بعد الانتخابات التشريعية العام 2019، لم يتركز اهتمام حركة النهضة صاحبة المرتبة الأولى على تشكيل الحكومة بقدر ما انصبّ اهتمامها على تمكين رئيسها راشد الغنوشي من كرسي الرئاسة في مجلس الشعب. ولتحقيق هذه الغاية لم يكن أمامها الا التحالف مع «قلب تونس» صاحب المرتبة الثانية، وهو الحزب الذي بنت حملتها الانتخابية كلها على تشويهه واعتباره الرمز المطلق للفساد. وبجلوس الغنوشي على كرسي باردو لم تعد النهضة سيدة قرارها وأصبحت مطالبة بردّ الدّين وتمكين قلب تونس من دخول الحكومة بأي ثمن.
ولم يكن الأمر سهلا، بل كان بمثابة السيف المسلط على رقبة النهضة في مرحلة تكليف الحبيب الجملي بتكوين حكومة سياسية، وشهدت المفاوضات تعثرا آل إلى الانسداد ما دعا رئيس الجمهورية إلى التدخل يوم 23 ديسمبر 2020 بدعوة مختلف الأطراف إلى جلسة في قصر قرطاج من أجل إنقاذ حكومة الجملي قبل الذهاب إلى جلسة منح الثقة، لكن راشد الغنوشي أوصد الباب بصلف قائلا: «إن الوقت تأخر وإنه لا يمكن العودة إلى المفاوضات»، ولئن كان محمد عبو في كتابه (ضدّ التيار، تجربة من داخل الحكم) يعتبر عدم رضى راشد الغنوشي عن حكومة الجملي «سببا غريبا لكنه من سمات التنظيمات التي لا تعرف الديمقراطية في التسيير» ص58، فإن الأحداث التي جرت لاحقا تؤكد أن رئاسة الحكومة ليست من اهتمامات النهضة لعدة اعتبارات أهمها عدم الرغبة في تحمل مسؤولية الحكم بشكل مباشر والحرص على البقاء في منطقة مريحة للمناورة، فتشريك قلب تونس مثلا في حكومة ائتلافية سيكون أيسر عندما يكون المكلف بتشكيلها من اختيار القصر الرئاسي.
لكن إلياس الفخفاخ الذي كلفه الرئيس بتشكيل الحكومة بعد فشل الجملي لم يسلك هذا المسلك وامتنع عن تشريك قلب تونس في حكومته، ورغم أن النهضة تحصلت على حقائب توازي حجمها الانتخابي فقد ظلت أمام تصلّب رئيس الحكومة الجديد إزاء قلب تونس عاجزة عن تسديد ثمن كرسي باردو، ولم يكن متاحا لها أن تتنكر لوعودها، فقد كان بمستطاع فريق نبيل القروي داخل البرلمان الانضمام في أي لحظة إلى القوى السياسية المطالبة بسحب الثقة من الغنوشي الذي بدا ضعيفا وعاجزا عن استيعاب الاختلافات الدامية التي تجري تحت أنظاره، بل وجعل نفسه لقمة سائغة لمعارضته الشرسة زعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي. ولذلك لم يكن أمام النهضة حفاظا على كرسي باردو إلا إسقاط الحكومة التي هي جزء منها تحت غطاء تضارب المصالح.
ورغم وجود اقتناع بأن التركيبة الحكومية التي شكلها إلياس الفخفاخ هي أفضل ما يمكن إيجاده في ظل النظام السياسي الراهن بتناقضاته المختلفة وما أفضت إليه الانتخابات، ورغم ما أظهرته هذه الحكومة من جدية في مباشرة الملفات الكبرى ومواجهة أزمة كورونا فإن وعد الغنوشي لنبيل القروي الذي يشبه وعد بلفور (وعد من لا يملك لمن لا يستحق) قد أفضى بنا إلى حكومة جديدة اختار لها الرئيس موظفا ساميا ينتمي إلى سلك الإدارة وبلا سجل سياسي بغاية التحكم في اختياراته بسهولة، لكن المشيشي فهم درس الفخفاخ جيدا وأراد أن يتجنبه بتشكيل حزام سياسي يلائم تطلعاته واقترح تغييرا وزاريا يرضي الثنائي النهضة وقلب تونس وحاز على ثقة البرلمان. وهنا تدخل الرئيس لتعطيل الصفقة بالامتناع عن تمكين الوزراء الجدد من أداء اليمين.

نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس