لم تعد حليمة لعادتها القديمة فيما يخص تعامل البوليس مع المعتصمين
حليمة لم تفارق أبدا عادتها القديمة انـّما استراحت قليلا لتجمّع قواها. حليمة “مهبولة وزغرطولها في وذنها” لم تعد تميّز ما تفعل ولا لماذا تفعل أومن يفعل بها.

ليس المهم أن نكون مع أو ضد الاعتصام وأهدافه ومَن وراءه. يمكن أن يكون ذلك موضوع جدل سياسي لكن المهم هو أخذ موقف من العنف المسلـّط على المتظاهرين بصفة سلميّة لا غبار عليها. ان وزارةالدّاخليّة و أجهزتها أضاعت أكثر من فرصة للآعتذار عن ماضيها و بداية صفحة جديدة مع الشعب أساسها الاحترام المتبادل. انّ تونس لا تمرّ بمرحلة انتقاليّة حرجة فقط بل أصبحت عبارة على لوحة سُرياليّة يلزمها الكثير من آليّات التحليل النفسي والسلوكي لمحاولة فهم ما يحدث.

التناقض الحكومي

من المفروض أن الحكومة الانتقاليّة في مرحلة ثوريّة تسعى الى ردّ السلطة والاعتبار للشعب الثائر. وهي كذلك في خطابها وتسمية مؤسساتها الثوريّة الانتقاليّة لكنـّها في سلوكها تفعل عكس ذلك تماما. الخطاب السياسي الحكومي أجوف وغارق في العموميات. ستة أشهر مرّت على فرار المخلوع ولا نعرف من قتل وبأوامر من؟ القناصة اشاعة. ملفات الشهداْ أمام القضاء وملفات الفساد أمام اللجان المختصّة. الحكومة تنفي أنّها اقترضت رسميّا مليارات الدّولارات من دول الثمانية وفي نفس الوقت نكتشف مخططات تنمية من 2012 الى 2016. هل هذه الحكومة تستحق الثـقة؟ هل تدرك أنّ الثورة ليست اشتباكات عقب مباراة كرة قدم تهدأ النفوس بعدها لترجع حليمة لكرتها القديمة؟ لقد نعت الباجي قايد السبسي وزير الدّاخليّة السابق فرحات الرّاجحي بالغباء السياسي. طيّب أين هو الذكاء أو الدّهاء السياسي للحكومة الحاليّة؟ في التلكــّأ والالتفاف على المطالب. في سياسسة الدم البارد والرّيق البارد الذي تتبعها و الشارع مازال في حالة غليان. هل تريد هذه الحكومة أن تختبر مدى صبر الشعب عليها بمماطلته لعلّ وعسى يرضخ لعنفها و تهديديها ويعود الى بيته فرحا مسرورا تاركا أمر الشأن العام لمحترفي السياسة التي ألفناها في الربع القرن الأخير التي أثبتيت في الربع الساعة الأخير قبل رحيل المخلوع أنها كانت كذبة كبرى. هل تريد منــّا هذه الحكومة تصديق كذبة أخرى لأنها أحدث.

التناقض البوليسي

“ضربني وبكي سبقني و شكى” و”كف وبُرج بقلاوة” هذه هي عملة الجهاز البوليسي. بعد مظاهرات ونقابة وتصريحات تعد الشعب بالتزام الحياد ازاء تظاهراته السلميّة تنزل العصيّ على ظهور المتظاهرين والمارّين العابرين كمطر غسّالة النوادر لكن في عز الصيف. ويخرج علينا المسؤول ليصرّح أن تلك المعاملة قانونية بصفة أن المظاهرة لم تتحصّـل على ترخيص مسبق. ثم يخرج متحدّث باسم قوّات التدخـّل ليعتذرعن العنف المفرط و يقول انـّها تجاوزات فرديّة. هل هذه الوزارة و مصدر القرار فيها أفعى بٍاس أو رأسين و بسبعة رؤوس. هل هناك تطاحن ومعارك أجنحة بين الأجهزة تجعل القرارات والتصريحات في تلك الحالة السريالية من التذبذب والتناقض؟ الناس لا يصدّقون الا ما يرونه… لأن الخطابات و التصريحات لا قيمة لها. الواقع هو المحك والواقع اليوم هو أنّ دار لقمان بقيت على حالها بل أتعس. هل هناك خطـّة لجر البلاد لما لا يُحمد عقباه لتبرير تأجيل جديد للانتخابات بتعلّـة القوّة القاهرة. ان الاعتداء على المصلّيين داخل مسجد القصبة سابقة لم تحصل أبدا. فهل هناك نيّة في اخراج الغول القديم الذي استعمله بن علي زهاء ربع قرن للوصول الى السلطة والمكوث فيها. انّ البوليس السياسي لم يتعلّم ولم يألف ولم يُتقن الا تلك الأغنية .. الغول الذي يتربّص بنا. وكما يقولون:” عندما تكون الأداة الوحيدة التي لديك مطرقة فان كل المشاكل تتراءى لك في شكل مساميير”

هناك نخبة سياسية وفكريّة لا تروق لها ديمقراطية الأغلبية. هذه النخبةالأثينيّة لا تعترف الا بدمقراطيّة اقصائيّة تماما كما كانت الديمقراطية في اغورا أثينة تقصي النساء والعبيد ولا تخصّ الا ما يقارب 10 بالمائة من مجموع السكان. الأحزاب والنخب التي لم تكن مع القصبة 1 والقصبة 2 لن تكون بطبيعة رؤيتها للمشهد السياسي ومصالحها مع القصبة 3. هناك من الأحزاب الانتهازية من يرى زعمائها انفسهم على كراسي الرئاسة والوزارة ليمارسو نفس لعبة السياسة البنعليّة بأسماء جديدة. هم لم يفهموا الثورة ولم يساندوها من يومها الأوّل وارتموا في أحضان المخلوع في الربع الساعة الأخيروحسبوا أنفسهم مؤهلين لقيادة المرحلة المقبلة. أحزاب “الكسكروتات” لا تستطيع الا أن تكون ضدّ أي نفس ثوري. هي تريد قطف انجازات الثورة فقط لا الثورة ذاتها. فهي مع أكل الغلّـة و سب الملـّـة .. وقسْ عليها شرائح من المثقفين الذين لم نسمع لهم صوتا معارضا فيما مضى وشرائح من المسيّسين الذين لا همّ لهم سوى أن يكونوا ضدّ ذلك التيـــّــار أو ذلك الاتجاه. الرّائحة متعفــّنة … ليس في مملكة الدنمارك فحسب وانــّما في ممالك الانتهازيين الجدد الذين يعتقدون قباقيبهم تيجانا على رؤوسهم. يردون الحريّة التي لم يضحّوا من أجلها ويسبّون الثوؤيين الذين دفعوا دماءهم لأجلها. يريدون المناصاب و يُنفقون من المال القذر فقط لنرى وجوههم ونألفها كما نألف مواد التنظيف ولتذكـّرنا بالمخلوعين أجمعين. دم الشهداء لم يجف بعد و هم يقيمون مراقص الوليمة ليغنموا من لحم الشعب و لحم أبنائه. ان كانت تلك هي السياسة فتبّا لها