البِلّ تِــمْشي على كْــبَارها

أكيهيتو امبراطور اليابان

امبراطور اليابان أكيهيتو

الامبراطور الياباني أكيهيتو رقد قام عمل تصريح تلفزي قال فيه اللي هو خايف تمنعو شيخوختو من القيام بمهام الامبراطور!

الراجل عمرو اثنين  وثمانين سنة فقط يعني مازال في مقتبل العمر، والامبراطور في الدستور الياباني هو رمز الدولة ووحدة الشعب  بينما الحاكم الفعلي هو رئيس الوزراء  يعني الامبراطور كيف الزير المتكي لا يضحّك لا يبكّي، وهذاك علاه طلع يتكلّم وهو قاعد قدام طاولة فارغة تقول في مركز أمن يبحث، ويلمّح اللّي هو يحب يخلّي لبلاصة لغيرو.
اينعم، امبراطور يلمّح تلميح وما ينجّمش يهبّط دمعتين ويقول: “خوذو المناصب والمكاسب بس خلّولي الوطن”! ما ينجّمش على خاطرو امبراطور موش دكتاتور، حسب الدّستور ممنوع عليه يغيّر أيّ شيْ في سياسة البْلاد.
يقول القايل: يتراجع الدستور!  لا سيدي خويا هنا تغلط، دستور اليابان موش كيف دستور البانان، ما تنجّمش تغيّرو لأنّو يسمّيوه “دستور السّلام”، الناس هاذم متليّعين م الحرب اللي دفْعو سومْها غالي، وفي خمسين سنة تجاوزو آثار القنابل الذرية وبناو حضارة جديدة، وهرْبو بينا سنينْ لقدّام.

(أكمل القراءة…)




تشكيل حكومة جديدة: بَالَة فْريبْ تْحَـلِّتْ!

يوسف الشاهد

يوسف الشاهد

البلاد سوق ودلال من وقت اللي تمّ تكليف يوسف الشاهد بتكوين حكومة جديدة، البعض يقول ميركاتو، ويشبه تنقلات الوزرة بين المناصب بتنقلات اللاعبين المحترفين بين الفرق/ لكن أنا نرى اللي هو كيف سوق الجمعة ، سوق الفريب!
الدستور يعطي لأي رئيس حكومة جديد مهلة شهر حتى يقدم أعضاء حكومتو ويعرض برنامجو أمام البرلمان للحصول على ثقة النواب، وهاك الشهر هذاك هو اللي يخرج فيه التونسي القرينتة اللي فيه، تقول بالة متع فريب تحلّت:
قبل ما يدخل الشاهد لدار الضيافة في قرطاج ويبدا مشاوراتو خرجت قائمة الحكومة الجديدة وبدات تدور ع الفايسبوك، وبالطبيعة المشكلة ما هياش في اللي كتب القايمة بل في الناس اللي صدقتها وبدات تنشر فيها وكأنها حقيقة، إذن نلقاو في البالة برشة غباء وسذاجة وأمية سياسية.


(أكمل القراءة…)




في ذكرى محمود درويش: هل نقول وداعا؟

محمود درويش

محمود درويش

فاجأنا المتنبي برحيله ثانيةً، ترجّل فارسُ الشعر العربي عن صهوة حصانه الذي كان مصنوعا من الريح ليتوارى في البياض.

 في مشهد تراجيدي قاسٍ على الضّمير العربي عاد الشاعرُ ملفوفا في العلم الفلسطيني ليُوارَى الترابَ هناك غير بعيدٍ عن القدس في المقاطعةِ حيث ينام ياسر عرفات والشهداءُ الذين ينتظرون قيامةَ العودة.

عاشقٌ من فلسطين يقف الآن مع المنتظرين في المعابر الـهُلامية الكائنة في التقاطع ما بين ذاكرتين: ذاكرةِ الأرض وذاكرةِ الشعر، محمود درويش العلامةُ والرمز سنديانةٌ خضراءُ في صحراء الوجدان العربي القاتمة حيث تعوي الرياحُ وتتبدّد النبوءات.

جرّب الموت مرتين، فارتفع من فوق سريره في خفة الكائن التي لا تُحتمل، ورأى في غرفة العمليات جسدَه المشدودَ إلى سقف الرغبة الأولى لكنه عاد هذه المرّة إلى الموت كمن يفي بوعد سابق، كأنَّ موته لم يكن فرضيةً قائمةً أو احتمالا ممكنا فنحن لم نستعدّ كما ينبغي للفطام ولتجربة اليُـتْم اللغوي، لم نتهيّأ للغياب والفراغ والحنين، فقد كان محمود درويش حتى اللحظة الأخيرة المرادف اللغوي لفلسطين والورقة الأكثر أهمية في معادلة التوازن الاستراتيجي بين الخسارات الكثيرة والربح القليل.

على امتداد ستين عاما من الهجرة والحب والحرب والبحر والذكريات كانت كل زيتونة من أرض كنعان القديمة تمدّ جذورها في كتاب الشعر العربي فتُلقي ظلالها الحزينة في قلب كل منفيّ، وكان الشاعر يصطاد اللحظة من سياقها العابر ليراكم في منفاه الروحي صُوَرا من فلسطين.

محمود درويش، العصيّ على الغياب، علّمنا أن الشعر ممكنٌ في زمن المستحيل وأن بَـهاء البلاغة قد صار ضرورة لتقوى جدرانُ البيت المهدّم على الانتظار، ولذا فنحن ندرك اليوم أن موته كان حاضرا بقوّة فيه وأن حضوره البهيّ الشجيّ في قلب كل مواطن عربي إنما قد كان على مدى أعوامنا الماضية حبل المشيمة اللغوي الذي يشدّنا إلى الجمال.

الحب الأسطوري الذي صنعته فلسطين من حولنا كان يعبّر عنه محمود درويش بالشفافة ذاتها تلك التي تمنح اللغة قدرتها على مخاتلة الزمن، لكنّ محمود درويش كانَ أكثر سخاء منّا وقد منحنا شعرا ووردا وفراشات وتفاصيل صغيرة تكفي لجعلنا نصغي برهافة أكثر إلى دفق الحياة وإيقاعها.

.

—————————-
النص النثري من كتاب نظرية الموز (دار البدوي للنشر تونس2016) وهو في الأصل مقدمة العدد الخاص من برنامج سفر على سفر الذي قدّمته في وفاة الشاعر سنة 2008



سرّ الصوت الفضيّ ذي القرار الموسيقي الغامض..

الشاعر والإعلامي نصر الدين اللواتيالشاعر والإعلامي نصر الدين اللواتي

الشاعر والإعلامي نصر الدين اللواتي

بعد ربع قرن.. من تلك الأيّام البعيدة، أيام صيدِ المعاني على طريقِ الحياة، والتحفّز للتحليق وراء الأفكار والقصائد والمجازات والأوهامٍ والأحلام وهي تتطايرُ في كل اتجاه، من تلك الأيام البعيدة، حيثُ الذكريات المخاتلةُ ما انفكت تلاعبنا، يأتي صوتٌ كموسيقى ملونة بالفضة.
صوتٌ كأنه يرنّ الآن منطلقا في تحليقه الأثيري قادمًا من نواحي غامضة ومسافرًا الى أمكنة سريّة، بنبرةِ قرارٍ موسيقيّ لا تشبهُ أي موسيقى.
لكنه لم يكن مجرّد صوت ذاك الذي كان يقودني كل مرة لسهرٍ رحبٍ ومذهل، كان صفحاتِ اكتشاف متواليةٍ لأسماء ولآداب وقضاياَ ولتساؤلات وهواجس هي الآن معمارٌ في الذاكرة لا يتزحزح.
كنتُ ألاحقُ برنامج إبحار، ثم قمر لكل الليالي، ببهجةٍ منقطعة النظير، قبل أن أفهم فيما بعد أن هذين البرنامجين الإذاعيين الأسبوعين في إذاعة المنستير التونسية، منحا جيلاً وأكثر متعةَ اكتشاف عوالم الثقافة العربية بتنوع أسمائها مشرقًا ومغربًا وتعدد انشغالاتها ومعاركها وخاصّة مع ارتباط الانتاج الثقافي عربيًّا خلال التسعينات بهزات وزلازل وتحولات كبيرة.
وأكثر من المتعةِ كانت تلك السهرات معرفةً خالصةً، بحواراتٍ واختيارات لا ارتجال فيها ولا استسهال، وفرصةً لتهريب ذوقٍ فني وأفكارٍ مختلفةٍ، تلك التي كان النظام الرقابي يحار في مطاردتها، حتى نجح في إسكاتها، قبل أن تهب بعد ذلك رياحٌ وتتلاحق أحداثٌ في بلد الفرح الدائم.
بعد نحو ربع قرن، أردت فقط أن أقول شكرًا لذلك الصوت الفضيّ ذو القرار الموسيقي الغامض، شكرًا للشاعر المختلف بنصوصه الحائرة، شكرًا للمعرفة والاكتشاف والذائقة التي كنت جزءًا منها، شكرًا عامر بوعزة

—————
نصر الدين اللواتي




ماكينة البلاد عادمة

الدائرة البلدية البساتين المنستير

الدائرة البلدية البساتين المنستير

مواطن استأذن من عرفو في الخدمة، وخطف روحو للبلدية بش يطلع مضمون، يلقى الشباك مسكّر فوقو ورقة مكتوب عليها: آلة معطبة، والموظف المُكلّف باستخراج المضامين قاعِد في البْرود يقرا في جريدة.
أيْ يْقول القايلْ وين المشكلة؟ الآلة اللي هي imprimante من حقها تعدم في أي وقت، وبصورة وقتية المواطنين يمشيو لدائرة بلدية أخرى ويقضيو أشوارهم.
هاو نقلك وين المشكلة.
المشهد هذا بيدو في نفس الدائرة البلدية شفتو بعيني توة شهر ونصف لتالي في تمبك سيدي رمضان، الماكينة عادمة، والشباك مسكّر، والموظّف في البْرود يقرا في الجريدة.
يا اما الآلة اللي هي مجرد امبريمانت موش تراكس من وقتها عادمة ما تصلّحتْش، والا عاوْدت عِدْمت، وفي الحالتين ثمة مشكلة.
هل معقول دائرة بلدية تخدم بماكينة وحدة متع طبعان؟ أكيد ثمة ماكينات أخرى، لكن بالنسبة للموظفين في الدائرة هذي ترجيع المواطنين في عز سخانة الصيف وبعثانهم يقضيو من دائرة لدائرة أسهل من تركيب imprimante أخرى على كمبيوتر المضامين.
إذن المشكلة هي الاستخفاف بالمواطنين

(أكمل القراءة…)




طهّر يا مــطهّر

لوحة للفنان عز الدين البراريلوحة للفنان عز الدين البراري

لوحة للفنان عز الدين البراري

شوف هاك العصفور عيش ولدي، الجملة هذي هي اللي يستعملها الطهار قبل بش يلهِّي الصغير اللي بين ايديه ويهبط عليه بهاك الجلم ويقولو العرب رحلت. ومن حينك تتكسر قلة الفاكية في الوطا ويترماو فوقها الزغار والزغاريط يعطي مسد، وهاك المطهر أربعة م الناس شادينو من ساقيه عرقو شرتلة ويعيط لين يفحم في وسط هاك الزازة. من بعد يرميوه وسط النساء على جلد علوش جديد مخبي م العيد، وتبدا خالتو تْمروَح عليه وأمو تقبض في الرشوق.

صُغرنا الكل عدّيناه خايفين م الغول والطهّار، كيما يقول لطفي بوشناق في غنايتو، مللّي يطلّ في راس الزنقة بالطبلية البيضاء والفاليجة الجلد تسمع كان فر فر وكل واحد يِترمى في دارهم.

الطهّار هو أول الناس اللي كذبو علينا واحنا صغار، وقتللي يقولك شوف عيش ولدي هاك العصفور تصدقو وتسرح بعينيك معاه وتسهلو مهمتو من غير ما تشعر وما يجيش لبالك اللي المقص بش يضرب ضربتو

كي تجي تشوف واستنادا لنظريات علم النفس الحديث عندنا الحق نخافو م الطهار، الضربة موجعة ومن غير بنج ومفاجأة لأنه في أغلب الحالات تلقا الصغير ماهوش فاهم كوعو من بوعو لا عارف علاه حنّاولو، لا علاه لبسوه جبة، لا علاه ركبوه فوق حصان، يعيش سبعة أيام وسبعة ليالي كيف السلطان ومن بعد ما يفيق كان بالمقص هبط عليه والناس الكل تضحك شايخة.

(أكمل القراءة…)




المفتي والبوكيمون

800px-Pokemon_Go_Logoهل أتاك حديث البوكيمون جو؟ اللعبة اللي حرمها مفتي الديار التونسية، أي نعم في دولة مدنية المفتي يصدر فتوى لتحريم لعبة الكترونية.

اللعبة هذي خرجت بداية شهر جويلية في بعض دول العالم وفي أقل من أسبوعين وصلت لمليارات الأشخاص ، تجاوزت في فترة قصيرة جدا النجاح اللي حققتو مواقع كيف تويتر وفايسبوك في عشرة سنين. وولات ظاهرة عالمية، هي لعبة تتلعب باستخدام الهواتف الذكية وتنتمي إلى ما يعبر عنه الواقع المعزز، وهذي تفسيرها ساهل، اللعب الأخرى تتلعب مائة بالمائة في عالم افتراضي متخيل لا وجود له في الواقع أما اللعبة هذي فأول ما تستخدمها تأخذ موقعك وتشغل الكاميرا متع تاليفونك وتخليك تتحرك في الواقع متاعك متع كل يوم وتبحث ع البوكيمونات الكائنات الخيالية اللي ما هي موجودة الا في تاليفونك لكن تراها انت ع الشاشة
إلى هذا الحد يبدو الأمر طبيعي لأن كل لعبة من ألعاب الفيديو عندها مخاطرها. اللي ماهوش طبيعي أنو مفتي الديار التونسية يصدر فتوى بتحريم اللعبة هذي ماهوش طبيعي لأن فعل التحريم في دولة مدنية هو سابقة خطيرة، والأسباب اللي قدمها المفتي فضفاضة من السهل أنك تلبسها لأي شيء آخر وتحرمو…(للاستماع إلى الفقرة كاملة)




الدهن مغشوش

الغنوشي أردوغان

الغنوشي أردوغان

محاولة انقلاب عسكري فاشلة في تركيا تابعها الجمهور في تونس بعقلية الفيراج، ناس مع أردوغان وناس ضدو ، وهذي هي النتيجة المنطقية لقسمة المجتمع إلى طائفتين: علمانيين وإخوان.

الجو اللي دار في الفايسبوك ليلة الانقلاب الفاشل يشبه لهاك الأجواء متع أفلام فريد شوقي وقت اللي يدخل الباندي القهوة ويجبد صاحبو بش يعطيه بونيات فإذا بيها الناس الكل اللي في القهوة يدوروا يضربوا في بعضهم بالكراسي والشقوفات

اخطانا من أفلام السينما المصرية وهات نشوفو فيلم الأخ أردوغان ونحاولو نجاوبو على السؤال التالي ياخي احنا اش مدخلنا؟

أولا الاهتمام بالسياسة الدولية ظاهرة صحية في المطلق، لكن اللي ماهوش عادي هو الانقسام الحاد بين متعصبين لأردوغان ومتعصبين ضدو، لأنو في النهاية وأيا كانت النتيجة اللي بش يبقى هو التعصب.
ثانيا، اللي صار في ها المناسبة يشبه لحكاية السيد اللي عمل ترميمات لدارو وزيّنها و مع أول مطرة تعرى الدهن وتشققت الحيوط من جديد واكتشف اللي المقاول غشو (استمع إلى الفقرة كاملة)




وحلة المنجل في القلّة

الحبيب الصيد رئيس الحكومة

الحبيب الصيد رئيس الحكومة

الباب الصغير والباب الكبير، قالوا الحبيب الصيد يرفض الخروج من الباب الصغير في محاولة لتفسير عدم تجاوبو مع المبادرة الرئاسية بالطريقة المطلوبة اللي هي تقديم الاستقالة
والبقاء في حالة تصريف أعمال. عبارة كيفما هذي تنطلق من أحكام جاهزة تخليي الناس تعتقد اللي الاستقالة هي الخروج من الباب الصغير يعني الخروج  اللي فيه حطّ من مكانة الشخص المعنوية بينما الخروج عبر بوابة البرلمان ووضع عمل الحكومة أمام ثقة النواب هو الخروج الكبير…

بعض العناوين الصحفية كيف ها العنوان هذا تغلّط برشة خصوصا لما تعطي انطباع اللي هي حقيقة مطلقة موش وجهة نظر نسبية ، الوضع اللي احنا فيه يقول اللي استقالة رئيس الحكومة هي الخروج من الباب الكبير ويا ريت تكون من غير أي وقوف أمام البرلمان، لأن سياق الأحداث أبعد ما يكون عن الدستور ومجلس نواب الشعب ينفذ في مبادرة سياسية مسقطة عليه وماهيش نابعة منو، اش يفيد وقوف الحبيب الصيد أمام نواب ينفذوا في أجندة أحزابهم اللي قررت تغييرو؟ واش يفيد تمسكوا هو وحدو بتطبيق الدستور وقت اللي النخبة السياسية بكلها تقريبا ماهيش متقلقة من عدم احترام الدستور؟




اذكُروا قتْلاكُم بخير

في مئوية أبي القاسم الشابي، زار وفد من الكُتّاب والإعلاميين روضة الشاعر للاطّلاع على معرض وثائقي أعدّته وزارة الثقافة والمحافظة على التراث هناك، وما أن ألقى الإعلامي الشّهير فرج شوشان نظرة على المكان وتفرّس في وجوه المحيطين بالشّابي من رموز الحياة الثقافية في تونس الثلاثينات حتى استشاط غضبا وانبرى يقول: هؤلاء هم الذين قتلوا الشّابي فكيف تجلبونهم إلى قبره ليلازموا روحه كظلّها؟
كان واضحا أن الوزارة لم تنظر إلى الشاعر انسانا مفردا بل رمزا لمرحلة، فكرّمت في عيد ميلاده الثلاثينات التي هي من أهمّ مراحل التّاريخ الثّقافي والاجتماعي في تونس، لكنّ فرج شوشان نظر يومها إلى الأمور من زاوية سريالية تتعالى على سلطان الموت، فتخيّل الشاعر محتفظا في مكان ما من الأبدية بوعيه كاملا، وفجأة يجد كل المحافظين الذين تربّصوا به حيّا وآلموه يحيطون به من جديد في حفلة عيد ميلاده!!

عواطف حميدة
عواطف حميدة

لقد سعدت أيّما سعادة بتدشين ساحة في مدينة المنستير باسم الإعلامية الراحلة عواطف حميدة، إذ سيكون على أشخاص كثيرين أن يتذكّروا أفعالهم مع المرحومة كلّما عبروا هذه السّاحة وهُم سيعبرونها مرارا في اليوم الواحد لأنها تقع قبالة الإذاعة وعواطف قضّت حياتها كلّها هناك ولم تكن لها حياة أخرى خارج بيت العائلة وأشرطة نجاة الصّغيرة وعلب الموسيقى والبرامج، ستكون هذه السّاحة إبرة تخز ضمائرهم الاّ أن تكون ضمائرُهم قد ماتت، فالضّمائر لا تنطلي عليها المساحيق التي يرتديها النّاس عند الموت ولا تُصدّق أكاذيب عاطفية يصطنعونها اصطناعا ويخفون تحتها كلّ الجرائم المعنوية التي ارتكبوها.

عواطف حميدة حاربوها وهي في أوج طموحها، وآلَمُوها وهي تشقّ طريقها كمن ينحت في الصّخر، وحسدوها وهي تنتصر على المصاعب وتصعد السّلم درجة درجة بمحض إخلاصها للمهنة وتعبها وسهر الليالي، لقد فعلوا كلّ ما لا يخطر على بال من أجل أن تُخطئ أو تُعاقَب أو تُطرد وتَشفّوا فيها عندما وبّخها مسؤول رفيع المستوى يوما ما، بل إنّ كثيرا من الذين كانت ستشملهم حملة التنظيف التي باشرتها في الإذاعة الوطنية يوم أن كُلّفت بإدارتها تنفّسوا الصّعداء عندما بلغهم نبأ مقتلها.
لم تكن حياة عواطف في الإذاعة الاّ مزيجا من كثير من الألم وقليل جدا من الفرح، كانت تصرّ على المضيّ قُدُما، فعملت بلا هوادة، ولم تَرمِ المنديل أو ترفع الرّاية البيضاء، لم يكن صعبا عليها قبل التفرّغ للمهنة التي أحبّتها أن توفّق بين عملها الأصلي في التعليم الثانوي والإذاعة والتلفزيون بل كان أصعب شيء هو المحافظة على الثّبات والتوازن وسط العواصف العاتية التي لم تهدأ يوما، وأشهد أن عواطف لم تُمنح يوما فرصةَ الابتعاد عن خطّ المواجهة الأماميّ كي ترتاح قليلا وتنظر إلى الأشياء بذهن أكثر صفاء، لكنّ العداواتِ والأحقادَ التي تؤلم النّفس وتُعذّب الرّوح وتُمزّق الوجدان سرعان ما تصبح بمجرد أن يأتي الموت كأن لم تكنْ، فيتساوى الأصدقاء والأعداء في حفلة تنكرية باذخة تُنفَق فيها مشاعرُ الودّ بسخاء، تلك المشاعر التي لا تظهر أبدا الاّ في الجنازات ما كان أحوج الموتى إلى قليل منها وهم على قيد الحياة!

ساحة عواطف حميدة قبالة إذاعة المنستير لن تعيد صديقتنا إلى الحياة فهي حيّة في القلب والذاكرة ولم تغادر مكانها أصلا، كلّ ما في الأمر يا عواطف أنّ كثيرا من الأوغاد الذين تعرفين والذين كانوا ينتظرون سقوطك من على السلّم بفارغ الصّبر والشّماتة بل يسعون إليه سعيا سيظلّ شبحك يرفرف فوق رؤوسهم ينتقيهم دون غيرهم في مسرحية النفاق الاجتماعي العظيمة هذه، سيظلّ شبحك ينظر إلى هؤلاء الذين يرتدون وجوها كثيرة بعد أن فقدت وجوههم ملامحها الأصلية من فرط الكذب، هؤلاء الذين يذرفون الدموع على الموتى ممدّدين في توابيتهم ويمشون وراء الجنازات ولا يذكرون قتلاهُم الاّ بخير.




Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress