بعد أن توّجت وهران في مهرجانها السينمائي فيلم عبد اللطيف بن عمار “النخيل الجريح” وأعادت الاعتبار لهذا الرجل الذي غامر بفتح ملف حرب بنزرت سينمائيا، صار من الممكن أن نتحدّث ولو قليلا عن ظاهرة “الحرقان”، ظاهرة تهجير المبدعين ونفيهم داخل بلدهم…

النخيل الجريح لعبد اللطيف بن عمار

النخيل الجريح لعبد اللطيف بن عمار

 لقد بدا واضحا للعيان أن فيلم النخيل الجريح رغم أنف سنة السينما تجاذبته قوتان: الأولى منحته امتياز افتتاح مهرجان قرطاج الدولي في ليلة صيفية شهدت حضور ما يعادل جمهور شهر كامل من جماهير قاعات العرض التقليدية، وقوّة ثانية عطلت خروجه الرسمي والطبيعي في مختلف مدن الجمهورية واستثنته من قائمة التتويج في أيام قرطاج السينمائية (نتحدث طبعا عن تتويج في مستوى التانيت) وقد كانت قلوب الجميع تهفو لهذا التتويج لا حـبًّا في عبد اللطيف بن عمار وثقةً في قدرته الإبداعية فحسب، وإنما رغبةً في فتح صفحة جديدة في حياة السينما التونسية وإيصال رسالة إلى الناس مفادها أن تاريخنا الحديث والمعاصر منجمٌ خصب للأفكار والرؤى التي يمكن أن نصنع منها وبها سينما جديدة طموح.

 ولكن شاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، بل عصفت هذه الرياح عصفا بأحلام السفن، وطوّحت بها بعيدا عن مرافئ الأمان، وفي الوقت الذي اهتدت فيه السينما التونسية إلى حرب بنزرت موضوعا، شاءت أيام قرطاج السينمائية  كما فسّرت ذلك بعض وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أن تتصالح مع السينما المصرية بتـتويج شريط ميكروفون الذي لم يحظ بإجماع حول علو قيمته وأحقيته بالتانيت.

 ماذا يعني استبعاد النخيل الجريح من منصّة التتويج التونسية وتتويجه في الجزائر؟

 ذلك يعني بلا شكّ أن رؤية لجنة التحكيم في تونس مختلفة جذريا عن رؤية نظيرتها في الجزائر، ولا شكّ أيضا أن المتفرج وحده هو الذي سيحكم بعد المشاهدة ما إذا كانت الرؤية التونسية حكيمة وصائبة وكانت نظيرتها الجزائرية تُخلوِظُ في بحر السينما ولا تفقه شيئا.

 وقد يعني ذلك أن عبد اللطيف بن عمار فتح بابا يُستحبّ أن يظلّ مغلقا، ونكأ جرحا يستحق حثّ التراب عليه ووضع إصبعه في مكمن داء ما تزال أوجاعُه حيّة مضطرمة…

 ولكن في ذلك إشارة واضحة نقيّة إلى أنّ مسلسل استبعاد الكفاءات المبدعة الحقيقية ما يزال متواصلا وبحدّة، لأن تيّار التهجير والتكفير والتحقير قويّ، بل أقوى من تيّار التغيير والتأصيل والتطوير وأقدر على تنفيذ أحكامه في وجه المبدعين والفنانين الحالمين المجددين..

ديسمبر 2010