أقلام صديقة

تأملات في مجموعة عامر بوعزة الشعرية: مناخات الحلم والغضب وهوامش المدينة

معلقة إشهارية

معلقة إشهارية

أصدر الإعلامي عامر بوعزة مؤخرا كتابا شعريا عنوانه”غابة تتذكر حزنها” وقد ضم الكتاب جملة من القصائد التي شكلت فضاء لمناخات شعرية مختلفة رغم طابعها المنكسر…فنصوص عامر بوعزة التي جمعها في هذا العمل نصوص حزينة عموما تنهل من الحلم الرومنطيقي وتقتنص التعب اليومي من المدينة المعاصرة و تغمس غضبها في المدونة الشعرية العربية الرافضة…إنها قصائد نتبين فيها مناخات عديدة لعل أبرزها مناخ الحلم ومناخ الغضب الشعري ومناخ المدينة المعاصرة.

  • مناخ الحلم

يحاول الشاعر أن يكون رومنطيقيا حالما فينهل من الطبيعة وصورها الشعرية العميقة ويعود أحيانا إلى الطفولة وهي مرجع ذو صلة بالتجربة الرومنطيقية لما فيها من براءة وحلم شبيه بالحلم الرومنطيقي الصافي الذي لم تعكر صفوه الحياة لهذا نعثر على الكثير من المقاطع التي تحيلنا على صور الرومنطيقيين ومغامراتهم الحالمة وهذا ما يلوح لنا في بعض الأمثلة التي  نختار منها ما ورد في القصيدة الأولى التي حملت عنوان المجموعة حيث تحضر الأنهار والضحكة والمرايا

“عندما أتدفق كالنهر بين يديك

تذوبين في ضحكة

وتصيرين أحلى مرايا الحنين”

ص (مواصلة القراءة…)


سارق النار حارس الزهرة صوتُ المقاومة زمنَ الاستسلام

مع الشيخ إمام عيسى

مع الشيخ إمام عيسى

كم أعذرهم اليوم وأفهم أولئك الذين يفتتحون صباحاتهم بقراءة الجرائد بدايةً من صفحة الوفيات. يفتتحون صباحاتهم باستراق النظر من وراء تلك السطور الصغيرة ناحيةَ ذلك الثقب الغامض الذي يبتلع حبّات العنقود الواحدة تلو الأخرى، دون رأفة، ودون أن يُسْمَعَ صَوْتٌ لارتطامها بأيّ قاع….
*
أشهد أنّي تعلّمت هذه “العادة” منذ رحيلك يا شيخ. كنّا نرقص حولك وبك وفيك مثلما ترقص الفراشات مع الربيع. كنتَ الدليل الحيّ على أنّ الخطاف الوحيد يستطيع أن يصنع ربيعًا بحجم الكون، شرط أن يكون لهذا الخطاف اسمك. لا أدري لماذا أذكر الربيع كلّما ذكرتك، أنت الذي لم أسمع له صوتًا إلاّ وهو مضمّخ بحشرجة العمر في خريفه. كنّا أطفالاً ثمّ اشتدّ العود وذهب بنا الشباب مذاهب شتّى ونحن نستمع إليك وحدانًا وجماعاتٍ خفيةً ومتظاهرين…كنّا نضع شرائطك تحت معاطفنا حيث توضع الممنوعات كي لا تلتهمها العيون التي لا تنام، فإذا بَلَغْنَا مَأْمَنًا اختلينا “بك” مجتمعين خاشعين صاخبين في تلك الحلقات الحميمة الشبيهة بالصلوات…ثمّ خرجتَ من قفصك ورأيناك واختلفنا إليك ووضعنا أيدينا في يديك…وكنتَ بين هذا وذاك تتحدّانا بطفولتك ومرحك ودفئك وشبابك من أعلى سنواتك الستّين ثمّ السبعين…كنت أكثرنَا شبابًا أيّها الشيخ…أكثرَنا ربيعًا ودفاعًا عن الربيع فيما كانت أحلامنا تتجعّد داخلنا وتهرم وتشيخ…وها أنت إلى اليوم لم تَعْلُ أغانيكَ شعرةٌ بيضاء واحدة…فكيف استطعت أن ترتكب هذا الرحيل؟؟ وأنا…كيف هان عليك أن تتركني وحيدًا أو أكاد؟ كيف هان عليك أن توقظني من حلمي بلقائك قبل أن أصدّق أنّه حدث بالفعل؟ كيف استطعت أن تغافلني وترحل بعد أن صنعت منّي مدمنًا على فنّ نَفَقَتْ سُوقُهُ أو تكاد، فنّ يزوّج الجمال إلى الحريّة ويَجِدُّ بِلَعِبٍ ويجرؤ على الموقف ويأبى إلاّ أن يطير بجناحي المتعة والمعنى؟

ثمّ كيف استطعت أن تروّضني على أسوأ العادات: قراءة الجريدة بداية من صفحة الوفيات، خشية أن أُفْجَعَ في حبيب آخر، في حبّة أخرى من حبّات العنقود، تمامًا مثلما فُجِعْتُ فيك وأنا أقرأ جريدتي ذات صباح قبل ثمان سنوات…عزائي أنّك تولد أبدًا في كلّ أغنية من أغانيك، مع كلّ مريدٍ جديد يأخذه فنّك إلى “خلوتك” المفتوحة على شوارع الدنيا كلّها…فما أمكرك أيّها الشيخ…ثمّ ما أمكر الفنّ الصادق العظيم…ثمّ…
… ما أمْكَرَ المَيَّتِينْ
يَسْبِقونَ هُنَا أو هُناكْ
ويظلّونَ في مَوْتِهِمْ كامِنِينْ
خَلْفَ مُنْعَطَفٍ في دروب الهَلاكْ
يَرْقُبُونَ لِحِينْ
فإذا شَرَّدتْنَا القُرَى
أوْ رمتنا الشِباكْ
حَمَلُوا نَعْشَنَا
ومشوا في جَنازتنا ضاحِكينْ…  (مواصلة القراءة…)


في الردّ على عمر صحابو

خالد بوعزة

خالد بوعزة

بداية، أوّد أن أتوجه إليك بسؤال يحمل، حسب رأيي، أهمية جوهرية

سيدي الكريم، لقد اخترت كإسم لحركتك السياسية صفة الإصلاحيّة، و كأنك بهذا الإختيار تختزل حركة الإصلاح التي تستوجبها الحالة التونسية في تيارك السياسي دون غيره، فهل تفضيلي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية على حركتك الإصلاحية ينفي عني النَفَـسَ و الفكر الإصلاحي؟؟ أم أنّ اختياري لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية مثل ألاف التونسيات و التونسيين يعني أن منهجك “الإصلاحي” يحتاج إلى ضرورة التعديل و الإصلاح؟؟.

أعود الأن إلى مقالك لألفت انتباهك لبعض الحقائق، أراك ربّما غافلا أو متغافلا عنها بعض الشيئ، لأنك مزجت قليلا من الصواب مع كثير من الخطأ فجاء المقال في شكل خطأ كبير، ان افترضنا حسن النيّة، أما إذا افترضنا عكسها فيأتي المقال في شكل تغييّر للحقائق و تغطية لها، ربّما لغاية في نفس “صحابو”.

أول الحقائق المغلوطة جاءت في الأسطر الرابع و الخامس و السادس من مقالك، و التي شكلت مجتمعة الفقرة التي اخترت أن تلغي فيها جزءا من الشعب التونسي كان قد فوّض يوم 23 أكتوبر نوّابا عنه، وضع ثقته فيهم في عرس انتخابي مشهود، ليختاروا بدلا عنه القيادات الأجدر و يسنوا القرارات و التشريعات التي يرونها نافعة للبلاد و العباد، هؤلاء النواب المنتخبون بصفة مباشرة من الشعب قد يختاروا في الأيام القادمة أن يرشحوا الدكتور منصف المرزوقي لوظيفة رئيس الجمهورية و بالتالي يصبح الدكتور حاصلا على ثقة أغلبيّة الناخبين لأنه حاز على ثقة النواب المفوضين عنهم لإختيار قيادات البلاد في هذه المرحلة  التأسيسية الهامة من تاريخ تونس، و يبدو لي، أنّ هذه الحقيقة مؤلمة جدّا بالنسبة لك لهذا أراك تتغافل عنها بقولك الموجه للرئيس المرتقب، في السطر الرابع من المقال (  لا تنس أولا أنك لم تنتخب مباشرة من الشعب لوظيفة رئيس الجمهورية) في محاولة يائسة لإلغاء شرعية الرئيس القادم بزعم أنه غير منتخب من الشعب لهذه الوظيفة رغم أنه قد ينتخب من طرف نوّاب شرعيين مفوضين بصفة مباشرة من الشعب، و بالتالي، فإن قولك اما يلغي الجزء الذي انتخب هؤلاء النواب و لا يعتبره من الشعب، و اما يبطّن أن هؤلاء النواب خانوا ثقة ناخبيهم و تجاوزوا التفويض الموكل إليهم بإمكانية إنتخابهم منصف المرزوقي رئيسا و هذا غير صحيح و إن كان صحيحا لإحتج الناخبون عندما خرجت هذه التسريبات كما فعلوا في الأيام التي سرّب فيها إسم الباجي قائد السبسي كمرشح للرئاسة.

أما السطرين الخامس و السادس و فيهما قولك ( فاعتلاؤك هذا المنصب الأول في البلاد جاء بمحض ارادة حزب سياسي – النهضة- و ليس

عمر صحابو

عمر صحابو

بمحض ارادة التونسيات و التونسيين)، هذان السطران يؤكدان خطأ ما تورده من ” حقائق” لا تراها إلاّ أنت أو من يشابهك في التفكير، و يثيران الشكوك في عقليتّك الإصلاحية التي تدعيها لما فيهما من تطرّف واضح و نزعة استئصالية جليّة، فيا سيدي الكريم، حزب حركة النهضة حزب سياسي تونسي، منخرطوه كما قياداته تونسيات و تونسيون عانوا الويلات و القهر و الإقصاء و التهجير و المطاردة في العهد السابق، و هذا الحزب يعكس ارادة قسم كبير من التونسيات و التونسيين و لهذا انتخبوه، و من الطبيعي أنّ من يحصل على ارادة هذا الحزب لترشيحه للرئاسة يكون حاصلا بصفة تلقائية على ارادة منخرطيه ، و قولك الذي فيه ما فيه من نفي لتونسية هذا الحزب و منخرطيه غارق في التطرّف لدرجة تجعلني أتساءل: هل أنت فعلا اصلاحي كما تدعي، أم أنك متطرف علماني استئصالي لمن يخالفك ايديولوجيا؟ و هل أن حركة النهضة حزب فرنسي لا يمثّل جزءا من مكونات المشهد السياسي التونسي، أم أن هذا الحزب و منتسبيه ليسوا تونسيين أصلا لهذا استعملت عبارة – ليس بمحض التونسيات و التونسيين ؟ و هل قمت بإستفتاء شعبي أفضت نتائجه إلى أن العشرة ملايين تونسي لا يريدون المرزوقي رئيسا لهذا وصلت الى النتيجة التي أوردتها في عبارتك أن سيكون رئيسا دون ارادة التونسيات و التونسيين؟؟ ربّمـا (مواصلة القراءة…)


الإعلام يعود إلى قفص الاتهام

إضاءة

بعد التصريح بالنتائج الأولية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي اتّجهت أنظار المحللين السياسيين إلى ما سيؤول إليه الوضع على الميدان فقد تمكن حزب حركة النهضة من الحصول على نسبة هامة من الأصوات تخوّل له قيادة التحالفات السياسية الممكنة والاضطلاع

عبد العزيز المزوغي

بدور كبير في المرحلة الانتقالية الثانية التي ستشهد صياغة الدستور الجديد.

وفي الوقت الذي كان يُنتظر أن يتّجه فيه من لم يمنحهم المقترعون أصواتا تكفي للمشاركة في المجلس الـتأسيسي إلى النقد الذاتي أصبح التخوّفُ مما اصطلح على تسميته “وصول الإسلاميـين إلى الحكم” السِّمةَ البارزة في كتابات بعض المحللين الذين يُـشيعون حالة امتعاض تتناقض تماما مع الملامح الإيجابية للتجربة الديمقراطية في تونس، من ذلك ما جاء بقلم السيد عبد العزيز المزوغي في خاتمة تحليله الصادر في جريدة المغرب بتاريخ 2 نوفمبر 2011 تحت عنوان “من النهضة إلى النهضة” قوله:

“إن انتخابات 23 أكتوبر ومهما يكن من أمر دخلت طيّ التاريخ وأفرزت واقعا سياسيا جديدا يبعث على التشاؤم في بعض مظاهره خاصة في ميدان الإعلام الذي أصبح يتيما لما فقد بن علي فأصبح يطبل للثورة وها هو اليوم يتبارى ليمتاز بثقة الحكام الجدد وفي هذا خطر جسيم على التعددية والديمقراطية”.

تفاعلا مع هذه الخاتمة الكافكاوية تتطلّع المقاربة التالية إلى إضاءة بعض العناصر المتّصلة بوضع الإعلام في تونس قبل الثورة وبعدها.

————– (مواصلة القراءة…)


إذاعة المنستير من دكتاتورية لأخرى

الشيخ منور المدني

بالأمس كانت اذاعة المنستير تسمى “عروس البحر” بما تحمله هذه التسمية من عمق البحر واتساعه وجمال العروس وانطلاقتها نحو الاحلام..، واليوم تغير شعارها الى “الصوت الحر” لتنكتم فيها الأصوات وتقبر الكفاءات وتقصى سواء من بداخلها أو من المتعاونين الخارجيين.

بالأمس كان إشعاعها متميزا واليوم سبقها غيرها تألقا وإشعاعا واستقطابا لتتخذ أدنى المراتب في إحصاءات المحصين وفي آذان المستمعين.

بالأمس أدارها اهل الاعلام المختصون، أجيالا وأجيالا من الرجال المتمرسين العارفين بخصوصيات الإعلام رغم الهزات والضغوطات من بورقيبة الى بن علي..، واليوم – بعد الثورة على الموروث المقيت- يديرها مؤقتا من اختصاصه الآداب والعلوم الانسانية، وكان الظن أن تسير الامور في هذه الاذاعة سيرا طبيعيا مواكبا لمتطلبات المرحلة الثورية بطاقاتها الذاتية بعد ان تخطت بنجاح وتميز الايام العصيبة الاولى رغم ما أحدثته الثورة بعنصر المفاجأة وعدم تمرس اهل الاذاعة بهذه المستجدات المتسارعة والمذهلة والصادمة دون ان تكون آنذاك في حاجة الى مدير اذ تواصل تسييرها بتألق دون ادارة مباشرة لأسابيع، لكن حين جيء بالمدير الجديد المؤقت الدكتور جميل بن علي أستاذِ اللغة والآداب العربية كانت التطلعات مشرئبة نحو طفرة نوعية وقفزة إعلامية تحققها “عروس البحر“- بعد أن كانت ككل وسائل الإعلام التونسية لا تمثل سوى النظام الحاكم ولا تعكس سوى ما يريده, الأمر الذي جعل الإعلام عموما يمر بأزمة حقيقية تمثلت بفقدانه الدور المؤثر في صناعة الرأي العام إضافة إلى ضعف التأثير على المتلقي… فتوجه هذا المتلقي وخاصة الشباب إلى وسائط أخرى أكثر حداثة واجتماعية وأكثر قدرة على تلبية طموحاته، وفي نفس الوقت أكثر قدرة على المرور من بين يدي الرقيب السياسي- وخاب الظن وانهارت التطلعات وهي ترى الاذاعة الجهوية بالمنستير بدل ان تنتقل من دكتاتورية الماضي وتتخلص من براثن اللوبي الاعلامي الذي جثم على صدرها وبقية المؤسسات الاعلامية لسنوات تقع في دكتاتورية جديدة لا تختلف كثيرا عن دكتاتورية الماضي القريب..، هذه الدكتاتورية تلتمس من خلال الحقائق التالية: (مواصلة القراءة…)


كان طفلا اسمه سفيان الشعري

سفيان الشعري

بالكثير من الارتباك أكتب بطاقة اليوم… فأنا لست متمكنة من لغة الرثاء والنعي، خاصة عندما تتعلق بطفل اسمه… سفيان الشعري…

عندما علمت بخبر رحيله بعد دقائق فقط من موته المفاجىء، رحت أسأل أصدقائي “متأكدين انو اللي مات سفيان الشعري؟” لعلكم أخطأتم العنوان، فالرجل بخير، التقيته قبل ليلة من سفره الأخير، كان مفعما بالحياة… كعادته… كان متوهجا… كعادته… كان رقيقا، عفويا، يبتسم حتى هو يتحدث عمن ظلمه ويريد أن يجهض أحلامه الكبيرة…؟؟ هل مات سفيان؟ كيف مات؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟؟ ألم يقل إنه في العيد سيذهب إلى مكتب المنتج “عبد العزيز بن ملوكة؟… ألم يحلم بأن يسافر مع فيلم “ديما براندو” إلى مهرجاني تورينتو”، و”أبو ظبي”؟؟ كيف يختفي طفل في نقاء سفيان الشعري؟ كيف تنتهي ابتسامة تجدد فينا كل يوم الطاقة للاستمرار؟؟

لي قصة طويلة مع الموت… انطلقت عندما رحل توأمي “شكري”… كان سفره هو أيضا مباغت… ولكنه مازال يعيش في… أشعر بأنفاسه… يزورني في أحلامي كلما ضاقت بي الحياة… يخفف عني بابتسامته ظلم الأحبة…

مر عقد من الزمن على موت شقيقي “شكري”، ومازالت تفاصيل ذلك اليوم الربيعي محفورة في قلبي… ومنذ ذلك اليوم صرت أخشى أن يكون الموت حاجزا بيني وبين من أحبهم… لا أخشى على نفسي من الموت، ولكنني أخاف أن يحرمني ممن أحبهم…

ولما جاءني خبر رحيل “سفيان الشعري” احترقت بكاء… قضيت ليلة صعبة… وارتبكت أمام قلمي… تعثرت لغتي، ووجدتني جنديا في قلب المعركة منزوعة السلاح… والمعركة هذه المرة خاسرة، لأن الموت هو الخصم فيها… (مواصلة القراءة…)


من بلد “الفرح الدّائم” الى بلد الفرح الممكن

الثورة مخاض وولادة الجديد من رحم القديم.

وككل ولادة هناك نصيب من الألم و الفرح والخوف والاكتئاب.

هذه المقالة هي محاولة لفهم و تجاوز حالة الاحباط التي تعترينا ما بعد الثورة والبحث عن منفذ مضيء للمستقبل الممكن.

  • خمس وخمسون سنة من الكذب:

من شعار” فرحة الحياة” البورقيبي الى شعار “بلد الفرح الدّائم” للمخلوع لم يجني الشعب التونسي الا الخيبات و الأحزان. وكما يقول الشاعرمنوّر صمادح الذي مات بخيبته “شيئان في بلدي قد خيّبا أملي .. الصدق في القول والاخلاصُ في العملِ”. لنعترف الآن اذا أنــّه كُذب علينا مرارا وتكرارا وأنـّنا لطيبتنا أو غفلتنا قد صدّقنا واقتتنا بهذه الأكاذيب المخدّرة وربّما باهينا بها بين الأمم ضانين انّنا بصدد الخروج من بوتقةالعالم المتخلف. نصحو من اثر ثورة أدركنا فيها مثلا أن نسبة العيش تحت خط الفقر الحقيقيّة هي 25 بالمائة وليست 4 بالمائة كما رُوّج لها . وبالتالي أن 80 بالمائة من التونسيين هم من الطبقة الوسطى التي تمتلك مسكنها هي حسابيّا كذبة أخرى وقس على ذلك نسبة العاطلين عن العمل. وحدّث ولاحرج عن نتائج الانتخابات، ونسبة النمو الاقتصادي وكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المغشوشة.

قد يكون من طباع التونسي انــّه يفضـل حلاوة الوهم على مرارة الواقع من باب “قل لي اللـّي نحبّْ .. حتــّى بالكذبْ” لكن جرس الاستفاقة قد دق. من حق التونسي أن يكون سعيدا في حياته وبحياته أوّلا لأن تونس بلد في غاية الجمال ولاأقول هذا لأنني تونسي بل لانني طوّفت كثيرا أو قليلا من بلاد العالم لأرى و أستتنتج ان جمال الطبيعة والضوء الذي حبتنا بهما الطبيعة نادريْ الوجود. يبقى ان الانسان لا يعيش بالمناظر الجميلة والخبز فقط بل يلزمه الكثير من الكرامة. لقد ثار التونسيّن لأنهم أرادو أن يمارسو حقهم الطبيعي في أن يكونوا تونسيين بمعنى انّ هذا البلد الجميل ملك للجميع ومن حق الجميع أن يأخذو نصيبهم منه. فعندما وصل سيل الانتهازية و السرقة والاهانة الزبى … قال التونسيون لا…  وتقيؤوا الورم الخبيث.

  • الدكتاتوريّة لا تعرف الضحك

هل رأيتم أو سمعتم بشعب عاش سعيدا في ظل حكم دكتاتوري؟ أنا لم أر ولم أسمع. ان طبيعة الدكتاتورية هي المراقبة والحجـْر. فلا عجب اذن أن ضمرت في تونس كل فنون الضحك والسخرية. ففن الكاريكاتور مثلا في تونس باهت بلا رائحة او مذاق. وفن الغناء الهزلي والساخر مات مع موت صالح الخميسي اي سنوات قليلة قبل بداية الدكتاتورية البورقيبية باغتيال صالح بن يوسف و منع الأحزاب. الأدب الساخر يكاد يكون معدوم الوجود. بقي المجال “للفوكاهجيّة” وثيمتهم الأبديّة عن البدويّ في المدينة… خمسون عاما من اجترار نفس الموضوع بتنويعات. كأنه من أجل أن يضحك يجب على التونسي أن يستهزأ من لهجة وتصرفات و عقليّة تونسي آخر أسفل منه في سلـّم القفز. “قفز يقفز فهو قافز”. ان حرمان التونسي من حقه في الفرح وفي الضحك وتضييق مواضيع ضحكه أدّت الى أزمة نفسيّة وسلوكيّة. فصرنا “نعيش في بلاد كل مافيها يسير بفورة الغضب” كما يقول الراحل محمود درويش. لم يكن ممكنا لهذا الوضع أن يستمر لأنه لا يمكن أن تمنع شعبا من الفرح والضحك. وخبث الدكتاتوريةالتونسية يكمن في أنـّها قتلت الكثير من الأحلام الجميلة بمسميات تلك الأحلام نفسها… فقتلت الديمقراطية و حقوق الانسان باسم  الديمقراطية و حقوق الانسان  كما قـُتل الفرح باسم الفرح الدّائم. “ابتسم انك في تونس” تقول لك يافطة اشهارية وأنت تنزل مطار تونس قرطاج … تم يعترضك الشرطي ثم الدّيواني ثم حمّال البضائع ووجوههم مُكـمـّشة كَـكـِرْشة البقـّـاري المُعلـّـقة عند جزار الحومة. ويريدوننا أن نبتسم… وأثاث المطارملوّن  بنفس ذلك اللون الأزرق البوليسي الذي نجده في مراكز الشرطة.

  • أيّ فرح ممكن؟

انـّه من حق التونسي أن يكون سعيدا هنا، الآن، على هاته الأرض التي ما زال فيها ما يستحق الحياة من أجله. لكن هناك مفاتيح لهذا الفرح الممكن والتي لا يمكن تصوّر أيّ احتمال للسعادة بدونها: الحريّة، الكرامة، المساوات والحق في تقاسم ثروات البلد. فتونس للتونسيين جميعا ولا حق لفئة اقتصادية أو اجتماعيّة أو سياسية أو دينيّة أن تستأثر بها مرّة أخرى. ان الثورة المضادّة واقع و ليس وهما. ان القوى الخفيّة الخبيثة التي تحرّك الخيوط لاحباط معنويّات التونسيين والتقليل من قيمة انجازهم ستضع ما لديها من أجل ذلك لأنـّها الخاسر الأكبر من جرّاء ثورة هدفها الوحيد اعادة البلاد لأهلها. أملنا أن التونسي الصبور بطبعه لن ينجرّ للخوف والاحباط وهو الذي صبر ربع قرن على حاكم جاهل، عديم الفهم والذوق علاوة على خساسته الاجراميّة. الفرح القادم ممكن لكن يجب العمل من أجله… لن ينزل من السماء.. هو هنا يتنظر ارادتنا لكي يتحقق .. جيلا بعد جيل. فلا تكونة متفائلين بغباوة .. ولا متشائمين بسلبيّة بل لنكن شعبا اراديّا.. لأننا شعب ارادة الحياة


محمد شكري والسياسة : آه من اللماظة أيها الريفي.

رغم أنني لست محللا سياسيا فان ما حدث هو نتيجة غطرسة السياسة الأمريكية“.

خالد الكريشي

خالد الكريشي

هذه الكلمات هي للكاتب العربي محمد شكري الذي ملأ الدنيا وشغل الكتاب والنقاد ورجال الرقابة وقد مرت سنة كاملة على مفارقة الحياة قالها أثناء لقاء جمعه بالكاتب محمود معروف والصحافي عبد الصمد بن شريف بفندق ” ريتز” بطنجة مساء 11 سبتمبر 2001 مع انهيار برجي التجارة العالمي وضرب مقر البنتاغون تكاد تكون هذه المرة الوحيدة التي أدلى فيها محمد شكري بدلوه في حدث سياسي معين وبمثل هذه الصراحة هل دفعه إلى ذلك عظمة الحدث أم أن المتحدث هو محمد شكري الإنسان وليس محمد شكري / الرواية قد يكون من الصعب التفرقة بينهما لان جل أعمال محمد شكري الروائية تدور حول محمد شكري الإنسان تذكره فتذكر سيرته الذاتية المروية في ثلاثة أجزاء : الخبز الحافي ( الدار البيضاء 1983) الشطار ( الدار البيضاء 1992) ثم وجوه ( بيروت 2000) تلك السيرة الذاتية التي صنع منها ملحمة منقوشة على صفحات الأدب العربي خصوصا والعالمي عموما وصنعت منه كاتبا عالميا بعد أن كان لا يطمح بغير لقب كاتب مغربي ببناءه صرح الكتابة لم يكن يعلم انه يضع اللبنة الاولى لتيار جديد في الأدب لم يعلم ولم يدع انه يؤسس للواقعية القذزة في الأدب العربي (1) رجل استثنائي في زمن الأحداث العادية الباهتة انطلق من عالم القاع إلى عالم القمة وغادر الهامش على المتن متكئا على إرادة قوية وعزيمة صلبة محدثا رجة في المشهد الأدبي العربي بالوثه المحرم والمقدس : الدين , الجنس والسياسة لم يكتب كتابات جنسية من اجل الإغراء الجنس لديه شهوة الموت المنبثة في أعماق الدم احتجاجا على الفساد الخارجي على حد تعبير حيدر حيدر في روايته” وليمة لأعشاب البحر ( نشيد الموت) انه جنس احتجاجي مقزز وبائس ومن تطويع جسده والجسد الأنثوي إلى تطويع اللغة رفض اسر المراة فاسترته اللغة الم تكن اللغة انثى الى ان وصل للذة النص التي بحث عنها رولان بارت طويلا وهو الذي يتهم الفلسفات والاتجاهات السياسية باهمال اللذة/ المتعة واعتبارها من سقط المتاع ” فالحقيقة الجسدية ضرورية للذة النص “.

كانت الكتابة لديه جسد مغر اخاذ يتقد القا يجد فيه كل عشاقه وعلى تعدد ثقافاتهم واختلاف مستواياتهم الثقافية ما يرغبون وكان يتصور نفسه احيانا حرفا كبيرا او قلما فلم يكن قلمه غير حجرة كبيرة القى بها في مستنقع مياهنا الراكدة خلخلت المفاهيم السائدة فبان المستور وكشفت واقعنا بدون روتوش وبدون تزويق وتنميق مسكون بهاجس نقل الواقع كما هو بلغة صريحة جدا وجمل مجردة من الزخرفة فبزغت روح التمرد لديه وتاججت حتى تلمس عالم السرد غادر الامية الخطية وأشرارها وفك طلاسم اللغة واسرارها في نهاية عقده الثاني وهو الصعلوك الجائع يقاسم القطط مزابلها والفقير المعدم رفيق البغايا والوطيين والسكار والمهمشين هو الليلي استاذ الكثير من العامة والغوغاء انه مزيود هيرقليطس – معلم  الكثيرين الذي لم يكن يعرف الليل والنهار ذلك انهما شيئ واحد او هو خفاش الوهابي – سنته النهار وفتواه الليل متى لامس محمد شكري الضوء في اخر النفق المظلم. (مواصلة القراءة…)


بين المطرقة والسندان

عامر بوعزة

عامر بوعزة

شرّفني صديقي الروائي حسن بن عثمان بذكري خلال الحوار الذي أجرته معه الصريح، والذي تطرق فيه إلى مرحلة كُـنّا فيها معا في قناة تونس 7 خلال فترة تولّي السيد عبد الله عمامي الإدارة العامة للقنوات التلفزية، وقد لفت نظري حرصُه على عدم الوقوع في فخّ السؤال وعدم الانسياق بذكاء وراء شهوة الاعتراف والتداعي للتفريط في وقائع وأحداث لم يحِنِ الوقتُ بعد للخوض فيها وعرضها على أنظار العموم.

إنّ الترفع في هذه المرحلة بالذات عن ذكر مسائل هي من الماضي،  والاتجاه قدما إلى الغد بدل الهرولة إلى البارحة وما فيها من أحداث غير مكشوفة لعامة الناس، هو بمثابة الواجب الذي يمليه علينا إحساسُنا بأنّ الثورة الشعبية لم تنته بعد ولم تبلغ مداها، ولن نستسلم حتما وبسرعة إلى التقاعد الفكري المُبكر والبطالة الإبداعية، وننزوي كما يُـرادُ لنا في ركن قصي لاجترار ذكرياتٍ قد لا تهمُّ أحدا بدلَ الانخراط في صياغة أجندا المستقبل وتصوّر مختلف أبعاد المرحلة.

ولا شكّ أن مراجعة ما شهدته سنوات حكم “بن علي” من مدّ وجزر بين شتى المتناقضات، هو من مشمولات الدارسين والمؤرخين والباحثين المتخصصين الذين تقع بين أيديهم وثائقُ ونصوصٌ تخوّل لهم بحق فرزَ الصالح من الطالح والحابل من النابل، ولن يُجديَ نفعا اجتزاءُ كلام حسن بن عثمان واقتطاعُه من السياق للاستدلال على وجود علاقة ما بيننا أنا وهو وآخرين والسيد عبد الوهاب عبد الله الذي كان كثيرٌ ممن أعرفهم يقضون ساعات طوال واقفين بطريقة مضحكة في ردهات لجان التنسيق للظفر بنظرة منه أو مصافحة عابرة لما كان له من تأثير في قرارات التعيـين والعزل في مؤسسات الإعلام. (مواصلة القراءة…)


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress