Tag: التلفزة التونسية

اشكي للعروي

نهار الأحد ما يهمك في حد

نهار الأحد ما يهمك في حد

في معرض ردّهم على الممتعضين من الرداءة التلفزيونية السّائدة يردّد البعض عبارة عبد العزيز العروي الشهيرة “بيننا فلسة” مطمئنين إلى جواز استخدامها في غير العصر الذي قيلت فيه، فأين نحن من زمن العروي؟

تلك العبارة قيلت عندما كان الراديو قطعة ثمينة لا تمتلكها كلّ البيوت، وكان الاستماع إلى أسماره أو حفلاته حدثا عائليا يجمع ولا يفرق، كان الراديو يؤدي وظيفته الإخبارية المكرسةَ للدعاية السياسية ويسلّي الناس ويعلّمهم بخرافات الوعظ والإرشاد والتمثيليات الاجتماعية، ويصل الأمر به حدّ تذكيرهم بقواعد التعايش حين ينبّههم عند الساعة العاشرة ليلا إلى ضرورة احترام الجار، أما المتحدثون صُنّاعُ الفرجة الصوتية فيه فقد كانوا من علية القوم ومن كبار المبدعين، إنه زمن الدوعاجي وكرباكة وعثمان الكعاك، زمن الهادي الجويني وصليحة والجموسي والجيل الذهبي المؤسس، وإذا أصبت حظا من أرشيف الإذاعة التونسية الذي عبثت به أيادي العابثين ستجد حتما بقايا من أصوات المسعدي وطه حسين وميخائيل نعيمة والفاضل بن عاشور والبشير خريف وآخرين. إنه زمن لا يتكرّر، فقد كان كلُّ شيء بسيطا وعاديا وممكنا، وكان ثمة وقت للخيال والجمال وأناقة الروح، كانت الأحلام شاسعة رغم الفقر والجهل والتسلّط، والعروي عندما قال عبارته الشهيرة: “بيننا فِلْسة” كان يدرك أنْ لا حرية للأفراد خارج نطاق السلطة، سلطة من يمتلكون القدرة على استعمال “الفِلسة”، فهي لم تكن من حق الجميع، الزعيم في قصره والمعلم في مدرسته والأب في بيته، هؤلاء كانوا قادرين على استعمال “الفِلسة” لتقرير مصير الآخرين وفق ما يرونه هم المصلحةَ الفُضلى.

أي قيمة لهذه العبارة في زمن اليوتيوب؟ البضاعة تُعرض مرة واحدة على الشاشة ثم تصبح متاحة للمشاهدة في أي وقت، تُعرض كاملةً ثم تُجزأ لاحقا إلى لقطات بحسب ما يتوفّر فيها من إثارة، يفقد السياق الدرامي نسقه الخطي في خضم “فوضى خلاقة”، هنا تستطيع أن تشاهد كل شيء متى تشاء بمفردك، فقد سقطت أسطورة السهرة العائلية بكل ما يحفّ بها من صور رومنسية، صورة الأب الذي يطالع الجريدة والأم التي ترفو الجوارب والجدة التي تروي الحكايات بينما تتمطى القطة أمام المدفأة(!) انتهى زمن العائلة وبدأ زمن الأفراد، ولم يعد غريبا أن تنتبه امرأة إلى أن الشاب الذي عُرضتْ صورتُه في الأخبار بعد أن أعدم العشرات في عملية انتحارية هو فلذة كبدها الذي لم تنتبه إليه وهو ينمو خارج حضيرة العائلة متمردا على فِلْسَة العروي. تغيّر كل شيء من حولنا وانهار المعبد على رؤوسنا، وهم يردّدون عبارة لو ظلّ قائلها حيّا بيننا لنقّحها وغيّرها أو تبرّأ منها جملة وتفصيلا.

المسلسلات التي تثير امتعاض الناس لا تدمّر الأخلاق والقيم، بل تدمّر فكرة الإبداع ذاتها وتبتذل الخلق الفني، الآن يمكن لمن هبّ ودبّ أن يتقمّص ثوب المخرج والسيناريست وصاحب الأفكار ليصنع ما يشاء باسم الحرية، هؤلاء الفوضويون الذين يأكلون من كل الموائد ينتحلون صفات لا تناسب مقاساتهم الطبيعية، وهو أمر كان ينبغي أن يعاقب عليه القانون مثلما يفعل عندما يلقي القبض على من ينتحل صفة الغير، الأمرُ أخطر من أن يكون تزمّتا زائدا من المتفرجين إزاء فائض من الحرية لا يناسب أمخاخهم الصغيرة المتيبسة، وأخطر من أن ننهيه هكذا بمجرد الضغط على فِلسة العروي، هذه العبارة إذا ترجمتها إلى لغة العصر وجدتها: “اشرب والاّ طيّر قرنك”، وبنفس هذا الخطاب الفوقي الذي يجعل به بعض صناع الفرجة أنفسهم فوق النقد يحق لآخرين كذلك أن يُلجموا كل الأفواه المحتجة على اعتلاء كافون صهوة قرطاج فالأمر سيّان وفي النهاية لم يفرض أحدٌ على أحدٍ الحضورَ كما لم يفرض عليك أحدٌ المشاهدة!!

التلفزيون ليس مجرد أداة ترفيه وتسلية بل يساهم في التنشئة الاجتماعية، وقد رأى الناس خطره في الاتجاه المعاكس عندما تخصصت قنوات الظلام في غسيل الأدمغة وتكفينها بالأفكار الرجعية، وامتعاض الناس من الدعارة المفروضة علينا بعنوان الحرية هو مجرد وجهة نظر، فأي معنى للنقاش تحت طائلة عبارة أكل عليها الدهر وشرب، ولماذا تريدون أن يكون بيننا وبينكم مجرّد فِلْسة؟ والحال أن ما بيننا هو أجمل وأنقى وأسمى.


عدالة ساكسونيا

عدالة ساكسونيافي القرن الخامس عشر عرفت ولاية ساكسونيا الألمانية قانونا شهيرا ارتبط باسمها على مرّ العصور، وهو قانون يميّز بشكل سافر بين النبلاء والفقراء في تطبيق العقوبات، فالفقير الكادح يُعدَمُ في الساحات العامة بقطع رقبته، أما الغني ذو الحظوة والمكانة فيُعدمون ظلَّه!

وقضية نقابة التلفزة التونسية مع شركة “كاكتوس” لم تخرج بعد من نطاق عدالة ساكسونيا، فقد أنهت محاكم البلاد تقريبا النظر في كل الملفات المتعلقة بالثورة وبتّت فيها، فأطلقت سراح كبار مسؤولي الدولة في “العهد البائد” بعد أن لم تَجِدْ في ملفاتهم ما يمكن أن يُدينهم وأوصتهم بعدم الظهور في الأماكن العامة احتراما لمشاعر الراكبين على الثورة، ثم أغلقت المحاكمُ العسكرية قضايا الشهداء والجرحى ووضعت الختم العسكري الثقيل على مقولة السبسي الشهيرة: “القناصة إشاعة”، وأخيرا برّأت ابنة زين العابدين بن علي ذاته من تهمة تبييض الأموال ورفعت عنها قرار تحجير السفر حتى تتمكن من الذهاب إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة! يحدث هذا بينما يتواصل تحجير السفر على الأستاذ محمد الفهري شلبي المدير العام الأسبق للتلفزة التونسية بوصفه أحد خمسة مسؤولين لم يقولوا: “لا” في وجه سامي الفهري عندما كان يصول ويجول، فالقضية الوحيدة التي ترتخي أمامها عضلات القضاءهي هذه القضية التي اتهم فيها المديرون باقتناء برامج خارج قانون الصفقات العمومية وهي قضية تأبى المحاكم البت فيها وغلق ملفّها وإعطاء المتصلين بها حقوقهم، مواصلةً تسليط عقوبةِ المنع من السفر على شخص حتى لو أدين لما عوقب بمثل هذا العقاب الظالم!

تستمرّ هذه القضية حتى الساعة رغم أن شركة كاكتوس التي صادرت الدولة نصيب بلحسن الطرابلسي في رأس مالها تبث برامجها بذبذبات الحوار التونسي القناة المعارضة الأولى لنظام بن علي وتحقق أعلى نسب المشاهدة(!). هكذا أعيد توزيع المقاعد من جديد، بقي من بقي في مكانه وغيّر من غيّر مكانه، حصل كثير من المذنبين على صكوك التوبة الغفران ودخل من دخل بيت أبي سفيان. ولم تنتبه العدالة إلى أن مماطلتها في هذه القضية لا تجعل منها مأساة انسانية واجتماعية في حياة الأستاذ محمد الفهري شلبي فحسب بل أيضا كوميديا سوداء مضحكة، لقد ظلّ الراكبون على هذه الثورة يبحثون عن مؤيدات تُـقنعهم هم أولا وتقنع العالم ثانيا بوجهة نظرهم، إذ ينبغي الكثير من الجرائم والكثير من المتهمين والكثير من الضحايا حتى يقتنع الناس بأن تونس كانت تعيش حالة الجاهلية الأولى قبل هذا الطوفان، ومثلما لم يجرؤ بن علي على محاكمة معارضيه باسم الاختلاف السياسي ولفق لهم قضايا تحرش و اغتصاب و تخابر مع دول أجنبية فعل خصومه أيضا عندما استلموا السلطة، فلم يقدموا مسؤولا واحدا إلى العدالة بتهمة الاستبداد والانحراف السياسي بل تركوا المحامين والنقابات والفضوليين يقدمون قضايا ذات خلفية سياسية تفوح منها روائح الانتقام الشخصي تحت مسميات مختلفة أبرزها إساءة التصرف في المال العام أو مخالفة قانون الصفقات العمومية، وهكذا اختلط الحابل بالنابل وَوُضِع البيض كله في سلة واحدة، ونظرا لتفاهة الكثير من القضايا المرفوعة وخواء ملفاتها من المؤيدات والقرائن الدامغة لم يعاقَبْ أحدٌ من الذين قال عنهم الرئيس في سويعاته الأخيرة: “غلطوني وسيحاسبون”، لكأنهم أول المستفيدين من الثورة التي قامت ضدّهم، “فسيادته” لو حاسبهم كما توعّد لما أطلق سراحهم مثلما فعلت عدالة ساكسونيا.


لن أصمت بعد اليوم

بقلم الدكتور محمد الفهري شلبي
الدكتور محمد الفهري شلبي

الدكتور محمد الفهري شلبي

صمت طويلا. قررت ألا أصمت بعد اليوم . هاكم لمحة سريعة عن القضية التي جعلتني أنقم أحيانا على أشياء كثيرة سبق أني تحدثت عنها منها أني تعلمت. لو لم أفعل لكنت في الشقاوة أنعم.
ملف القضية معروف في شأننا، الرؤساء المديرين العامين الذين تداولوا على المؤسسة منذ 2002. سأتحدث باسمي، فأنا سيد نفسي اليوم، و أترك لزملائي الحديث عن أنفسهم و إن كان ما سأقول يخص القضية فهو يخص الجميع.
التهمة الموجهة إلي هي أنني اشتريت برامج كاكتوس دون اللجوء إلى قانون الصفقات العمومية و بالمقايضة.سأترك الحديث عن القانون و عن المنطق جانبا الآن و أذكر لكم ما قاله رئيس الحكومة علي العريض قبل عام و نيف بتاريخ 30 ماي 2013.
1-المستوى السياسي
“أعلن رئيس الحكومة،علي العريض أنه تم الترخيص للتفزة التونسية وبصفة استثنائية باعتماد صيغة المقايضة بالمساحات الاشهارية بالنسبة لبرمجة شهر رمضان المقبل وذلك في إطار دعم مواردها”. و هاكم الرابط.
يعني هذا ببساطة شديدة أن السجان أقر صراحة أنه لم يكن في وسع التلفزة و لا في وسع المسجونين آنذاك و الممنوعين من السفر اليوم انتاج مواد درامية و غيرها لشهر رمضان بالموارد المخصصة للتلفزة ، و هذا بعد مغادرة كاكتوس بعامين مما يفترض أن الأوضاع تحسنت.
كان رد مجلس إدارة التلفزة الرفض لأنهم أدركوا أنه طُلب منهم فعل ما سُجن من أجله أربعة أشخاص أنا خامسهم. و كان رضا السعيدي المكلف بالملف الاقتصادي صرح قبلها في بداية أفريل بالشيء ذاته. .” أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم؟”
2- المستوى القانوني
ينص قانون عدد 33 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 و المتعلق بالمؤسسات العمومية للقطاع السمعي والبصري على ما يلي في فصله السابع:
” تخضع صفقات المؤسسات العمومية للقطاع السمعي والبصري وكذلك الاتفاقيات التي يترتب عنها انعكاس مالي إلى التراتيب العامة في مادة الصفقات العمومية فيما يتعلق بنفقات التجهيز والتسيير العادي. وتُضبط بأمر أنظمة خاصة تحدد شروط وإجراءات اقتناء حقوق بث وملكية الأعمال السمعية البصرية وتنفيذها” (الرابط)
بربكم هل بعد هذا وضوح؟ ما الذي يخضع إلى التراتيب العامة المعمول بها في الصفقات العمومية؟ هي النفقات المتصلة بالتجهيز وبالتسيير العادي. و ماذا عن المواد السمعية البصرية ؟ أنظمة خاصة تُحدد شروط وإجراءات اقتناء حقوق بث وملكية الأعمال السمعية البصرية وتنفيذها.
ماذا يعني هذا؟ أن القانون يقر صراحة بأن المواد السمعية البصرية لا يمكن أن تخضع إلى تراتيب الصفقات العمومية. تخضع إلى أنظمة خاصة ، و كنا في أكتوبر 2010 بصدد وضع اللمسات الأخيرة لمشروع أمر ينظم هذا القطاع.
عندما جابهت من سألني عن ذلك أجابني بأنه كان على انتظار صدور الأوامر. يعني أمتنع عن شراء أي مضمون إعلامي بما في ذلك حقوق بث المقابلات الرياضية و الحال أني مطالب بالقانون أن أسهر على عدم توقف البث في الخدمة العامة. الأمر المنظم هذا لم يصدر إلى الآن. من كان يقبل التوقف عن بث مسلسلات في رمضان في انتظار أوامر لم تصدر إلى ال’ن؟ دعوا جانبا السياسة و ما يرافقها. هل هذا كلام معقول.
هل فهمتم الآن لماذا رخّص على العريض سنة 2013 للتلفزة بأن تقتني البرامج كما كانت تتعامل التلفزة مع كاكتوس و غيرها كمحمد الحناشي الذي كان يبيع التلفزة برامج سأحدثكم عنها لاحقا؟
3-المستوى المنطقي
لماذا لا يمكن لأي تلفزة في العالم ان تشتري مواد سمعية بصرية حسب قانون الصفقات العمومية؟ مبدأ الصفقة العمومية هو أن تنشر إعلانا تقول فيه المؤسسة كذا ستقتني السلعة الفلانية حسب مواصفات محددة، كأن تقول 100 كرسي من المادة الفلانية بحجم كذا تتحمل الوزن الفلاني…. تتلقى ثلاثة عروض و يجبرك القانون على الابقاء على العرض الأقل ثمنا. تصوروا أن التلفزة تنشر إعلانا لاقتناء مسلسل؟ ما هي المواصفات التي ستحددها ؟ و إن هي حددتها هذا يقتضي أن تكون المسلسلات الثلاثة متطابقة في كل شيء حتى تأخذ الاقل ثمنا. متطابقة في كل شيء. هل هذا معقول؟
فلنفترض أنه ممكن. و سنتغلب على قانون الجاذبية. من من المنتجين يخاطر بإنتاج مسلسل كلفته 2 مليارات و هو يعلم ان له حظا على ثلاثة ليُبقى على مسلسله؟ و هل يمكن الإكتفاء بحلقة واحدة لتقييم المسلسل. العارفون بالعمل التلفزي يعلمون أن هذه نكتة لأن 15 حلقة من مسلسل واحد تنتج بشكل متواز.
تصوروا أن وزارة الثقافة تتصرف بالمنطق نفسه؟ تحدد شروطا و تنتظر ثلاث فاطمات بو ساحة و تأخذ الفاطمة الأقل سعرا؟ و هذا يقتضي بطبيعة الأمر استنساخ المرأة ثلاث مرات…عندما جاءت وزارة الثقافة بأزنافور، هل اتبعت مسلك الصفقات العمومية؟
هل فهمتم الآن أنني سجنت ظلما مرتين و منعت من السفر ظلما و لطخت سمعتي ظلما حتى البارحة على الفيس بوك؟
ماذا بقي؟ التجاوز في الإشهار. جيد. هاكم التفسير: لما تم فصل الإذاعة عن التلفزة عام 2007 لم يُحدث هيكل تنظيمي للتلفزة عندما أصبحت مستقلة عن الإذاعة. لما توليت منصبي في جويلة 2009 سألت عن ذلك و قدموا لي مشروعا أعده سلفي و رفضته سلطة الإشراف و قُدم لي ذلك في سبتمبر 2009. و بدأنا بالاشتغال على ذلك و طالبت النقابة في مفاوضات مضنية مطالب كثيرة من بيينها المشاركة في إعداد الهيكل التنظيمي. و كنت منشغلا بنقل التلفزة إلى مقرها الجديد بسواعد بنات التلفزة و أبنائها. لن أفصل و سأكتفي بالقول إن قنوات تلفزية فرنسية استعانت بالأمريكان…
و ما لم يكن هنك هيكل جديد يبقى الهيكل التنظيمي القديم ساري المفعول، و هو أمر عدد 1296 بتاريخ 4 جوان 1999. ماذا نجد في هذا النص:
الفصل 36 يقول: “تكلف إدارة القناة الوطنية –قناة 7 خاصة- بإعداد و ضبط سياسة المؤسسة في ميدان البرامج التلفزية و بالعمل على الإرتقاء بالثقافة و الحضارة التونسية و بالقيام بالإنتاج الخاص بالقناة و بالبرمجة و البث و متابعة البرامج التلفزية”.
الفصل 38 يتحدث عن المصلحة الفرعية لبرمجة قناة تونس 7 التي تشتمل على مصلحتين:
-مصلحة البرمجة و مرافبة البث
-مصلحة مشاهدة البرامج.
كل هذا تحت إشراف مدير قناة تونس 7. فمن هو مطالب بأن يرى التجاوز في حجم الإشهار؟ هل الرئيس المدير العام أم أناس آخرون؟
ملاحظة: كل كلمة قلتها هنا و سأقولها موثقة إما نصا أو شهادة.
د محمد الفهري شلبي

———————
المزيد حول نفس الموضوع

كلنا محمد شلبي، كلنا ذاك الرجل
ساعة الرئيس المعطلة


زهرة لمبوبة

في إحدى حلقات البرنامج التلفزيوني الشهير دليلك ملكْ سأل الأستاذ سامي الفهري المشاركين الحالمين بالثروة والملايين عن السيدة الفاضلة زهرة لمبوبة وانتظر من المشاركين أن تكون إجاباتهم كلها صحيحة طالما أنه يسأل عن شخصية فـذّة لايُـغفر لمن لا يعرفها ذنبُ جهله بمآثرها العظيمة وأفضالها الخالدة وما إن خاب أمله ووجد بين الحاضرين من أخفق في معرفة كنية السيدة زهرة حتى اندفع يؤنب المخطئين ويلومهم شديد اللوم بل ويوبّخهم على فقرهم الثقافي المدقع الذي أوقعه في الحرج متسائلا بكل إلحاح : كيف لا تعرفون زهرة لمبوبة ؟

وبما أنني كنت معنيا بتوبيخ الأستاذ سامي الفهري هذا فقد أوقعني جهلي في حرج شديد ليلتئذ إذ كنت أتابع البرنامج بمعية بنيتي الصغيرة ذات السبع سنوات وقد تساءلت بكل براءة عن السيدة زهرة لمبوبة هذه من تكون ؟ واستغربت جهلي بها وعدم معرفتي بشخصية بدا واضحا من خلال ما تشاهده في التلفزيون أنها أشهر من نار على علم ولم أستطع أن أمحو من على وجهها الصغير خيبة الأمل الكبيرة في والدها الذي ربما كانت تعتقد أنه يعرف كل شيء وأنه من غير المسموح له بأن يجهل أمرا كهذا .. ولعلها أن تكون قد تصورت والدها في وضعية الممتحن في ذلك البرنامج فحرمه جهله من فرصة نادرة للحصول على ملايين كثيرة تحول الأحلام الكبيرة المجردة إلى واقع محسوس ملموس ..

وقد دفعني هذا الموقف السّخيف إلى تصفّح كتاب ورقات للعلاّمة حسن حسني عبد الوهاب وكتبا أخرى في التاريخ الثقافي والاجتماعي التونسي وما نشر عن بلادنا في الموسوعات ودائرة المعارف الكونية علّني أظفر بإجابة ملائمة عن السؤال المؤرق من تكون زهرة لمبوبة هذه التي يُـنكر علينا سامي الفهري جهلنا بها ؟

وبما أنني لم أجد في المصادر والمراجع ردّا شافيا عن هذا السؤال الخطير المحيّر فإنني صرت أتحاشى مشاهدة البرنامج بمعية أفراد أسرتي وأتشاغل عنه في الدقائق الأولى حيث يُطرح السؤال المصيري حتى لا أنفضح مجدّدا ولا يكتشف أبنائي خلوّ وفاضي وفراغَ مِزودي وقعودَ همّتي عن طلب العلم الصحيح علم الأنساب والتاريخ والأعلام ولكنني وأنا في غمرة الإحساس بالذنب التمست لنفسي أعذارا شتى فلقد أتْـلـفتُ في القراءة أحلى سنوات العمر وقضيت ما يقارب ربع قرن بين مقاعد الدرس حتى اهترأت سراويلي ونلت من الشهائد ما يسدّ الرمق فما وقع بين يدي شيء عن زهرة لمبوبة ولا درّسني أحد في المناهج المدرسية أو الجامعية شيئا عن هذه المرأة ..وإنني أحمد الله على أن نبّهني التلفزيون إلى جهلي وأهدى إليّ عيوبي وأراني نفسي في مرآته فكشف سوءاتها الكثيرة واستفزّ خمولي فأيقظ في كهولتي حاجة ملحّة إلى الاستزادة من ينابيع المعرفة وفيوض العلم ..


هــل مرّت الثورة من هنا ؟

التلفزة التونسية

التلفزة التونسية

الإعلام العمومي السمعي البصري في تونس تركة ثقيلة من عهد بن علي من الصعب تجاهلها أو توهم القدرة على إصلاحها بمجرّد تغيير القوانين أو إضفاء لمسة من الديمقراطية الثورية عليها، والجماهير تؤكد ذلك بأكثر من وسيلة وتقول إن دار لقمان هي إلى الآن على حالها مع وجود بعض الاستثناءات البادية للعيان والتي لا يمكن إنكارها رغم أنها تبدو أقرب إلى الماكياج الثوري منها إلى التعبير عن حالة صحوة حقيقية تبعث على الاستبشار.

أزمة الإعلام السمعي البصري العمومي في تونس مبنية على جملة من العوامل الأساسية لا يمكن لعمليات الإصلاح والترميم أن تتجاهلها أو تقفز عليها، أولها ارتباطه لسنوات طويلة بالجهاز الاستشاري في القصر الرئاسي ارتباطا يتجاوز عقد الولاء السياسي إلى التبعية الآلية لشخص المستشار، لقد حاول الهيكل الوزاري المشرف على القطاع تنظيم وسائل الإعلام العمومية وتغيير هيكلتها وإعطاءها دفعا تستطيع أن تواجه به تراجع شعبيتها وانعدام قدراتها التنافسية إلا أن الصراعات السياسية ظلت العائق الحقيقي أمام كل مشاريع الإصلاح وظلّت مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية بمختلف قنواتها محطّ أطماع عديد الأطراف. (مواصلة القراءة…)


كــــلنا محمد شلبي، كلنا ذاك الرجــــل!

الدكتور محمد الفهري شلبي

الدكتور محمد الفهري شلبي

في صائفة سنة 2005، انطلقت في المركز الافريقي لتدريب الصحفيـين والاتصاليـين حلقات تكوين علمي ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لتطوير وسائل الإعلام في عدد من بلدان الجنوب وفي مقدمتها تونس، ولم تكن الجهة المانحة لتعترف بالكسل الصيفي المعتاد لدى التونسيين ولا بالعطلة المدرسية المقدسة لدى بعضهم، وقد كان واضحا أن الدكتور رضا النجار مدير المركز آنذاك قد خطط مع شركائه لصائفة استثنائية مصمّما على تنفيذ مخططه ذاك ببراعة فائقة.

كانت العاصمة تذوب شيئا فشيئا منذ ساعات الصباح الأولى في حرارة خانقة مثلما تذوب قطعة الصابون، وكانت قاعة المركز محتشدا حقيقيا طيلة أسبوعين، محترفون ومدرسون يشتغلون لأكثر من خمس ساعات متواصلة بلا هوادة في مسائل بيداغوجية تتصل بتكوين المكونين وتُــعلم المُعلمين كيف يأخذون بأيدي الكِبار من المُـتعلمين، كانت الأصوات تعلو وتنخفض كسفينة تَـشقُّ طريقها رغم كل شيء، وكان علينا جميعا من خلال الحوار الصّعب الشاق المضني أن نُسلّط الكشافات على المرآة فنرى أنفسنا في ضوئها ونكتشفها ثم نعيد اكتشاف كل ما يقع حولنا كما يكتشف الطفل الشغوف أسرار لعبته المُرْبكة. وفي تلك المرآة، عرفتُ رجالا ونساء كثيرين وشدّني أكثر الدكتور محمد الفهري شلبي لتنطلق مذّاك أواصرُ مودّة لم يعترها الصدأ، رغم أن لقاءاتنا بعدها كانت طفيفة وصِلَـتَـنا لم تتجاوز الأطُـرَ المهنيةَ كثيرا.

يفاجئك الدكتور محمد الفهري شلبي بِحسِّه الانساني الرفيع وهدوئه الرائع الجميل، ولا تملك إلا أن تغبطه على محبة المحيطين به وإجماعهم حول شخصه في ذلك المرجل الذي غرقنا فيه طيلة فترة التكوين، فلم يكن من اليسير جمع ذلك العدد الغفير من المكونين الجامعيين والمحترفين دون الاصطدام بعوائق بسيكولوجية جمة كان يدركُها كل واحد من الحاضرين، ولكن المُدرّب الفرنسي المكلف بإدارة الحوار وتنشيطه لم يكن بقادر على تخيل حجم الصراع النفسي الذي فرض على النقاش التوتر والحدة والعصبية في أحيان كثيرة وجعله يقول في الاختتام عبارة لخّص بها تقريبا أزمة الإعلام التونسي ببلاغة يتمنى المرء لو يتقنها: “إن أهم شرط للتكوين الصحيح عدم إلغاء الآخر وقبول الاختلاف وفي تونس ينتظركم عمل كبير لتحقيق هذا الشرط”. (مواصلة القراءة…)


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress