير لضيفهم ما يناهز الساعتين دون ملل أو شعور بالصدأ وأحسست أنّ هذا المقال قد أصبح في مرتبة الضرورة فمن خلاله يمكن أن نقلب النظر مجددا في هذه العلاقة العجيبة التي تجمع الإذاعيين بعشاق الراديو في زمن يتوهم فيه البعض أن لم يعد للراديو زمن يسبح فيه وتلك حكاية أخرى.


3 أكتوبر 1988

ameur bouazza

في مثل هذا اليوم منذ إثنين وثلاثين عاما خلت، استيقظت باكرا على غير المعتاد، وأعددت نفسي جيدا لاستقبال مرحلة جديدة في حياتي.

ركبت أول سيارة تاكسي جماعي متجهة إلى المنستير، وفي تمام العاشرة صباحا كنت أصعد درج المندوبية الجهوية للتعليم في مقرّها القديم المتاخم لكلية طبّ الأسنان. لم يكن الأمر يستدعي البقاء طويلا هناك أو مقابلة مدير التعليم الثانوي، فبمجرد الاستظهار أمام السكرتيرة بالبرقية التي وصلتني نهاية الأسبوع الفائت حتى جذبت ملفا من الدرج واستخرجت منه بطاقة التعيين ثمّ سلمتني إياها بعد أن طلبت مني التوقيع على وصل الاستلام والقبول.

كان أول تعيين لي في التعليم الثانوي بمعهد التكوين المهني الهادي خفشة بالمنستير مركز المدينة، وما إن دقّ جرس الساعة الثانية بعد الزوال حتى كنت متّجها نحو قاعة التدريس بعد أن تسلمت من أحد الكتبة في الإدارة جدول الأوقات، ووقفت لدقائق في قاعة الأساتذة مرتبكا ووجلا، فقد كنت وأنا في الحادية والعشرين من العمر الأصغر سنّا بين كل الموجودين في تلك القاعة. وعندما أكملت ساعة الدرس الأولى ناداني ناظر الدراسات عامر عزيّز وكان إلى جانبه عامر البنوني مدير المعهد في الساحة وتجاذبا معي أطراف الحديث للتعارف ولتذكيري بلباقة بضرورة ارتداء ميدعة بيضاء التزاما بالنظام الداخلي للمعهد. (مواصلة القراءة…)


عامر بوعزة: زمن الأحلام الكبيرة ولّى

حوار مع الشاعر عامر بوعزةتونس – الحبيب لسود – دبي الثقافية
هو واحد من جيل شعري تفتحت قريحته خلال الثمانينات من القرن الماضي ورسّخ حضوره في التسعينات بتجربة متفردة تتجه نحو التكثيف والاختزال والتنوع ، فالتقارب بين الأسلوب الفوتوغرافي والتعبير الشعري شديد الوضوح لديه سيما في النصوص القصيرة التي تقدم المشهد اليومي بشكل مختلف، والأفكار السياسية والاجتماعية أكثر شفافية في نصوص يمكن إدراجها ضمن فن الكوميديا السوداء ، الكتابة لدى الشاعر عامر بوعزة ترتبط بالواقع ارتباطا متينا حيث الأزمنة والأمكنة والوجوه مألوفة لكنها تصير كائنات لغوية مفعمة بالدلالات في عالم شعري يشبه الحلم.

وبوعزة الذي يقيم الآن في دولة قطر حيث يعمل في قطاع الإعلام من مواليد 1966 بتونس العاصمة حائز على الماجيستير في اللغة والآداب العربية وأنتج في الإذاعة والتلفزيون برامج ثقافية واجتماعية وسياسية عديدة توج بعضها محليا وعربيا، صدر له (غابة تتذكر أحزانها) دار إنانا للنشر تونس 2011،و الأنين المتصاعد من أحلام النيام –دار شمس للنشر والإعلام بالقاهرة 2014، وصدر له مؤخرا كتاب نقدي بعنوان فاته أن يكون ملاكا وهو دراسة نقدية في سيرة محمد شكري الذاتية ، عن دار البدوي للنشر والتوزيع 2015، وينتظر أن يصدر له قريبا كتاب نثري بعنوان: نظرية الموز، صور ومشاهد من زمن بن علي.
معه كان هذا الحوار

في مجموعتك الشعرية الأنين المتصاعد من أحلام النيام الصادرة في 2014 عن دار شمس للنشر والتوزيع بالقاهرة نلمس تجذيرا للواقعي واليومي في النص الشعري، فضلا عن المراوحة بين التفعيلة والنثر، فما هي الخلفية النظرية التي تصدر عنها هذه التجربة؟

 منطلقات الكتابة الشعرية عندي هي الرؤية والاختلاف، فما يميز الكاتب والفنان عموما هو قدرته على اختراق الأشياء والعالم، من ثمة تتحدّد المسافة الفاصلة cover-final-02بين المجاز والواقع، تلك التي يسميها بعض النقاد المحدثين بؤرة التوتر، لذلك فإن النص يعبر بالضرورة عن الواقع ويحيل عليه ويتحاور معه وأحيانا يلقي الضوء على ما هو معتم فيه ويتجاوزه بالرؤيا. في نص “تلفزة أولاد أحمد” مثلا صورة من الواقع الكافكوي الذي انتهت إليه المدينة في مرحلة الاستبداد السياسي حيث يتجلى الموات في أكثر من صورة كما يتجلى العدم في انتفاء القيمة، ولذلك يقارب هذا النص النثري حالة اللامعنى فيما يشبه الكوميديا السوداء إذ تتساوى الأضداد وتنتفي الفوارق بين المتضادات تحت وطأة القحط، كما في “كشك عبد السلام” التي تقترب أكثر من مناخات الثورة وتقدم صورة المنتحر حرقا في مواجهة ميؤوس منها مع السلطة القائمة. النصوص كلها تنطلق من مشاهدات ووقائع ولحظات أو حالات ما لكنها تتحوّل إلى مشهد لغوي يلعب فيه الإيقاع دورا أساسيا فالغنائية تظل من أساسيات التعبير الشعري في تصورنا حتى وإن كانت بعض النصوص تنتمي إلى مجال النثر فهي تمتلك غنائيتها الخاصة كأن تستبطن إيقاع الشوارع وفوضاها. الكتابة تعبير عن الواقع والذات، لا يخرج شعرنا العربي الحديث عن هذه الخلفية خصوصا وأن عصرنا هو عصر الرواية ويشهد تراجعا حادا في الإقبال على الشعر.

واقعية النصوص من المجموعة الأولى إلى الثانية مرتبطة بالأسماء والأماكن وأحيانا الأزمنة، فكيف يمكن للشعر وهو لغة المطلق أن يتصل بهذه العناصر دون أن يقع في المباشرة؟

لا معنى للغة مجردة من ذاكرتها، والشعر عندي احتفال لغوي بالعالم، من ثمة كانت الوجوه والأسماء والنصوص والوقائع المرتكزات الأساسية لنصوصي الشعرية منذ المجموعة الأولى (غابة تتذكر أحزانها)، الاشتغال الحقيقي على النص هو تحويل اليومي إلى لحظة شعرية خالدة وتأصيل النص في ظرفيته لا يختلف ومعدن الشعر الأصيل، نحن ورثة ذاكرة شعرية لو تأملناها جيدا لوجدنا أنها كانت تعبر عن عصرها أكثر مما ترفرف في المطلق لكن قوتها الإبداعية هي التي جعلتها تتجاوز عصرها وها نحن نعاود تجربة الأسلاف برؤى مغايرة وحيل فنية تنتمي إلينا لكن الجوهر واحد.

يشار دائما إلى غياب المثقف والمبدع في تونس عن سياق ثورته التي كانت منطلقا للربيع العربي مما جعله يتنازل عن دوره الريادي في إحداث التغيير والتبشير به بل يتهم المثقف بتزييف الرأي العام فكيف تعيش هذه المفارقة؟

couverture3_front copyأعتقد أن هناك خلطا مُتعمّدا لدى من يسعون إلى الاستحواذ على المنجز الثوري بين التبشير بالتغيير وإحداثه فعليا في الواقع، الشعراء والفنانون والمثقفون لا يمثلون خطا واحدا بل فسيفساء من المواقف والاتجاهات والأفكار، هناك خط الموالاة والتمعش من الاستبداد وهناك خط الإخلاص الحقيقي للفن والنظر إلى الواقع بعمق نقدي. لم يكن النص الإبداعي في منأى عن الحراك الثوري وما حدث على أرض الواقع نجده مبثوثا في المسرح والسينما والقصائد وحتى الأغاني، ولكن تعوزنا اليوم القراءة الهادئة والموضوعية لهذه المدونة التي كتبت عن الاستبداد وبشرت بالخلاص، هناك أزمة قراءة في مجتمعنا ولكن تنضاف إليها اليوم أزمة قطيعة سياسية بين اتجاهات لا تريد الاعتراف بدولة الاستقلال وبأكثر من نصف قرن من التراكم الثقافي والاجتماعي نتيجته هذا الواقع الذي نعيش. بالنسبة إليّ أؤكّد أن نصوص مجموعتي الأخيرة الأنين المتصاعد من أحلام النيام كتبت خلال السنوات التي سبقت الثورة وفيها إرهاصات لما حدث في النهاية، علاقة الكتابة بالثورات لا تقتصر على الحماسة والتحريض هي أيضا قراءة الواقع والنفاذ إلى عمقه أيضا.

هذا عن الاستباق والاستشراف لكن كيف تبدو معايشة الشعر العربي للتحولات التي تعصف بالمجتمع في ظل الربيع العربي؟

السؤال لا يختص به الشعر بل هو مطروح على مختلف التعبيرات الفنية، فالتحولات المجتمعية سريعة جدا وما نشهده اليوم يعادل ما عاشته أجيال أخرى في عقود كاملة من ثمة كان المأزق في علاقة النص الإبداعي عامة بالواقع المتحوّل، ونحن نعيش في ظل هذه المتغيرات انحسار الضوء على التجارب الكبرى وخفوت وهجها الذي كان منذ نصف قرن زمن الأحلام الكبيرة، لكن لا أعتقد أنه ثمة ما يستدعي الزج بالتجربة الشعرية في خضمّ هذه الدوامة العنيفة فالشعر ينظر إلى الوجود في كليته ولا يقتصر على معايشة الآني في ظرفيته وتاريخيته، ما نعيشه اليوم لم يتجلّ بعد في قصائد مدهشة ومجددة والتجارب القليلة التي تفاعلت مع الثورات لم تخرج عن دائرة الانبهار والوصف ومحاولة النفاذ إلى عمق اللحظة بسرعة.

 نشرت كتابك الثاني في القاهرة وأنت مقيم في الخليج العربي فكيف ترى حضور الإبداع التونسي في المشهد العربي عامة؟

عامر بوعزة

عامر بوعزة

صعوبات النشر متشابهة في مختلف البلدان العربي ولكن هناك تقصير واضح من قبل الأجهزة الثقافية الرسمية في تونس في التعريف بالإنتاج الثقافي الوطني في المشرق والخليج وحضور المؤسسات الرسمية في معارض الكتاب ضعيف وأحيانا منعدم، لا يمكن الاطمئنان بسهولة إلى الإجابات التقليدية عن واقع التبادل الثقافي العربي والتذرع بقلة القراءة، فالخارطة الثقافية العربية بصدد التحول والانزياح ومراكز القوى التقليدية تتراجع لفائدة مراكز جديدة، الخليج العربي اليوم يمثل نقطة جذب هامة وذلك ما لم تنتبه إليه السلط الثقافية عندنا، هناك عمل كبير ينتظرنا لتوصيل التجارب المحلية إلى الأفق العربي وتجاوز هذه الثنائية التقليدية بين المشرق والمغرب.

أن يكون الشاعر إْعلاميا هل يؤثر ذلك بالسلب أم بالإيجاب على تجربته ؟ ثم آلا ترى أن الصحافة تأخذ الكثير من وقت الشاعر بما قد يتسبب في هيمنة قلم الصحفي على قلم الشاعر ؟

أن تكون إعلاميا معناه أن تكون دائما في قلب الحدث، تعايش عصرك لحظة بلحظة دون أن تجد الوقت الكافي للتأمل والابتعاد مسافة كافية لتعميق الرؤية لهذا يصعب جدا التوفيق بين الكتابة الشعرية والعمل الصحفي، الصحافة تهيمن على روح الشاعر وتأخذه بعيدا عن الينابيع الأولى بل وتزج به في دوامة عنيفة. لهذا السبب لا يمكن للإعلامي أن يكتب بغزارة أو بإسهاب وتتكثف الكتابة بشكل يجعل النص أقرب إلى الومضة. لكن الشعر يلقي دائما بظلاله على النص الصحفي ويتسلّل إلى التقارير في المفردات وإيقاع الكتابة وهذا أمر إيجابي.


الأنين المتصاعدُ من أحلام النيامْ

الأنين المتصاعد من أحلام النيامعن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر للشاعر والإعلامي التونسي  عامر بوعزة مجموعته الشعرية الجديدة « الأنينُ المُتصاعدُ مِنْ أَحْلامِ النِّيامْ ».

الأنين المتصاعد من أحلام النيام ، ثلاثة عشر نصًا في ثمان وثمانين صفحة، هي: رؤيـا / سَـفَـر / رحيـل / أسئلة / ضـوء / بحـر / صـورة / رصيـف /تلفزة أولاد أحمد / ذكريات نمّالة / كشك عبد السلام / تـونـس / مـوت.

في هذه المجموعة الجديدة تتجه تجربة عامر بوعزة الشعرية نحو التكثيف والاختزال والتنوع.
لقد أضحى التقارب بين الأسلوب الفوتوغرافي والتعبير الشعري أشدَّ وضوحا سيّما في النصوص القصيرة التي تقدم المشهد اليومي بشكل مختلف، وأضحت الأفكار السياسية والاجتماعية أكثر شفافية في نصوص يمكن إدراجها ضمن فن الكوميديا السوداء.
والتزاما بنفس النهج الذي بدت عليه نصوص المجموعة الأولى “غابة تتذكر أحزانها” ترتبط الكتابة لدى الشاعر بالواقع ارتباطا متينا، فالأزمنة والأمكنة والوجوه مألوفة لكنها تصير كائنات لغوية مفعمة بالدلالات في عالم شعري يشبه الحلم.. (مواصلة القراءة…)


رياض نعسان آغا بين الثقافة والسياسة

أجري هذا الحوار الإذاعي منذ سنتين، كان الدكتور رياض نعسان آغا وزيرا للثقافة في سوريا وقد زار تونس على رأس وفد ثقافي رفيع المستوى للمشاركة في فعالية القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية..
وإثر الحفل الفني الذي حضره رفقة السيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة الأسبق رصدت بشكل سريع انطباعاته حول الحفل (الصورة المصاحبة) والتمست منه إجراء حوار مطول نسبيا فرحب على أن يكون ذلك بعد ساعة فقط في نزل لايكو وسط العاصمة..

وكان الحوار الذي أنزله اليوم بوصفه شهادة على تجربة مثقف عربي خبر عالم الفن والإبداع وبلغ مواقع القرار الثقافي المتقدمة ثم انتصر لفكره الأصيل..

Audio clip: Adobe Flash Player (version 9 or above) is required to play this audio clip. Download the latest version here. You also need to have JavaScript enabled in your browser.


غابة تتذكر أحزانها

الفرد عصفور

ديوان شعر على الطريقة الحديثة. قطع صغير وصفحات غير مزدحمة. والشعر نفسه على الطريقة الحديثة المرسلة بدون قوافي الا اقل القليل. ولكن بالقراءة المتأنية يمكن لمن يحاول الاصغاء الى الصوت الداخلي في القصائد ان يجد موسيقى حزينة تنتظم كل النص من الصفحة الاولى الى الاخيرة.

يلفت النظر في هذه الاشعار ذلك الاستحداث الغريب لربط ما هو جماد بما هو صاحب روح اي  المادي والمعنوي. شعرت ان الشاعر في بعض القصائد، الاولى على سبيل المثال والتي حمل الديوان عنوانها: غابة تتذكر احزانها، ان الشاعر يحمل في نفسه حزنا دفينا وتساؤلا ينم عن شعور يمكن وصفه بانه الاحساس بالغبن. هناك تكرار جميل لكلمة من بعدنا وهذا التكرار في رايي يعبر عن حنق الشاعر على الحالة التي يتحدث عنها. حالة من التعب والحزن والغبن والانكسار الى جانب حالة من العشق والذوبان والنوستالجيا للماضي الجميل…. لكنه الماضي الذي لم يحدث.

في قصيدة اخرى يكثر الشاعر استخدام فكرة المرايا. حيث يرى فيها البحر والنخيل والشهوات… تلك هي تونس الجميلة. (مواصلة القراءة…)


المنصف المرزوقي في المقهى السياسي

قدّمت إذاعة المنسيتر صبيحة الأحد 19 جوان 2011 عددا خاصا من البرنامج الأسبوعي “المقهى السياسي”تحول فيه فريق البرنامج إلى ضاحية

عامر بوعزة مع المنصف المرزوقي والطاهر هميلة بمناسبة حلقة من المقهى السياسي يوم 19 جوان 2011

مع المنصف المرزوقي

القنطاوي مقر إقامة الدكتور المنصف المرزوقي المفكر والمناضل السياسي المعروف ورئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وكانت بعض الأطراف عبرت عن رفض حضور الدكتور إلى مقر الإذاعة على خلفية موقفه من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة وهو ما شكل مدخلا للبرنامج تولى خلاله الضيف توضيح موقفه من هذه المسألة

Audio clip: Adobe Flash Player (version 9 or above) is required to play this audio clip. Download the latest version here. You also need to have JavaScript enabled in your browser.

علينا استلهام أفضل ما في التجربة البورقيبية: أولوية التعليم

وردا عن سؤال يتعلق بما إذا كان توظيف النزعة البورقيبية يهدف إلى تضييق الساحة السياسية واستعادة النعرات القديمة باستغلال مشاعر العامة تجاه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أكد الدكتور المنصف المرزوقي أنه من الممكن جدا اليوم استلهام النقاط المضيئة في التجربة البورقيبية على غرار أولوية التعليم في فكره الإصلاحي أما بالنسبة إلى الديمقراطية فيعتقد الضيف أن إخفاقات بورقيبة في هذا المجال لا يمكن اليوم إنكارها تحت أي تعلة

Audio clip: Adobe Flash Player (version 9 or above) is required to play this audio clip. Download the latest version here. You also need to have JavaScript enabled in your browser.

(مواصلة القراءة…)


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress