في حادثة خروج قطار الدهماني عن السكة وانقلابه اكتفى الإعلام بطمأنة المتفرجين إلى أن الحادث لم يسفر عن وفيات وأن تحقيقا قد فتح للبحث في ملابساته بعد أن سأل أطباء المستشفى عن عدد الإصابات وكيف تمّت معالجتها، ثم طوي الموضوع وعاد الجميع فرحين مسرورين إلى ما كانوا فيه. وقبل ذلك بأيام، نزل سائق أحد القطارات ليترك مركبته تسير وحيدة بسرعة جنونية وتقطع مسافة طويلة قبل أن يتمّ توقيفها بقطع التيّار الكهربائي، ورغم أنه من السّهل تخيّل حالة الرّعب والهلع التي عاشها الركاب والانتباه إلى توفّر جملة من القرائن قد ترقى بالحادثة إلى ما يشبه العمل الإرهابي المدبّر فإن الجمهور اكتفى بتحويلها إلى مادّة تتندّر بها وسائل الإعلام عبر العالم، فتذكر في طرائف أنبائها بسخرية مريرة أنّ تونس تُطلق أول قطار يسير دون سائق، هذا طبعا بعد الإعلان كالمعتاد أن سلطة الإشراف أذنت بفتح تحقيق لتحميل كلّ طرف مسؤوليته.
العامَ الماضي خرجت عن السّكة في مجاز الباب أربع عربات من القطار المتجه من تونس إلى غار الدماء، والحصيلة خمسة وثلاثون جريحا، واصطدم قطار بجدار محطة بنزرت بسبب عطب فني في المكابح مخلفا إصابات بسيطة لاثني عشر شخصا، أما في سنة 2016 فقد قتل خمسة أشخاص وأصيب أربعة وخمسون في حادث اصطدام قطار قعفور بحافلة ركاب مزدوجة قادمة من نابل في مفترق جبل الجلود. ويبقى العام 2015 الأكثر دموية بعد أن اصطدم قطار الدهماني بشاحنة ثقيلة في مستوى مدينة الفحص من ولاية زغوان وتسبّب في مقتل ثمانية عشر شخصا وإصابة حوالي مائة آخرين وكان قطار الدهماني نفسه قد خرج عن سكته في صائفة 2014 قرب مدينة قعفور متسببا في مقتل ستة ركاب وإصابة ستين آخرين.
هذه بعض «إنجازات» الشركة التونسية للسّكك الحديدية في السّنوات الأخيرة، ولا يكفي المجال لاستعراض الحوادث شبه اليومية التي تصطدم فيها القطارات بالسيارات الخفيفة والدراجات والمترجلين والتي تقدرها إحصاءات الشركة ذاتها بمائة حادث سنويا يقع أغلبها في تقاطع السكك مع الطرقات. ورغم أن قراءة سريعة وغير متخصصة في هذه الحوادث تكفي لتبيّن أن خط الشمال الغربي أصبح يمثل نقطة سوداء تتطلب تدخلا عاجلا لوضع حد للنزيف الاّ أن سلطة الإشراف لا تحرّك ساكنا ويقتصر دورها على فتح تحقيقات لا تفضي إلى شيء، ويتواصل في هذه الأثناء تردّي الخدمات إلى أدنى المستويات، لا في السكك الحديدية فحسب، بل في قطاع النقل بمختلف فروعه وأصنافه وهو ما يمثل عائقا أمام النهوض الاقتصادي والاستثمار والسياحة ومظهرا من مظاهر تقهقر نوع الحياة في تونس وبلوغها حافة البؤس اليومي الممنهج، تدل على ذلك حادثة الإضراب العشوائي الذي شنه سواق الميترو والحافلات ذات عشية صيفية قائظة ضاربين عرض الحائط بكل الالتزامات النقابية والقيم الإنسانية.

القطار الكهربائي في أثيوبيا






