عبد العزيز بن ضياء

عبد العزيز بن ضياء

في حوار صحفي أجري معه أكد السيد ساسي بن حليمة محامي عبد العزيز بن ضياء أن موكله لا يقبع في ثكنة العوينة بسبب تهم واضحة يمكن اعتمادها للزج به في السجن وإنما احتياطيا تحت ضغط الشارع الذي لن يحتمل رؤيته طليقا، فلو حصل ذلك لحدث ما لا يمكن التكهن به من فوضى وعنف على سبيل التذمر والاحتجاج، وكانت الكلمة المفتاح في تبرير المحامي براءة هذا السياسي “الكبير” الذي رافق عهدين من عهود الدولة التونسية إلى الهاوية، أن موكله لم يكن له ذنب فيما حصل إذ لم يكن صانع سياسة الفساد بل كان مجرد “صباب ماء على اليدين”.

وعندما يصدر كلام كهذا عن أستاذ في القانون مشهود له بالبراعة و طول ذات اللسان في ساحات القضاء ومَعامِعه فإنّ الشعب الكريم سيتجرّع لامحالة بعضا من مرارة الخيبة، فالناس ينتظرون تسليط عقوبة تليق بوزير شارك في إدارة دفة البلاد أربعة عقود بلا كلل أو ملل حتى صار حضوره في المحافل الرسمية للدولة التونسية أبرز دليل مرئي على ضعف هذه الدولة وتراجع أدائها العام بل ووقوعها في تناقض صارخ بين منطوقها الخطابي وأسلوبها السياسي، فبينما كان  نظام بن علي يزعُم الإيمان بدور الشباب في تحقيق المصير كانت الطبقة الحاكمة في تونس تتآكل تدريجيا تحت وطأة الترهل والشيخوخة والضعف وما كان لبعض الرماد المذرور على العيون أن يصرف أنظار الناس عن خطورة الوضع بعد أن بدأت رائحة الصراع على خلافة الرئيس تزكم الأنوف وبدأ حضور هذا الوزير بالذات مع صهر الرئيس الصاعد بقوة يستفز قريحة المشاهدين وينبئهم بأنه بصدد البحث عن مقعد وثير في دولة ما بعد بن علي أيضا.

وبقدر ما كان كلام المحامي صريحا وشفافا ومستفزا على عادته فإنه قد كشف الغطاء عن بعض الحقائق الصادمة التي يجب مواجهتها وعدم تفاديها إمعانا في التفاؤل المغشوش، فالخشية كل الخشية أن يفهم من هذا الكلام أن السيد عبد العزيز بن ضياء مادام قابعا في السجن بإرادته وإرادة محاميه درءا لغضب الناس لا بسبب تهم واضحة تستوجب سلب الحرية، إنما هو مشارك في الثورة مساند لها محافظ على منجزها مؤمن بقيمها…وهلمّ جرّا، فلقد خامرنا إحساس أن للرجل فضلا على الناس يستحق لأجله التحية وأن يُـشكر عنايته على تفضله بقبول البقاء في الثكنة في هذا الصيف الساخن والطقس الحار بدل المطالبة بالحرية “تــوّة”!!، ولا غرابة في ذلك البتة ما لم تكن التهم الموجهة إلى هذا الوزير الطاعن في الحكم في حجم ما تتناقله ألسنة العوام عن ضلوعه في فساد دولة بن علي، والواضح أن التعويل على خدمات لجنة تقصي الحقائق في الفساد والرشوة للحصول على تهمة لائقة بالسيد الوزير سيتطلب الانتظار طويلا ربما بعض الأعوام أي “يبطى شوية”…

قد يكون كلام السيد المحامي مقبولا في نطاق أدائه عملا قانونيا شرعيا يتمثل في الدفاع عن المتهم الذي يظل دائما بريئا ما لم تثبت إدانته، أما سياسيا وفي أعقاب ثورة حقق فيها الشعب بعضا من إرادته فإنه مخيب للآمال، إذ لا يطمح الناس إلى ممارسة الانتقام والتشفي بما يدفع إلى الضغط في اتجاه ابتكار التهم واختلاقها إذا لم يعثر لها على أثر في الأوراق والوثائق والأدلة، وإنما يطمح الشعب إلى إحلال العدالة محلَّها بعد أن استتبّ الظلم كثيرا، وليس من المعقول أن يتم وضع كافة أوزار النظام السابق على كتفي الرئيس الهارب فيظل يراكم سنوات السجن وهو في منفاه يشاهد التلفزيون والعدالة لا تجد السبيل إلى مقاضاة من شاركوه حكمه ويسّروا له سبُل الغواية والفساد وزيّنوا له عرش البلاد وأحكموا قبضة اليد على عنق الحرية والكرامة عقودا أناخت بكلكلها على أجساد الضحايا في السجون والمنافي وقيعان الزنازين.

هؤلاء الوزراء المستشارون أدانهم رئيسهم يوم أراد التفصي وقال فيهم كلمته الشهيرة “غلّطوني”، وهو ما يمكن اعتباره في تلك اللحظة اتهاما صريحا بالخيانة العظمى وسيكون مضحكا أن تصير الثورة طوق النجاة الذي امتدّ لهم في الوقت المناسب  والحال أن الشعب يريد من خلالها أن يحاسب الماضي محاسبة منصفة وشفافة عادلة قبل أن يـقطع رأسه نهائيا.

صحيح أن النظام الرئاسوي الذي أتاح لبن لعلي التحكم بالقهر في أرواح العباد وأموالهم وأن يفصل كسوة النفوذ على مقاسه الدكتاتوري لا على مقاس الجمهورية قائم على رغبات الفرد ونوازعه الذاتية أولا، ولكن جرجرة المؤسسات إلى التسليم بهذه السياسة الفاسدة والتكيف معها لا يقع على عاتق الفرد بل المجموعة، فتجاوزات بن علي كانت تصنعها أجهزة الحكم وكثير منها يحظى بمصادقة مجلسي النواب والمستشارين بلا تحفظ وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن “صبان الماء على اليدين” هو أخطر جريمة ينبغي أن يبتكر لها المشرّع  فصولا قانونية رادعة ليقطع الطريق أمام إمكان عودتها مجددا إلى ساحة الحكم في تونس.

——————-

الصدى 21-09-2011