كانت أول مواجهة ميكروفونية لي مع الرائعين محمود درويش وسميح القاسم في كواليس المسرح البلدي بتونس العاصمة صائفة 1994، كانت ليلة الوداع التي توجت رمزيا إقامة فلسطينية في تونس دامت اثنتي عشرة سنة وامتزج فيها دم الشعبين، في تلك الليلة أطلق درويش جملته التي صارت فيما بعد دعاية فولكلورية: كيف نشفى من حب تونس؟ وبكى وهو يوصينا خيرا بالشهداء الذين لن يعودوا إلى ما تبقى من أرض فلسطين.
كان محمود درويش يلتهم الأضواء من كل المحيطين به ويختزل الشعر الفلسطيني كله ولم يكن ذلك ليثير حفيظة أحد، لا سميح القاسم صاحب القصيدة الشهيرة: “تقدموا تقدموا كل سماء فوقكم جهنم وكل أرض تحتكم جهنم تقدموا…”، ولا أحمد دحبور صاحب القصيدة الزجلية الرائعة: “يما مويل الهوى يما مويلية ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّ” كنا نعرف القصائد والأغاني ولا نعرف أسماء الشعراء فقد كان درويش هو فلسطين. وكثير من القراء اهتدوا إلى سميح القاسم من خلال الرسائل الشهيرة المتبادلة بينهما، ولم يكن ثمة أفضل من سميح القاسم لاستقبال رفات درويش في رام الله عندما عاد من رحلته الأخيرة إلى قطعة من أرض الوطن.
في تلك الليلة سهرت مع بعض الأصدقاء حتى الفجر في أحد مقاهي باب سويقة أنتظر تحرك سيارات الأجرة الأولى في اتجاه المنستير، وقدمنا مقتطفات من الحوار مع الشاعرين في نشرة السابعة والنصف صباحا للأنباء تمهيدا لعرض السهرة كاملة في السهرة الأسبوعية “قمر لكل الليالي”، في تلك الأيام كان لقاء إذاعي مع شاعر يستحق البث في نشرة إخبارية رئيسية وكانت تحدث مفاجآت جميلة لبعض زملائنا كأن ينزل ياسر عرفات دون إعلام مسبق ضيفا على سهرة إذاعية تحيي ذكرى الشاعر معين بسيسو! يا لتلك الأيام!! (أكمل القراءة…)
في وداع سميح القاسم
الجهاد المقدس على “فيسبوك”
بقلم الدكتور ألفرد عصفور:
خلال الأيام الأخيرة ازدحم موقع “فيسبوك” الى حد الانفجار تعليقا وتعقيبا وإبداعا, إزاء ما يجري من أحداث في الشرق الأوسط. فكل على ما يبدو يغني على ليلاه وهذا مثل ينطبق بدقة على ساحة “فيسبوك”. فلكل ما يغني له أو يبكي عليه.
قليلا ما أشارك في التعليقات على هذا الموقع الالكتروني ولكني كثيرا ما أتابع وأدقق فيما يكتبه اصدقاء ال¯ “فيسبوك” وهم يزيدون عن ستمئة.
في المتابعة ال¯ “فيسبوك” نجد بعض الأصدقاء في واد والعالم في واد آخر. فتراه لا يزال, برغم الأحداث الدموية الكبرى في المنطقة, يرسل المضحكات والطرائف ودعوات للمشاركة في الألعاب, أو المسليات, وآخرون يرسلون صور مناسباتهم الخاصة, وكأنهم يقولون للعالم اتركونا نعيش حياتنا بطريقتنا.
الأحداث الجارية في المنطقة ومن خلال التعليقات عليها عبر “فيسبوك” والمشاركات المختلفة والمتناقضة كشفت الكثير من مكنونات النفوس. فإلى جانب الفريق الذي لا يريد أن يسجل أي موقف قد يحسب عليه مكتفيا بالتفرج والنأي بالنفس, هناك الفريق الذي اعتبر الأمر معركته التي كان ينتظرها, وجهاده المقدس الذي يتمنى الاستشهاد فيه. فترى هذا الفريق يرسل في الساعة الواحدة أكثر من عشرة “بوستات” مختلفة لكنها في مجال واحد وقضية واحدة. في متابعة “”بوستات”” “فيسبوك” هذا الأسبوع نجد عودة قوية إلى الغيبيات والأدعية والتمنيات, وثمة عودة قوية لفكرة المؤامرة الخفية التي تستهدف الوطن العربي ودينه ومقدساته. رأيت هذا الأسبوع على “فيسبوك” أدعية وأحاديث وآيات كأنما نسمعها ونراها للمرة الأولى وكأنها نزلت اليوم مثلما قال عمر “رضي الله عنه”. (أكمل القراءة…)
فرحة شعب
أنْصتَتْ إلى المذياع بانتباه شديد ولم تفهم شيئا، فأيقظتني بصوت مرتعش من سُباتي العميق. كانت شمسُ الخريف الناعمةُ قد غمرت غابات الزياتين وتسللت من شقوق النافذة القديمة إلى بيتنا القرويّ الصغير، فانتزعتُ نفسي من مخالب النوم ورافقتها بتثاقل إلى حيث يقبع الراديو لا يفارق سرير نومها الخشبي العتيق.
– بورقيبة مات ؟
تساءلت أمي في حيرة وخوف ووجل فطمأنتها ضاحكا:
– لا لم يمت، ولكنه لم يَـعُـدْ رئيس الجمهورية.
لقد صار هذا المشهد وشما في ذاكرتي وعلامةً في ذاكرةِ تلك الأيام…
إنه باب حديديّ أُغـلق في منطقة ما بين الضوء والعتمة، فتـبعثرت أصداءُ صريره الحادّ فيما وراء آفاق الروح…
أصغينا إلى البيان التاريخي الشهير معا، وأخذ كلُّ واحد منا يبحث في مرآته عن أدوات يشدّ بها توازنه في المشهد الجديد: الحياة دون توجيهات السيد الرئيس
سَحبْتُ أمي يومها من شؤونها الصغيرة إلى الغرفة الضيقة ثم وضعتُ شريطا قديما مُهترئا سجّلتُ عليه أغنيةَ عبد الحليم حافظ في عيد ميلاد الزعيم، وأخذتُ أصِفُ متخيّلا مشاهدَ كُـنّا نراها في عشايا الصيف في تلفزيوننا الأسود والأبيض ضمن برنامج “فرحة شعب” الذي يصوّر وقائع احتفالات ولايات الجمهورية بعيد ميلاد “محرّر المرأة وباني مجد تونس ودولتها الحديثة فخامة المجاهد الأكبر الرئيس الحبيب بورقيبة”.
في تلك اللحظات الأولى من “فجر التغيـير” كنتُ كمن يفتح خزائن اللاوعي على مصراعيها ليستخرج منها محفوظات باليةً غمرها النسيان منذ زمن قديم أو كمن ينفخُ في رماد الوقت ليَـدْفأَ بالشُّـعلة الباقية…
كانت الموسيقى المُهترئة توقظ شهوة الأفعى النائمة في أعماق جيل عذّبــته أعيادُ الميلاد بينما كانت تهطل كالأمطار الكئيبة في أعماقِ أمّي…
كنت أصِفُ صُوَرًا لطالما نظرنا إليها ولم نَـرها فقد فقدت من فرط التكرار والضرورة طراوتها، ولكنّها يومها خرجت من دولاب الأسرار مُـشرقةً نابضةً بالحياة…
كانت تنهمر من عينيها الدّموعُ وأنا أصفُ تفاصيل المشهد: كسوةَ الزعيم البيضاءَ ومشمومَ الفل والعصا والنظارات وضجيجَ الصغار المصطفين على جانبي الطريق يُـلوّحونَ بأياديهم الصغيرة إلى الشّــيخِ الهرم كمن يرى إلى جبل من الذكريات يتحرّك فوق أديم الوقت.
لم أكن لأتفطن لحظتـئذٍ إلى أنها كانت تعيش وداعا عاطفيا جارحا، فقد احتفظ بورقيبة بأبوته الرمزية الشاهقة في ذاكرة من عاشوا معه تلك اللحظات التاريخية الحارّة: يوم نزوله في ميناء حلق الوادي تحت وقع الزغاريد الشعبية العارمة، ويوم رفع سمّاعة الهاتف ليسمع من الباهي الأدغم الوزير الأول نبأ خروج آخر جندي فرنسي من قاعدة بنزرت العسكرية وذكريات الفرح العفوي في القرى المنسية يوم أعاد ثمن الـخُبز إلى ما يناسب جيوب الفقراء…
كنّا آنذاك نتسلّق باندفاع هادر سنوات المراهقة الصعبة، غير ملتفتين إلى الوراء فليس ثمّة ما يستحق الاهتمام، نتمشى في معابر الجامعة وممرّاتها كمن يتمشى في غابة أحلامه الرائعة، تتبدّد الساعات المتثاقلة بين قصائد أبي القاسم الشابي ومذكرات بابلو نيرودا، بين غبار أيام العرب و ذباب صبرا وشاتيلا، بين عذابات المتنبي وارتعاشة الموت على شفتي أمل دنقل، المجد للشيطان…
مشاهدُ متوهجة لم تتحلّل بعد، المدينة تنهض من نومها المضطرب لتعانق يومها من وراء القضبان، الزوار غير المتوقعين يتمازج وقع أحذيتهم بأذان الفجر القادم من بعيد، أبواب تفتح، تغلق، حركات مريبة في سلالم المبيت الجامعي، أضواء تشتعل وتنطفئ في الخارج، أصوات مكتومة، روائح غامضة، الصباح المطل من وراء الأفق مثل زهرة برية ناعمة، وتفاصيل الخريف المعتادة: الحافلات الصفراء في محطة باب الخضراء ورائحة السّمك الصفاقسي المُجفّف في سوق سيدي البحري، طعمُ القهوة المُـرّة تحت ظلال الانتظار في حديقة البلفيدير وصوت أم كلثوم تغني للأمـل…
كانت الصورة تتآكل شيئا فشيئا وفرحة الشعب بعيد الميلاد لن تنغصها غير بعض القصائد الماكرة والأغاني المهربة والكتابات المشبوهة على جدران الليل أو على صفحات جرائد المقاومة…
تتداخل كلّ الألوان على قماش اللوحة، أصابع التاريخ تلقي بالفرشاة في عصبية واضحة وترسم الظلال الأخيرة على تجاعيد وجه تونسي متغضن، عربات الوقت تتحرّك في المسافات الأخيرة، المساء مُزدحم في الأزقة العتيقة، النائمون على كراسي الحديقة يحلمون…
– بورقيبة مات ؟
– ثمّة احتمال أن يكون ذلك قد حدث منذ زمن بعيد.
كنا نعيش تلك الأيام مع صورة السيد الرئيس وتوجيهاته وعصاه وذكرياته، وكانت صور التلفزيون الشاحبة جزءا من المشهد اليومي نطمئن بها إلى أن لا شيء يستحق الاهتمام.
فجأة انتهى كل شيء وغادر الرئيس شاشة التلفزيون ليعيش عزلته الأخيرة في دعة واطمئنان ويستسلم لذكرياته الحارة المشوّقة…
ظلت أمي تذرف الدموع كلما أسمعتها أغنية عبد الحليم حافظ في عيد ميلاد الزعيم قبل أن أفقد الشريط المهترئ إلى الأبد…
في السنة الموالية انتدبت للعمل بالوظيفة العمومية…
اقتنيت بالتقسيط تلفازا مُلـوّنا لمشاهدة الفوازير والاستمتاع بالمسلسلات المصرية…
رحمك الله يا أمّي لقد تغـيّر العالم كثيرا من بعدنا…
يوسف رزوقة الشاعر المختلف

يوسف رزوقة
يصعب تصنيف الكاتب يوسف رزوقة ضمن تيار بعينه من تيارات الكتابة الحديثة في تونس وذلك على الأقل لثلاثة أسباب موضوعية، أولها تبعثر التيارات الأدبية المحلية منذ نهاية الثمانينات وتلاشيها في أصوات منفردة رغم كل محاولات تجميعها اللاحقة، وثانيها غزارة إنتاج الكاتب فهو أكثر شعراء جيله إصدارا للمؤلفات بل لعله يمثل ظاهرة فريدة في تونس التي يتسم إنتاج كتابها ومثقفيها بالندرة بدءا من أبي القاسم الشابي وصولا إلى محمود المسعدي، وثالث هذه الأسباب تنوع تجربة الكتابة لدى يوسف رزوقة فقد جمع بين لغات شتى ووظف ذلك ليكون بمحض مبادرته جسرا بين الثقافة العربية في شمال افريقيا ونظيرتها في أمريكا اللاتينية، وهو ينتقل جيئة وذهابا بين الشعر والرواية وإن كان لا يتفرد بهذا إذ درج كثير من الشعراء على الانتقال في مراحل متقدمة من تجاربهم إلى السرد مستثمرين حوار الأجناس في أعمالهم لاكتشاف مناطق جديدة في التجريب الإبداعي. (أكمل القراءة…)
لا تنظروا خلفكم
قبل أن تدخُلُوا جنّة الشُّهداء
انظروا هل بقايا دمٍ علِقتْ بخُطاكم
وهل نسيَ الموتُ بعضًا من الأمنياتِ على جُدُرانِ صِباكُم
فقد كان مرتبكًا
وهو يأخذكم واحدا واحدا
قبل موعِدِكُمْ
في الطريق التي لم تُهيأ لكُمْ
انما لسِواكُمْ
ولا تنظرُوا خلفكمْ
المراثي بقايا النبوءاتِ
جوعُ الغريزةِ
بابُ القيامةِ
حين تعود الجماعة من قتلكمْ
لصلاة الجماعةِ
لا تنظُروا خلفكُم
البلاد تنُوء بأحمالهَا
وغدا سوف نحلُم أوضحَ من حُلمِكُم
لنَراكُمْ
لن أصمت بعد اليوم
صمت طويلا. قررت ألا أصمت بعد اليوم . هاكم لمحة سريعة عن القضية التي جعلتني أنقم أحيانا على أشياء كثيرة سبق أني تحدثت عنها منها أني تعلمت. لو لم أفعل لكنت في الشقاوة أنعم.
ملف القضية معروف في شأننا، الرؤساء المديرين العامين الذين تداولوا على المؤسسة منذ 2002. سأتحدث باسمي، فأنا سيد نفسي اليوم، و أترك لزملائي الحديث عن أنفسهم و إن كان ما سأقول يخص القضية فهو يخص الجميع.
التهمة الموجهة إلي هي أنني اشتريت برامج كاكتوس دون اللجوء إلى قانون الصفقات العمومية و بالمقايضة.سأترك الحديث عن القانون و عن المنطق جانبا الآن و أذكر لكم ما قاله رئيس الحكومة علي العريض قبل عام و نيف بتاريخ 30 ماي 2013.
1-المستوى السياسي
“أعلن رئيس الحكومة،علي العريض أنه تم الترخيص للتفزة التونسية وبصفة استثنائية باعتماد صيغة المقايضة بالمساحات الاشهارية بالنسبة لبرمجة شهر رمضان المقبل وذلك في إطار دعم مواردها”. و هاكم الرابط.
يعني هذا ببساطة شديدة أن السجان أقر صراحة أنه لم يكن في وسع التلفزة و لا في وسع المسجونين آنذاك و الممنوعين من السفر اليوم انتاج مواد درامية و غيرها لشهر رمضان بالموارد المخصصة للتلفزة ، و هذا بعد مغادرة كاكتوس بعامين مما يفترض أن الأوضاع تحسنت.
كان رد مجلس إدارة التلفزة الرفض لأنهم أدركوا أنه طُلب منهم فعل ما سُجن من أجله أربعة أشخاص أنا خامسهم. و كان رضا السعيدي المكلف بالملف الاقتصادي صرح قبلها في بداية أفريل بالشيء ذاته. .” أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم؟”
2- المستوى القانوني
ينص قانون عدد 33 لسنة 2007 المؤرخ في 4 جوان 2007 و المتعلق بالمؤسسات العمومية للقطاع السمعي والبصري على ما يلي في فصله السابع:
” تخضع صفقات المؤسسات العمومية للقطاع السمعي والبصري وكذلك الاتفاقيات التي يترتب عنها انعكاس مالي إلى التراتيب العامة في مادة الصفقات العمومية فيما يتعلق بنفقات التجهيز والتسيير العادي. وتُضبط بأمر أنظمة خاصة تحدد شروط وإجراءات اقتناء حقوق بث وملكية الأعمال السمعية البصرية وتنفيذها” (الرابط)
بربكم هل بعد هذا وضوح؟ ما الذي يخضع إلى التراتيب العامة المعمول بها في الصفقات العمومية؟ هي النفقات المتصلة بالتجهيز وبالتسيير العادي. و ماذا عن المواد السمعية البصرية ؟ أنظمة خاصة تُحدد شروط وإجراءات اقتناء حقوق بث وملكية الأعمال السمعية البصرية وتنفيذها.
ماذا يعني هذا؟ أن القانون يقر صراحة بأن المواد السمعية البصرية لا يمكن أن تخضع إلى تراتيب الصفقات العمومية. تخضع إلى أنظمة خاصة ، و كنا في أكتوبر 2010 بصدد وضع اللمسات الأخيرة لمشروع أمر ينظم هذا القطاع.
عندما جابهت من سألني عن ذلك أجابني بأنه كان على انتظار صدور الأوامر. يعني أمتنع عن شراء أي مضمون إعلامي بما في ذلك حقوق بث المقابلات الرياضية و الحال أني مطالب بالقانون أن أسهر على عدم توقف البث في الخدمة العامة. الأمر المنظم هذا لم يصدر إلى الآن. من كان يقبل التوقف عن بث مسلسلات في رمضان في انتظار أوامر لم تصدر إلى ال’ن؟ دعوا جانبا السياسة و ما يرافقها. هل هذا كلام معقول.
هل فهمتم الآن لماذا رخّص على العريض سنة 2013 للتلفزة بأن تقتني البرامج كما كانت تتعامل التلفزة مع كاكتوس و غيرها كمحمد الحناشي الذي كان يبيع التلفزة برامج سأحدثكم عنها لاحقا؟
3-المستوى المنطقي
لماذا لا يمكن لأي تلفزة في العالم ان تشتري مواد سمعية بصرية حسب قانون الصفقات العمومية؟ مبدأ الصفقة العمومية هو أن تنشر إعلانا تقول فيه المؤسسة كذا ستقتني السلعة الفلانية حسب مواصفات محددة، كأن تقول 100 كرسي من المادة الفلانية بحجم كذا تتحمل الوزن الفلاني…. تتلقى ثلاثة عروض و يجبرك القانون على الابقاء على العرض الأقل ثمنا. تصوروا أن التلفزة تنشر إعلانا لاقتناء مسلسل؟ ما هي المواصفات التي ستحددها ؟ و إن هي حددتها هذا يقتضي أن تكون المسلسلات الثلاثة متطابقة في كل شيء حتى تأخذ الاقل ثمنا. متطابقة في كل شيء. هل هذا معقول؟
فلنفترض أنه ممكن. و سنتغلب على قانون الجاذبية. من من المنتجين يخاطر بإنتاج مسلسل كلفته 2 مليارات و هو يعلم ان له حظا على ثلاثة ليُبقى على مسلسله؟ و هل يمكن الإكتفاء بحلقة واحدة لتقييم المسلسل. العارفون بالعمل التلفزي يعلمون أن هذه نكتة لأن 15 حلقة من مسلسل واحد تنتج بشكل متواز.
تصوروا أن وزارة الثقافة تتصرف بالمنطق نفسه؟ تحدد شروطا و تنتظر ثلاث فاطمات بو ساحة و تأخذ الفاطمة الأقل سعرا؟ و هذا يقتضي بطبيعة الأمر استنساخ المرأة ثلاث مرات…عندما جاءت وزارة الثقافة بأزنافور، هل اتبعت مسلك الصفقات العمومية؟
هل فهمتم الآن أنني سجنت ظلما مرتين و منعت من السفر ظلما و لطخت سمعتي ظلما حتى البارحة على الفيس بوك؟
ماذا بقي؟ التجاوز في الإشهار. جيد. هاكم التفسير: لما تم فصل الإذاعة عن التلفزة عام 2007 لم يُحدث هيكل تنظيمي للتلفزة عندما أصبحت مستقلة عن الإذاعة. لما توليت منصبي في جويلة 2009 سألت عن ذلك و قدموا لي مشروعا أعده سلفي و رفضته سلطة الإشراف و قُدم لي ذلك في سبتمبر 2009. و بدأنا بالاشتغال على ذلك و طالبت النقابة في مفاوضات مضنية مطالب كثيرة من بيينها المشاركة في إعداد الهيكل التنظيمي. و كنت منشغلا بنقل التلفزة إلى مقرها الجديد بسواعد بنات التلفزة و أبنائها. لن أفصل و سأكتفي بالقول إن قنوات تلفزية فرنسية استعانت بالأمريكان…
و ما لم يكن هنك هيكل جديد يبقى الهيكل التنظيمي القديم ساري المفعول، و هو أمر عدد 1296 بتاريخ 4 جوان 1999. ماذا نجد في هذا النص:
الفصل 36 يقول: “تكلف إدارة القناة الوطنية –قناة 7 خاصة- بإعداد و ضبط سياسة المؤسسة في ميدان البرامج التلفزية و بالعمل على الإرتقاء بالثقافة و الحضارة التونسية و بالقيام بالإنتاج الخاص بالقناة و بالبرمجة و البث و متابعة البرامج التلفزية”.
الفصل 38 يتحدث عن المصلحة الفرعية لبرمجة قناة تونس 7 التي تشتمل على مصلحتين:
-مصلحة البرمجة و مرافبة البث
-مصلحة مشاهدة البرامج.
كل هذا تحت إشراف مدير قناة تونس 7. فمن هو مطالب بأن يرى التجاوز في حجم الإشهار؟ هل الرئيس المدير العام أم أناس آخرون؟
ملاحظة: كل كلمة قلتها هنا و سأقولها موثقة إما نصا أو شهادة.
د محمد الفهري شلبي
———————
المزيد حول نفس الموضوع
كوابيس المرحلة
قراءة في مجموعة الأنين المتصاعد من أحلام النيام لعامر بوعزة
بقلم رياض خليف
مازال النص الشعري في تونس يحمل شحنة كبيرة من القلق والتأزم عاكسا حالة اللا استقرار التي سطت على الوضع منذ مدة. فأغلب النصوص التي تظهر في السنوات الأخيرة لم تكتم الحزن والحيرة والضياع عكس ما كان منتظرا وعلى خلاف التاريخ العربي الذي عرف فيه الأدب موجة فرح عقب الأحداث السياسية الكبرى .. ولعل أخر الأعمال الصادرة والتي تجسد هذا المشهد الشعري كتاب “الأنين المتصاعد من أحلام النيام” الذي أصدره الأستاذ عامر بوعزة في القاهرة مؤخرا .. فهذا الكتاب أضاف للمدونة التونسية نصا آخر يغلب عليه التوتر وهو ما يسهل على القارئ اقتناصه…
تقاطعات العناوين
على غير عادة شعراء العصر الذين اعتادوا اختيار عنوان داخلي كعنوان رئيسي يأتي هذا العنوان وهو ما يعطيه قيمة أخرى تسيطر على كل عناوين القصائد فهو عنوان جامع ومؤثر بالتأكيد …
على مستوى الشكل ورد هذا العنوان مركبا وفيه الإضافة والنعت والجر أما العناوين الداخلية فعشرة منها ذات مفردة واحدة مقابل ثلاث عناوين مركبة…
أما معجميا فيلتقي العنوان مع هذه العناوين الداخلية قي معجم التوتر (انين. رحيل. اسئلة. رصيف. موت) كما يلتقي معها في معجم الحلم (احلام. رؤيا. سفر. بحر. ضوء…)
هذه التقاطعات توحي بان الكاتب يعد كل هذا المحتوى في باب الأنين والحلم المزعج هي رائحة الكابوس يطلقها هذا العنوان الرئيسي فالأحلام التي ينبعث منها الأنين هي الكوابيس المزعجة…ربما اراد الشاعر تصوير ثنائية الحلم والألم التي نعيشها في لحظتنا المعاصرة التي ارتبطت بها جملة مكن نصوص عمله… (أكمل القراءة…)
ساعةُ الرئيسِ الـمُعطَّلة
أعتذر سيدي الرئيس فأنا لم أشاهدك وأنت تفتح دولاب أسرارك في التلفزيون لمن يجرؤ فقط، الذنب ليس ذنبي، ليلتها كنت منشغلا بما كتبه على حائط بيته الافتراضي صديقي الأستاذ محمد الفهري شلبي فلم أشاهدك سيدي الرئيس.
لم أستطع النظر في وجهك رغم أنك رئيس البلاد (لاحظ أنني لا أستعمل لفظ المؤقت، فهي عبارة بلا معنى، وها هي الأيام المؤقتة تتمطط وتتمطط لتطول وتطول وتلتفّ حول أعناقنا كالأفاعي لتخنقنا، الذنب ليس ذنبك أنت أيضا فأنت الوحيد تقريبا الذي لم تنطل عليه حكاية العام)
كنت تتحدث في قناة التونسية التي أسسها سامي الفهري لبث برامج شركة كاكتوس بعد أن أغلقت أمامه أبواب القناة التلفزيونية العمومية، (قناة البيليك)، حدث ذلك بعد 14 جانفي.
لم أشاهدك ولم أتبيّن من اللغط الذي رافق بث البرنامج غير تلميحات مناوئة من هنا وهناك حول الساعة الرئاسية المعطلة التي لم ينتبه إليها مستشاروك، قبل بدء التسجيل.
سأشرح لك الأمر قليلا، فالرئيسُ ليس شمسا لتشرق على كل شيء.
الأستاذ محمد الفهري شلبي أحد مديري التلفزيون السابقين لفترة قصيرة لكنها كانت كافية لتجعله يقف أمام العدالة في قضية كاكتوس الشهيرة.
(طبعا ستقول في سرّك أو في علنك أنك غير معني بهذا، فمِن وجهة نظر “الثورة” في عقلها الانتهازي كل من عمل مع بن علي لا بدّ أن يدفع الثمن (هكذا!) وأن العدالة حرّة مستقلّة سيدة قرارها سواء أتعلق الأمر بقضية زطلة أم بقضية اغتصاب أو أموال عامة، ونحن لا نختلف معك في هذا بل نضيف إليه تواضع صلاحيات الرئاسة ورخاوة هذه القضية العجيبة لنقول لك إننا لا نأمل من سيادتكم شيئا وأن مخاطبتكم عبر هذه الرسالة هي حيلة شيطانية من حيل الكتابة لا غير).
عفوا سيدي الرئيس، هل تذكرت هذه القضية؟ هل تعرف تفاصيلها؟ هل تعني لك شيئا؟
إنها القضية الوحيدة الباقية من قضايا الثورة! (أكمل القراءة…)
حضر موت
ينتهي عنده الوقتُ
هذا الرصيفُ القديمْ
صورةٌ يتلألأُ في ضَوئِها
شجرُ الذكرياتِ وماءُ الحنينْ
إنّها الأبجديةُ في حضْر موتْ،
قطار يشقُّ المساءَ
غيومٌ على وجه بحّارة قادمينْ
حضْرَ موتُ القصيدةُ والشّــفتانْ
لغةٌ تتمرّدُ
للحلْمِ رائحةُ البحرِ
عيناهُ ظامئتانْ
نشيدٌ على شفتيه
يداه مكبلتانْ إلى ظلِّهِ
كان حلْما جميلا
وأمطارُ نوفمْبَرٍ
دمعُهُ
فوق خدِّ الزمانْ
تلك ذاكرتي
خليــــــفة الأقـــــرع

سمير الوافي
صغار السن، الذين بالكاد يقرأون ما هو مقرر لهم في حصص التشجيع على المطالعة في مدارسهم لا يعرفون خليفة الأقرع!
هي قصة قصيرة للبشير خريف أب الرواية في تونس نشرها ضمن مجموعته القصصية مشموم الفل، وأخرجها للسينما حمودة بن حليمة تحكي عن رجل يحمل هذا الاسم لأنه مصاب بمرض جلدي في رأسه، وخولت له هذه العاهة أن يكون محلّ ثقة “رجال المدينة” فيدخل بيوتهم لقضاء حاجات شتى. لأنه أقرع دخل خليفة عالم النساء المغلق واكتشف أسرارهن وخطاياهن واستأنسن به في قضاء شؤونهن العاطفية المحرمة ونزواتهن. وكانت رسالة البشير خريف من وراء هذه الحكاية الطريفة واضحةً أراد أن يقول فيها إن الفساد الأخلاقي لا صلة له بالتحرّر، فهو ينقد بسخرية لاذعة المجتمع التقليدي المحافظ الذي يبدو من الخارج مجتمع الفضيلة والصلاح بينما يكفي التسلل إلى داخله لاكتشاف كمّ هائل من الرذائل، ورجال الحومة في هذه القصة كانوا يعتقدون أن خليفة الأقرع برأس سليم يغطيه الشعر سيكون رجلا “كاملا” ولن يحق له دخول بيوتهم لأنه سيحمل معه فيروس الرذيلة دون أن ينتبهوا إلى أن الرّذيلة تسكن بيوتهم! ولهذا نرى بطل القصة عند بوبكر الدقاز يطلب منه أن يفعل له شيئا لتبقى الدملة في رأسه فهي جواز سفره إلى عالم الحريم والأسرار الدافئة، تلك الدملة منحته معرفة كاملة رغم أنهم من خارج الدائرة المغلقة يعتبرونه رجلا ناقصا. (أكمل القراءة…)










