الشيخ منور المدني

بالأمس كانت اذاعة المنستير تسمى “عروس البحر” بما تحمله هذه التسمية من عمق البحر واتساعه وجمال العروس وانطلاقتها نحو الاحلام..، واليوم تغير شعارها الى “الصوت الحر” لتنكتم فيها الأصوات وتقبر الكفاءات وتقصى سواء من بداخلها أو من المتعاونين الخارجيين.

بالأمس كان إشعاعها متميزا واليوم سبقها غيرها تألقا وإشعاعا واستقطابا لتتخذ أدنى المراتب في إحصاءات المحصين وفي آذان المستمعين.

بالأمس أدارها اهل الاعلام المختصون، أجيالا وأجيالا من الرجال المتمرسين العارفين بخصوصيات الإعلام رغم الهزات والضغوطات من بورقيبة الى بن علي..، واليوم – بعد الثورة على الموروث المقيت- يديرها مؤقتا من اختصاصه الآداب والعلوم الانسانية، وكان الظن أن تسير الامور في هذه الاذاعة سيرا طبيعيا مواكبا لمتطلبات المرحلة الثورية بطاقاتها الذاتية بعد ان تخطت بنجاح وتميز الايام العصيبة الاولى رغم ما أحدثته الثورة بعنصر المفاجأة وعدم تمرس اهل الاذاعة بهذه المستجدات المتسارعة والمذهلة والصادمة دون ان تكون آنذاك في حاجة الى مدير اذ تواصل تسييرها بتألق دون ادارة مباشرة لأسابيع، لكن حين جيء بالمدير الجديد المؤقت الدكتور جميل بن علي أستاذِ اللغة والآداب العربية كانت التطلعات مشرئبة نحو طفرة نوعية وقفزة إعلامية تحققها “عروس البحر“- بعد أن كانت ككل وسائل الإعلام التونسية لا تمثل سوى النظام الحاكم ولا تعكس سوى ما يريده, الأمر الذي جعل الإعلام عموما يمر بأزمة حقيقية تمثلت بفقدانه الدور المؤثر في صناعة الرأي العام إضافة إلى ضعف التأثير على المتلقي… فتوجه هذا المتلقي وخاصة الشباب إلى وسائط أخرى أكثر حداثة واجتماعية وأكثر قدرة على تلبية طموحاته، وفي نفس الوقت أكثر قدرة على المرور من بين يدي الرقيب السياسي- وخاب الظن وانهارت التطلعات وهي ترى الاذاعة الجهوية بالمنستير بدل ان تنتقل من دكتاتورية الماضي وتتخلص من براثن اللوبي الاعلامي الذي جثم على صدرها وبقية المؤسسات الاعلامية لسنوات تقع في دكتاتورية جديدة لا تختلف كثيرا عن دكتاتورية الماضي القريب..، هذه الدكتاتورية تلتمس من خلال الحقائق التالية:

  • تجميد الاذاعي عامر بوعزة وإدخاله “الثلاجة” وهو المعروف لدى الجميع بديناميكيته وتجربته الطويلة التي طالت المجال التلفزي سابقا، وإيقاف برنامجه المشهد السياسي بسبب مقال صحفي عبر خلاله على أعمدة “الصريح” عن رؤيته للبرامج الدينية بإذاعة المنستير ماضيا وحاضرا ومستقبلا..
  • إقصاء الشيخ الوالد “الشيخ منور المدني” الذي يعد قيدوم الدار (فقد انضم الى اسرة الاذاعة منذ 1979) بلا موجب وقد كان خلال مسيرته الطويلة منتجا للبرامج الدينية الهادفة والمتميزة والمفيدة- وقد حرمت الدكتاتورية مستمعي اذاعة المنستير من مواعظ الشيخ منور المدني وأسلوبه الشهير ليتمتع به مستمعو جوهرة اف ام في 30 حلقة يومية رمضانية حول قصص المرسلين “هداة الأنام”  بدعوى فسح المجال للقارين من ابناء الاذاعة لإنتاج البرامج الدينية خصوصا خلال شهر رمضان بدل التعويل على المتعاونين الخارجيين ليفاجأ الجميع بمنشطة المنوعات والبرامج الترفيهية ربح عبد اللاوي وهي تقدم برنامجا عن الإعجاز العلمي في القران الكريم بعيدا عن تخصصها الأكاديمي والإذاعي كما يفاجأ الجميع بالاستنجاد بالمتعاونين الخارجيين مجددا على غرار هشام قريسة، ساسي الضيفاوي، منير رويس، حاتم بوسمة، لطفي البكوش، الحبيب الخمار، عبد الوهاب بوزقرو، محمد الشتيوي، والتخلي دون موجب عن السادة منور المدني وسالم جراد ومحمد غديرة وجميعهم ممن قدم الكثير لكن الإقصاء كان حليفهم وجزاءهم!
  • التراجع في الأداء العام في المدة الأخيرة ومن مظاهره عدم إيلاء الإذاعة حدث العودة المدرسية ما يستحق من التغطية هذا العام والحال أن العودة المدرسية والجامعية استثنائية وهي مبعث تخوف العديد من الأولياء نظرا للظروف الأمنية فخلافا للعادة المعمول بها سنويا في افتتاح السنة المدرسية والمتمثلة في توزيع عدد هام من المراسلين والصحفيين والمنتجين على مراكز الولايات لتغطية الحدث باعتبار أهميته الاجتماعية، ومن مظاهره أيضا ضعف الأعمال الدرامية خلال شهر رمضان المنصرم نظرا للتسرع الكبير الذي أنجز فيه عملان دراميان وقد لاحظ الكثير من المستمعين أخطاء لغوية فادحة في مسلسل “ثــوار” وهو ما أضعف العمل ككل ومسّ من قيمته الأدبية والجمالية، فهل كان ضروريا أن تنجز إذاعة المنستير عملين دراميين وتضحي بالجودة بينما اختارت أغلب الإذاعات هذا العام عدم إنتاج المسلسلات مراعاة للإطار العام وما يستوجبه من تحكم في النفقات وأولوية للشأن السياسي؟

على مستوى البرامج السياسية يلاحظ أن إذاعة المنستير وخلافا للإذاعات الأخرى لم تخصص فريقا مصغرا من الإعلاميين المحنكين لإنتاج البرامج السياسية الحوارية وإدارتها بل يتداول على تقديم هذه البرامج وتناول هذه المواضيع منشطون وصحفيون تعودنا الاستماع إليهم في المنوعات والبرامج التنشيطية وهو ما جعل البرامج السياسية تفتقر إلى الاحترافية (وكمثال على ذلك قدمت إذاعة المنستير يوم الخميس 15 سبتمبر نقاشا بين ممثل حزب دستوري وممثل حركة النهضة حول موضوع الاستفتاء وكان واضحا أن البرنامج مسجل إذ أن النقاط التي تم تداولها تجاوزتها الأحداث آنذاك بعد إعلان السيد عياض بن عاشور على التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب الممثلة في الهيئة) وهذا العيب نلاحظه بكثرة في التعاطي الإذاعي مع الشأن السياسي فمقارنة مع بقية الإذاعات تشكو إذاعة المنستير من عدم توفر عامل الحينية والمواكبة الفورية للأحداث حتى أن إذاعة تطاوين رغم مسافتها عن العاصمة فقد سجلت مواكبتها الحينية للأحداث بتميز وفازت مرارا بقصب السبق! نضيف إلى ذلك  غياب الفطنة واليقظة في التعامل مع الضيوف إذ سجلت في المدة الأخيرة استضافة أحد رموز العهد البائد في مركز الولاية ضمن برنامج إذاعي ليتحدث مطولا في موضوع الرقابة الصحية وهو ما أثار حفيظة عدد من المستمعين واستياءهم إذ أن هذا الضيف يذكر بفترة حالكة في الحياة السياسية الجهوية والوطنية حتى لو لم يكن يتحدث في السياسة.

لقد أتينا على بعض ملامح الوهن في تسيير هذه الإذاعة غيرة على صرح إعلامي أنار الجهة وبرزت منه وجوه كثيرة في الإنتاج والتسيير، وكل الرغبة أن لا يشل هذا المنبر بتعنت الدكتاتورية الجديدة ويظلّ دائما يحمل صورة العروس الجميلة ويحمل صفاء البحر واتساعه.