من بين الفرضيات التي رشحت عن لقاءات رئيس الجمهورية بممثلي المنظمات والأحزاب الموالية له بعد صدور المرسوم عدد30 فرضية تتحدث عن إمكانية إشراك الأحزاب في الحوار السياسي الاستشاري من أجل جمهورية جديدة باستثناء أربعة أحزاب فقط. وهذه الفرضية (لو صحت) تعني أن الرئيس يناور بورقة جديدة يكسب بها نقطتين: أولا ينفي بشكل عملي ما يتوقعه منه خصومه بخصوص تعطيل الحياة الحزبية (كما تتحدث عن ذلك أدبيات البناء القاعدي في سياق إزالة الوسائط بين الزعيم والشعب)، وثانيا يكافئ الطيف الحزبي الذي يسانده وهو طيف يفتقر إلى العمق الشعبي! فهل يحق للرئيس أن يستخدم آلية العقاب الجماعي؟

الرئيس يستقبل زهير المغزاوي

زهير المغزاوي عن حركة الشعب

لقد تمّ تأويل لحظة 25 جويلية بطريقتين مختلفتين، فالنهضة والأحزاب المتحالفة معها تعتبرها انقلابا، فيما يعتبرها الرئيس ومن والاه تصحيحا للمسار. لكن هذه اللحظة أصبحت بمثابة كرة الثلج، لتستخدم أداة تنسف ما تم إنجازه في عشرية كاملة، وها هي تصبح معيارا رسميا للفرز! هناك حينئذ اختلاف بيّن بين المعلن والمضمر في خطاب الرئيس، ففي حين ينفي أن يكون ما أقدم عليه انقلابا يتصرف في الواقع كما لو كان الأمر كذلك!! لأن تقسيم المجتمع بين موالاة ومعارضة على هذا الشكل الذي يؤدي إلى العقاب الجماعي لا يحدث إلا في الانقلابات.

25 جويلية إذا جردناها من الخيالات الثورية التي يريد أنصار الرئيس إلحاقها بها. لا تؤدي بأي شكل من الأشكال إلى المسار الذي نحن فيه الآن، وأسلوب العناد والمكابرة الذي يعتمده الرئيس في توصيف سياساته لا يمكن أن يغير الحقيقة الموضوعية. وفي هذا السياق يمثل إقصاء أربعة أحزاب من الحوار التأسيسي حتى وإن كان استشاريا التفافا واضحا من قبل الرئيس على جهاز القضاء الذي يماطل في محاسبة الأحزاب على تجاوزاتها في الانتخابات السابقة، فهل يحق للرئيس أن يحل محل القضاء؟

العقاب الجماعي يوازي بين الظالم والمظلوم، وهو شكل آخر من أشكال الظلم، ومن الواضح أن الرئيس غير معني البتة بالمواجهة الدائرة بين النهضة والحزب الدستوري الحر والتي هي مواجهة بين مشروعين للدولة يتكثف اختلافهما في نقطة الإسلام السياسي. وهو يتعامل مع هذه الخصومة كما لو كانت شأنا حزبيا أو مسألة ثانوية وبلا معنى، والحال أنها مسألة أساسية في سياق مراجعة العشرية السابقة وتحميل كل الأطراف الفاعلة فيها مسؤولياتها التاريخية. لا ينكر أحد أن برلمان 2019 برئاسة راشد الغنوشي قدم صورة مخيبة للآمال عن التمثيلية النيابية، لكن لا يمكن بأي حال تجاهل القاعدة الجماهيرية الواسعة لحزبي النهضة والدستوري الحر، وإقصاؤهما معا دون أي سند قضائي يعني إقصاء فئات واسعة من الشعب، وهو عمل استبدادي لا يمكن الاعتداد به في الدفاع عن الديمقراطية..

عبيد البريكي، حركة تونس إلى الأمام

عبيد البريكي، حركة تونس إلى الأمام

مقابل ذلك يقتصر تعامل الرئيس مع الأحزاب السياسية حاليا على استقبال عبيد البريكي عن حركة تونس إلى الأمام وزهير المغزاوي عن حركة الشعب، وهذان الرجلان لم يدخلا الحياة السياسية بعد 25 جويلية، ولو باركا عملية الإقصاء والعقاب الجماعي سيعيدان إلى الأذهان صورة أحزاب المعارضة الكرتونية زمن بن علي، وسيكون من المخجل لهما معا الاستقواء بالرئيس في مواجهة أحزاب تتمتع رغم كل شيء بقاعدة جماهيرية هي الأساس في العملية الديمقراطية شئنا أم أبينا. وسيكون من السذاجة بمكان الاعتقاد في أن الرئيس قيس سعيد سيلقي بمشروعه في النار ليرتمي في أحضانهما والحال أن كل المؤشرات (رغم نفيهما المستمر) تدل على أن الرئيس بصدد استكمال الخطوات الضرورية لتأسيس جمهورية البناء القاعدي، وهي جمهورية لا مكان فيها للأحزاب، لا النهضة ولا الشعب، ولا حركة تونس إلى الأمام، يومها سنقول لهما أكلتما يوم أكل الثور الأبيض!