محمد صخر الماطري

محمد صخر الماطري

محمد صخر الماطري يسأل من “منــفاه” والعهدة على من روى: اشنية هاالمعبوكة ؟

ومعنى ذلك أن ثورة 14 جانفي التي وقف لها العالم إجلالا واحتراما لأنها أيقظت في الشباب العربي جذوة النخوة والمهابة والعزة فعصفت بكل أسباب الخنوع والاستكانة هي لدى هذا الثري المدلل المغرم بشرب النارجيلة وتربية القطط والكلاب والنمور لا تعدو أن تكون معبوكة!!!

إن الصورة الملائكية التي كان يبدو عليها صهر الرئيس الفاسد هذا قبل الثورة اعتقلت بمهارة فائقة عقول التونسيـين البسطاء الذين يخافون على وطنهم من الفتنة ويحلمون دائما بالاستمرار إيمانا بالحكمة الانتهازية المتوارثة: “ليس بالإمكان أفضل مما كان !!، فصار صخر في أذهان الكثيرين البديل الأقل سوءً لصهره الذي بدأت تلوح عليه آثار الشيخوخة رغم ما يبذله في سبيل إخفائها.

البسطاء الذين لم يخطر على بالهم أنه يمكن قلب نظام الحكم وطرد الطغمة الفاسدة من القصر الرئاسي بقوة الإرادة الشعبية والعزيمة والإصرار كانوا يفكرون في أن هذا الشاب “النظيف” قد يكون الحلّ السحري الذي سينقذ البلاد والعباد من هيمنة السراق والوصوليين ويخرجها من المآزق الاجتماعية والسياسية التي تردّت فيها، فهو شاب والبلاد تعاني من شيخوخة رئيسها، وهو صاحب مشاريع اقتصادية تشغل الآلاف من طالبي الشغل والبلاد تعاني من أزمة التشغيل وتفاقم عدد العاطلين، وهو متديّن و صاحب أول إذاعة متدينة وراجت إشاعات قوية لا أحد يعرف مصدرها تتحدث عن ارتداء زوجته ابنة الرئيس الحجاب (نعم هكذا !) في وقت كانت فيه كل مظاهر التدين مدعاة للريبة والشك والملاحقة والاعتقال والتنكيل، وعندما وجه له مؤسس حركة النهضة برقية يهنئه فيها ببعث أول إذاعة للقرآن الكريم نزلت تلك البرقية بردا وسلاما على نفوس الكثير من المتشائلين، إذ أن تصدي بن علي للإسلام السياسي تحت غطاء مقاومة الإرهاب كان عملته الرمزية لإقناع العالم الغربي الحرّ بأن التمشي السياسي التونسي مثالي ونموذجي وأن الديمقراطية تُــتَـناول على جرعات لا دفعة واحدة وأن الأمن الاجتماعي القائم على القهر والتخويف ضروري لتواصل المصلحة الاقتصادية ونمائها بما يخدم سعادة كل الأطراف.

وعندما بدأت العامة تـنزع من مخيلتها نهائيا فكرة أن ينتهي حكم بن علي نهاية ديمقراطية وأصبح موضوع الخلافة حديث المجالس وصار بمستطاع أي كان أن يصف لك مختلف السيناريوهات الممكنة كان صخر الماطري أحد البدائل المطروحة بقوة خصوصا وأنه دخل معترك المشهد السياسي من خلال وجوده تحت قبة البرلمان ونشاطه التجمعي العلني الذي كان دائما ما يظهر فيه مرفوقا بعرّابه عبد العزيز بن ضياء.

بعد هروب بن علي في تلك الليلة الغاضبة التي لم تستطع حتى الآن أن تبوح بكل أسرارها ظلّ بعض الناس يفكرون في أن هذا الشاب الطموح قد يكون ضحية فساد أصهاره وأنه ربما قد وُجد في المكان الخطأ في الزمن الخطأ وذلك لغلبة صورة الشاب المتديّن على سواها ومتانة القناع الذي كان يرتديه، ولكن نص الإحالة الذي نشر مؤخرا والمتعلق بواحدة من القضايا المدعو فيها صخر الماطري إلى المثول أمام القضاء التونسي رفقة زوجته ووالدها والتي تعرف بقضية “أراضي البحيرة” يكشف بكثير من الدقة تفاصيل عمليات تربّح غير مشروع قد يصعب تفنيدها والتفصّي منها ونسبتها إلى المصلحة العامة، كما أن التونسي لم ينس بعد أن الثورة كانت تشتعل بضراوة في الداخل بينما كان صخر الماطري يسرع في إبرام صفقة هامة تجعله يضع اليد على واحدة من أكبر شركات الاتصال في مناخ تنافسي مشبوه سيجعل منه اللاعب الأبرز مستقبلا بعد ضمور القطاع العام والعبث بمقدراته كما هو الحال في شتى القطاعات.

ليس هذا مهما الآن، فالعدالة سوف تأخذ مجراها وتعطي لكل ذي حق حقه ولكن الأهم في سياق الحرب النفسية التي عقبت الثورة والتي هي حسب الخبراء جزء من الثورة المضادة سؤال السيد صخر الماطري من “منفاه” عن المعبوكة، في ثاني ظهور استفزازي لأقارب المخلوع وأتباعه بعد خطاب سليم شيبوب أمام أنصار الترجي الرياضي التونسي بمناسبة حصوله على بطولة هذا العام “أول بطولة بعد الثورة” على حدّ تعبيره هو !!!، واستجابة لهذا السؤال الكبير عن “المعبوكة” من المهم أن يعرف السيد صخر الماطري أنها مشتقة من فعل عبك وقد جاء في لسان العرب أن العَـبْكَةَ هي خَلطُكَ الشَّيْءَ فيقال : عَبَكَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ والعبْكَةُ هي القطعةُ من الشيْءِ فيقال : ماذُقْتُ عَبْكَةً ولا لبْكَةً.

والمعبوكة في الموضوع التونسي هي ما يعقب المخاض من آلام لا تشعر بها النفساء لأن ابتسامة وليدها أجمل من كل الدنيا..