وزير التربية والتعليم

وزير التربية والتعليم

في جلسة عامة لإحدى المؤسسات الاقتصادية، وأثناء النقاش الذي يسبق المصادقة على تقرير المحاسبة قال الرئيس التنفيذي ردّا على بعض المؤاخذات الموجّهة إليه والمتعلقة بمشاريع الشركة وأعمالها المستقبلية: «نحن نخطئ ونتعلّم من أخطائنا». فطلب أحد كبار المساهمين الكلمة بعد أن كان يتابع النقاش في صمت ليجيبه قائلا: «نعم يمكنك أن تتعلّم من أخطائك لو كان الأمر يتعلّق بمالك فقط، أما وقد عهدنا إليك بإدارة أموالنا فليس من حقك أن تخطئ!»

وقياسا على هذا يبدو أيضا تصريح وزير التربية والتعليم التونسي في غير محلّه عندما قال في التلفزيون وهو يعلن انطلاق عملية التسجيل الالكتروني في المدارس إنه يتوقع أن تكون هناك أخطاء، وأثبتت الصور التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لاحقا أنّ الأمر ليس مجرد توقعات بل حدثت أخطاء بالفعل، وكان أحرى بالوزارة أن تفرض على منظوريها وشركائها الالتزام بمستوى الصفر خطأ في عملية كهذه، وهذا ممكن لعدة أسباب بديهية ومنطقية.

أول هذه الأسباب أن عملية التسجيل الالكتروني في المدارس الإعدادية والثانوية ليست إطلاق قمر صناعي أو إرسال بعثة مأهولة إلى كوكب المشتري، إنما هي مسألة أصبحت عادية جدا في دول أخرى نعتقد خطأ أننا أفضل منها، وهي نظريا عملية بسيطة وبدائية مقارنة بما بلغه علم معالجة البيانات الضخمة وانترنت الأشياء الذي يغيّر الآن تدريجيا شكل الحياة على كوكب الأرض، ثم إن هذه العملية محدودة في الزمن ولا تختلف تقنيا في شيء عما هو معمول به مثلا في الحصول على نتائج الباكالوريا والتوجيه الجامعي والتسجيل في الكليات والمعاهد العليا، لكن الوزير وهو ينبهنا إلى إمكانية الخطأ أشعرنا بأن الوزارة ستقوم بتخصيب اليورانيوم والحال أنها بصدد إعادة اختراع العجلة.

إن تونس التي تشتهر بنجاعة كفاءاتها العاملة في حقل الإعلامية والذكاء الصناعي طورت بنية تحتية هامة في مجال الاتصالات لخدمة الاقتصاد اللامادي لكنها لم توفق بعد في إرساء منصة شاملة وفعّالة للحوكمة الالكترونية، وكل المساعي التي بذلت لردم الفجوة الرقمية الداخلية باءت بالفشل، فالاستخدام الأمثل للمعلوماتية ليس في ارتفاع نسبة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بل يقاس بمدى قدرة التكنولوجيا على تحسين حياة الأفراد لاسيما في مجال الخدمات، ولا معنى إذن للتسجيل الالكتروني في المدارس إذا لم يضع حدا للازدحام الكارثي في مراكز البريد ولا منفعة للمواطن إذا ما اكتفت وزارة التربية بتصدير حجم العمل اليدوي الذي تختص به في هذا الوقت من العام إلى جهات أخرى أو اكتفت بتأجيله قليلا.

لا يستحق الأمر إذن كل هذه البروباغاندا وكل تلك البهجة الصبيانية الساذجة التي بدت على ملامح الوزير وهو يعلن بنفسه خبر إطلاق هذه الخدمة، فمن الواضح أن الشروع في استخدام هذه المنصة لم يكن جزءا من مشروع شامل لتطوير الخدمات الإدارية بدءا بتخفيفها من الزوائد الورقية وصولا إلى رقمنتها بالكامل، وهذا هو دأب الحكومة الحالية في تدشين مشاريع تبدو من جهة أشبه بالجزر المعزول بعضه عن بعض ومن جهة أخرى تبدو مثل الطبل الذي يحدث كثيرا من القرقعة والضجيج وهو فارغ من الداخل، وأبرز دليل على ذلك اعلان رئيس الحكومة بنفسه منذ شهور عن اطلاق خدمة استخراج المضامين عن بعد واكتشف المواطنون لاحقا ان الوقوف في طابور بالبلدية أهون بكثير من طلب المضمون بالإعلامية وأقل تكلفة على وجه الخصوص.

سيدي الوزير، ليس من حق وزارة التربية والتعليم أن تخطئ فالإصلاح التربوي ليس مجالا للمزايدة السياسية وأبناؤنا ليسوا فئران تجارب في مخابر هذا الإصلاح.