قراءة في مجموعة الأنين المتصاعد من أحلام النيام لعامر بوعزة 
بقلم رياض خليف

الأنين المتصاعد من أحلام النيام لعامر بوعزة  مازال النص الشعري في تونس يحمل شحنة كبيرة من القلق والتأزم عاكسا حالة اللا استقرار التي سطت على الوضع منذ مدة. فأغلب النصوص التي تظهر في السنوات الأخيرة لم تكتم الحزن والحيرة والضياع عكس ما كان منتظرا وعلى خلاف التاريخ العربي الذي عرف فيه الأدب موجة فرح عقب الأحداث السياسية الكبرى .. ولعل أخر الأعمال الصادرة والتي تجسد هذا المشهد الشعري كتاب “الأنين المتصاعد من أحلام النيام” الذي أصدره الأستاذ عامر بوعزة في القاهرة مؤخرا .. فهذا الكتاب أضاف للمدونة التونسية نصا آخر يغلب عليه التوتر وهو ما يسهل على القارئ اقتناصه…

تقاطعات العناوين

على غير عادة شعراء العصر الذين اعتادوا اختيار عنوان داخلي كعنوان رئيسي يأتي هذا العنوان وهو ما يعطيه قيمة أخرى تسيطر على كل عناوين القصائد فهو عنوان جامع ومؤثر بالتأكيد …

على مستوى الشكل ورد هذا العنوان مركبا وفيه الإضافة والنعت والجر أما العناوين الداخلية فعشرة منها ذات مفردة واحدة مقابل ثلاث عناوين مركبة…

أما معجميا فيلتقي العنوان مع هذه العناوين الداخلية قي معجم التوتر (انين. رحيل. اسئلة. رصيف. موت) كما يلتقي معها في معجم الحلم (احلام. رؤيا. سفر. بحر. ضوء…)

هذه التقاطعات توحي بان الكاتب يعد كل هذا المحتوى في باب الأنين والحلم المزعج هي رائحة الكابوس يطلقها هذا العنوان الرئيسي فالأحلام التي ينبعث منها الأنين هي الكوابيس المزعجة…ربما اراد الشاعر تصوير ثنائية الحلم والألم التي نعيشها في لحظتنا المعاصرة التي ارتبطت بها جملة مكن نصوص عمله…

المكان المتأزم

يصور الشاعر المكان بطريقة تكشف قلقه وتوتره وفوضاه وهو ما يعني حالة اللا استقرار والتعجب لحال المكان وهي حالة تنتمي لما صرنا نشعر به من خوف على البلد وما أصبح يتكدس من اغتراب في ثنايا الواقع المضطرب.فالمكان فوضوي ومنكسر وغريب مثلما يظهر في هذا المقطع:

الناس نيام

الشارع مزدحم بالقطط الجوعى

والبحر غريب

المقهى في الهداة يغلق عينيه ص8

غريب وشاهدتي وطني

—–

والمكان يبدو خانقا وغادرا وهذا ما نفهمه من صورة العصفورة

وهذي المدينة

عصفورة تتخبط في الماء ص11

وتتصل صورة المكان في مقاطع اخرى بالترحال والنفي والاغتراب والهروب والخوف:

يمشي في الوحدة منفردا

والبحر يقود الليل إلى منفاه

مسكونا بالترحال

نأى عن ارض الخوف الأبدي ص30

ثمة قلق مكان وحالة توتر تؤثر في الكاتب فيأتي تصوير المكان مرتبطا بالتأزم والقلق لينخرط الشاعر في القلق الجماعي الذي يراودنا…فهذه القصائد هي حالات قلق واعتصار وتألم للواقع اليومي ومما لا شك فيه أن هذه الملاحظة تتدعم حين نتطرق إلى جانب آخر من قصائد الكتاب وهو ذلك المتعلق بالقصيدة الحدثية التي تسجل حضورها في هذا العمل

القصائد الحدثية

في هذا العمل تحضر القصيدة الحدثية المرتبطة بأحداث معينة…حيث واكب النص الشعري بعض الأحداث الأخيرة منها ما اتصل بالمشهد الثوري وتحديدا

-قصيدة تونس التي احتفى فيها بالثورة:

رسم الثائرون بأجسادهم فتحة في جدار الظلام

وقالوا لأجنحة النور هبي

لقد صرخت في العروق الدما

ألا رفرفي في سماء الوطن ص80

-قصيدة كشك عبد السلام التي تعلقت بحادثة إحراق عبدالسلام تريمش نفسه في المنستير

“العلبة الزرقاء ظلت من بعده واقفة مغلقة

لم يفتحها احد ليرى ما في داخلها

حتى لا يندفق البحر الغاصب من أحشائها

ولا يندفع الشهداء” ص76

موت

وهي في ذكرى الإعلامي الراحل عبد العزيز فتح الله

لا اعرف للوردة غير الوردة اسما

لكنك تعرف كيف تكون الوردة سيدة الأسماء

هذا أنت كما رسمتك يد السنوات

على اللوح المحفوظ

في ذاكرتي ص82

يمكن القول في نهاية المطاف أن عامر بوعزة قدم عملا أدبيا ملتصقا باللحظة ومعبرا عن هواجسها وتشعباتها وقلقها وهي الحالة التي يتخبط فيها الإنسان التونسي عموما والتي تنهل منها المدونة الإبداعية المعاصرة…