Tag: الإعلام

عَلمتَ شيئًا وغابتْ عنكَ أشياءُ

حنبعلاهتمت إذاعة البي بي سي بخبر العثور في المهدية على جرة من العهد الفينيقي وُجد بداخلها هيكل عظمي، وخصصت جانبا من برنامجها اليومي بي بي سي اكسترا يوم الرابع من أغسطس لإلقاء مزيد من الضوء على هذا الحدث الهام والتوسّع فيه، لكنها اقتصرت على دعوة مراسلها في تونس لمحاورته ولم تستضف للغرض باحثا مختصّا من علماء التاريخ أو الآثار.

قد يكون هذا الأمر عاديا لو اقتصر الحوار على الجانب الخبري وهو ما يفي فيه المراسلون بالغرض عادة، لكن المذيع في لندن استرسل في الحوار وتجاوزَ بالمراسل حدود الإخبار إلى الاستقراء والتأويل وهي منطقة محفوفة بالمخاطر، فسأله إن كان العثورُ بمحض الصدفة على هكذا قطعة يعني أن الدولة مقصرة في القيام بالحفريات اللازمة؟، ولمّا كان مثل هذا السؤال فخّا يتطلب قدرة على المناورة أرهفنا السّمع لنصغي بانتباه إلى الطريقة التي سيتوخاها الزميل في تفنيد هذا الاستنتاج ونستفيد من قدرته على تجاوز السؤال المفخخ دون إحراج السائل، إذ العثور على الكنوز الأثرية بمحض الصدفة عادة ما يكون منطلقا لحفريات جديدة في مناطق غير متوقعة ولا يعني أبدا تقصيرا المؤسسات. ومن ثمة لا توجد منطقيا علاقة سببية مباشرة بين الخبر والاستنتاج، لكن المراسل لم يُكذِّب، بل استرسل في شرح مظاهر التقصير في التنقيب عن الآثار ورعاية التاريخ في بلاده!إذاعة بي بي سي

لا شكّ أن المذيع قد طرح سؤاله ذاك وهو تحت تأثير الضجيج الصادر عن تونس وهي تعيش في الغليان، فلا أحد يعجبه شيء هنا مطلقا، وتنتشر شظايا هذا التذمر الوطني حتما عبر أدوات التواصل الاجتماعي الالكتروني الذي جعل العالم أرضا مسطّحة، لكنْ عجبًا من ذاكرةِ الزميل وقد اعتراها الوهنُ، وأيُّ وهنٍ هو، سيّما وقد تعلّق الأمر بأحداث وقعت في السابق، قبل سقوط النظام. وقد كنا نودّ لو تفضّل بالإشارة ولو لمامًا إلى مشروع الخارطة الوطنية للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية الذي انطلق العمل فيه وفق قانون وضع منذ بداية تسعينات القرن الماضي ويشهد بوضوح على أن جهد المعهد الوطني للتراث في هذا الصدد يشمل مختلف بقاع الجمهورية ولا يُميّز جهة عن أخرى كما ادّعى الزميل في ردّه على السؤال.

لكم نتمنى أن يكون هذا مجرّد خطأ في التقدير، فالزميل ثامر الزغلامي علاوة على خطته الوظيفية في الإذاعة التونسية يراسل بانتظام إذاعة البي بي سي في لندن وراديو مونت كارلو في باريس، ويفترض فيمن يتصدّى لهذه المهام الصعبة في آن معا أن يتوفّر على قدرات خارقة. أما أن يكون خطأ فذلك أفضلُ طبعا من أن يكون عزفا على وتر الخراب وتبنيا لنظرية العدم التي لا يعترفُ أصحابها بأي شيء إيجابي تحقق قبل مجيئهم إلى ساحة الحكم بعد الرابع عشر من جانفي، وهي رذيلة أخرى نُنزّهُ الزميل من أنْ يكون قد وقع فيها أيضا.


عندما يتحدّث نهر النيل

حمدي قنديل

حمدي قنديل

بقامته الفارعة وهدوئه الأخاذ، ومن وراء دخان سجائره المتواضعة ونظرته الخضراء الحادّة يحدثك حمدي قنديل، يأسرك هذا الرجل القادم من أعماق تجربته إلى المستقبل الواعد مشدودا بخيط الأمل والتفاؤل. حكايته بسيطة متواضعة بلا نتوءات أو تضاريس، حكاية طفل اكتشف العالم من بين سطور الجريدة التي كان يحملها والده إلى البيت كل مساء، ثم فكر في تغييره عندما اجتـذبته أضواء الاشتراكية وأحلامها الثورية وهو يتأمل باندهاش وذهول جاره الذي كان يلوح ويختفي ذهابا وإيابا إلى المعتقـل.

“فتنني جارنا لطفي فطين بفكرة العدالة الاجتماعية التي تنهض عليها الإيديولوجيا اليسارية ولكن أبي نبهني برفق إلى أن العدالة الاجتماعية موجودة في الإسلام، واستدرجني إلى الانخراط في جمعية الشبان المسلمين فوجدت في الدين منبعا من المنابع التي يمكن أن أستقي منها مبادئ أحدّد في ضوئها اتجاهي”، يصمت حمدي قنديل قليلا وهو يرشق نظرته في الحقول الخضراء الممتدة حتى قدمي بوقرنين والسحب التي تهاجم ذلك المساء الصيفي الرطب، يلقي سيجارته أرضا ويركب السيارة التي تقله من المنستير إلى تونس وهو يقول: أظن أنني حافظت طيلة حياتي الماضية وحتى الآن على خيط يربط بين اليسار والدين ولا أعتقد أنْ  ثمة تناقض بينهما.

في القاهرة، في الربع ساعة الأخير قبل ثورة الضباط الأحرار تطور وعيه السياسي في المنتديات الثقافية وبتأثير لا ينكره لكتابات أحمد بهاء الدين عليه، تلك التي تتحدث عن الامبريالية وتفضح أساليبها المُـضمرة في مختلف أشكال الدعم الاقتصادي لدول العالم الثالث، وهو يتذكر إلى الآن رغم مضي أكثر من نصف قرن كتابه “النقطة الرابعة تعني الحرب”. (مواصلة القراءة…)


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress