يستعرض عبيد البريكي المؤيدات التي دفعت بحركة «تونس إلى الأمام» بعد تفكير عميق إلى تأكيد اصطفافها وراء الرئيس، فيتحدث عن نجاحات عديدة حققها قيس سعيد، منها تمرده على صندوق النقد الدولي، وإرساؤه الدولة الاجتماعية (بدليل إنهاء عقود المناولة والتشغيل الهش) وموقفه المعلن من القضية الفلسطينية. وهو لا يعيب عليه سوى انفراده بالرأي، فيؤكد -بكل استحياء وبأدب جم- أنه لا يمكن للشخص الواحد أن يكون رئيسا ووزيرا وواليا ومعتمدا في نفس الوقت داعيا فخامته إلى التشاركية والانفتاح أكثر…
من حق البريكي أن يصطفّ وراء الرئيس أو أيّ مترشّح آخر في هذه الانتخابات الرئاسية، هذا أمر لا يناقش، لكن من المؤسف أن يكون وهو يدافع عن خياراته وخيارات حزبه أضعف من أصغر مفسر في (مشروع) الرئيس، ولو أعاد الاستماع إلى نفسه في الإذاعة وقارن مواقفه وأسلوبه بمواقف المعلقين والمفسرين المعروفين وصحابة الرئيس لأدرك أنه يسبح في مياه ضحلة، وهو أمر مؤسف بالنظر إلى تاريخه النضالي الطويل في صفوف الاتحاد العام التونسي للشغل وفي صفوف اليسار منذ أيام الجامعة (الأمر الذي لا ينفك يذكر به في كل مناسبة) إنه لأمر مؤسف أن يبدو سياسي محنك مثله يتقن السفسطة جيدا تلميذا بالفصل الأول في مدرسة الشعبوية، وقديما قال أجدادنا عن مثله (جاء يتبع في خطوة الحمام ضيع خطوته)
إن النظارات الذي يستخدمها البريكي لرؤية الواقع السياسي والاجتماعي لا تتيح له رؤية تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي في سنوات الحكم الرئاسوي المطلق ولا ارتفاع نسبة التضخم والبطالة، لا تسمح له برؤية جحافل المهاجرين الذين اجتاحوا المدن والقرى التونسية دون أن يعرف مآلهم أحد، ولا الهجرة الاحتجاجية في قوارب الموت نحو المجهول، ولا تمكنه من رؤية خيبات الأمل في عيون الواقفين وراء السياج الحديدي في باب بنات يحتفلون بوعد كاذب من وزيرة لم تقض في وزارتها أكثر من ثلاثة شهور، نظارات بورجوازية رغم سمكها تمنع حاملها من معاينة العطالة التي كبلت الجمعيات والأحزاب والنقابات وأصابت المجتمع بالشلل، وتمنعه من رؤية السياسيين والإعلاميين المسجونين وشبح الخوف الذي يخيم على البلاد والعصا الغليظة التي تفرض على الشعب الحر الطاعة والخنوع.
كل هذه الانحرافات التي يتخبط فيها (مسار 25 جويلية) لا يراها عبيد البريك أو بالأحرى يرفض أن يراها على طريقة (لو خرجت من جلدك لما عرفتك)، في مقابل الإشادة بالمواقف الشعبوية للرئاسة التونسية، ورغم ذلك لا يخفي امتعاضه الدائم من الوصم الذي يلاحقه بأنه يقود حركة من نوع (صفر فاصل) ويؤكد أن الحركات السياسية لا تـُــقيَّم بعدد المنخرطين فيها بل بعمق أفكارها، يقول ذلك وهو أول العارفين بحكم تجربته أن الأحزاب تقاس بعمقها الشعبي، وأن الأفكار العميقة (خاصة المتعالية على واقعها) يمكن أن تصدر عن خلية تفكير أو ناد ثقافي أو جمعية تنموية. والبريكي يعرف أيضا أن الانفراد بالرأي الذي يعيبه على الرئيس هو الأساس الذي تنهض عليه دولة الاستبداد، دولة الشخص الواحد الذي يقود القطيع.