Tag: محمد المؤدب

الذئاب والنــــــعاج

صدرت خلال الأسبوع الماضي إشارات رفيعة المستوى اعتبرت رسائلَ موجهةً إلى الرئيس المدير العام لدار الصباح تدعوه إلى الاستقالة بعد أن صار الوضع محرجا أكثر مما يجب، من هذه الإشارات قولُ أحد أعضاء الحكومة إن قضية دار الصباح أصبحت قضية كرامة واستغرابُه من إصرار الرجل على منصبه بعد أن رفضه الجميع. من هذه الإشارات أيضا عدم استبعاد مستشار سياسي كل الاحتمالات في هذه القضية وهو ما قد يمثل دليلا على أن الترويكا بصدد البحث عن الصيغة الأقل إحراجا للخروج من عنق الزجاجة.

لكن الرسالة رغم وضوحها الشديد لم تصل إلى وجهتها، مما يدل على أن كثيرا من “رجال المرحلة” لم يستوعبوا الدرس الأكثر أهمية في سياق الثورة التونسية، كونَها ثورةَ كرامة قبل كل شيء، والغريب أنهم يتشبثون بالمناصب التي وضعوا فيها خطأ كما يتشبث الغريق بحطام المركب!

تحضرني في هذا السياق ثلاثة مواقف متناقضة، أولها موقف الشاعر الكبير المنصف الوهايبي الذي عين في ظل حكومة محمد الغنوشي على رأس إذاعة المنستير لكنه لم يعد إليها بعد حفل التعيـين انتصارا لكرامته وعلو همته والحال أن لو بقي لما كان أسوأ ممن جاء بعده!

والموقف الثاني المناقض له موقف من جاء بعده وأعني الدكتور جميل بن علي الذي لم يستوعب من درس الوهايبي شيئا! واستمات في التشبث بكرسيه حتى رفض مشاركة زملائه الاستقالة تعاطفا مع الحبيب بلعيد الذي أقيل بطريقة مهينة. وفي تقرير تلفزي شوهد وهو يواجه بلامبالاة مستفزة الأجواءَ المحتقنةَ التي بلغتها الإذاعةُ بعد عام من توليه إدارتَها وكأن الذين تجمهروا أمام مكتبه رافعين شعار ديقاج، يصرخون في واد بلا قاع أو كأنهم بعض من شعب الموزمبيق! رغم أنه كان يبدو في مكتبه كمن وقع في مصْــيَدة ولم يتسنّ له الخروجُ إلى سيارته إلا تحت حماية الجيش!!، ولكن يبدو أن الجهات الحكومية التي تقف وراء التعيينات في قطاع الإعلام تـــثمن هذا التنازل الطوعي عن الكرامة لفائدة الكرسي، فكافأت إصراره على البقاء بلا قيد أو شرط بمنصب مهم في رئاسة المؤسسة موهمة المحتجين بأنها قد استجابت لطلبهم!!

أما الموقف الثالث فهو موقف الصحفي البشير الصغاري الذي عاد من قناة الجزيرة ليتولى إدارة نفس المؤسسة بعد أن غادرها صاحبنا المذكور أعلاه في اتجاه العاصمة، لكنه خير بعد شهر فقط رفع الراية البيضاء وعاد إلى ميدان الكفاح الأصلي، بلاط صاحبة الجلالة مفضلا شرف المهنة على أن يكون دمية تحركها أطراف أخرى عن بعد، والغريب أن استقالته قوبلت بلامبالاة باردة، فلم يدعه أحد للتوضيح وفضح الأسباب.

القضية برمتها وانطلاقا من هذه النماذج لا تخرج عن نطاق الحكمة القديمة: لم تكن الذئاب لتكون ذئابا لو لم تكن النعاج نعاجا، فالحكومات على اختلاف ألوانها تــــتذأببُ حينما تجد من يسير في ركابها سير النعاج. والذين تلونوا كالحرباء وصاروا يتودّدون للحكومة من أجل الظفر بغنيمة ضاربين بكرامتهم عرض الحائط هم أشدّ خطرا على تونس من الحكومة ذاتها إذا ما أخطأت!

————————————————————

للمزيد حول هذا الموضوع شاهد فيديو طرد جميل بن علي من إذاعة المنستير

elaa


الإذاعة التونسية من عثمان الكعاك إلى محمد المؤدب

كثيرا ما نرى في منابر الحوار التلفزية من يدافع بقوة عن تعيينات حكومة الترويكا، وحجته في ذلك أن الكفاءة هي المعيار الأول، وعادة ما يكون أصحاب هذا الرأي من المنتمين إلى حزب النهضة لأن الحديث عن الولاء موصول بهذا الحزب دون سواه.

ومن الضروري قبل الاسترسال في عرض وجهة النظر هذه التـنويه إلى أننا نتوخى في مقاربة الواقع السياسي منهجا وسطا ما أمكن، فالنهضة شريك أساسي في الانتقال الديمقراطي ولا يمكن تخيل وضع سياسي يستثنيها لكنها غير معصومة من الخطأ.

يبدو إذن إصرار المتحدثين باسم النهضة على أولوية الكفاءة في كثير من المناصب الحساسة خصوصا في مؤسسات الإعلام أمرا يحتاج إلى نقاش، ما يؤكد ذلك هو أن التعيينات في هذا القطاع شكلت منذ مباشرة الحكومة أعمالها نقطة الصدام المركزية مع المعارضة وسائر مكونات المجتمع المدني، والمثل الأكثر دلالة على ضبابية المسألة يقع في شارع الحرية، فمؤسسة الإذاعة تضم تسع إذاعات جهوية بالإضافة إلى المجلة والبوابة الالكترونية، وهو ما يجعلها تقريبا أضخم مؤسسة إعلامية وطنية عدّة وعتادا.

لقد عينت الحكومة على رأس الإذاعة التونسية أحد موظفيها بطريقة غامضة، فقد انتبه البعض بمحض الصدفة لا غير إلى أن الرائد الرسمي يتضمن تسمية مدير عام جديد والحال أن السابق ظلّ يمارس وظيفته دون أن ينبهه أحد إلى أنه قد أقيل، ولو لا ألطاف الله التي دفعت بسائقه الشخصي إلى إعلامه بالأمر لظلّ الوضع على حاله حتى الساعة…!

والرئيس المدير العام الجديد رئيس مصلحة مغمور بالإذاعة فما الذي جعله يحظى بثقة الحكومة ليترأس مجلس إدارة يشرف على تسع مؤسسات؟ هل اختير على أساس الولاء؟

تستدعي الإجابة عن هذا السؤال التذكير بأن المعني بالأمر من موظفي الدار وقد أهّــلَهُ التنظيم الهيكلي الجديد إلى الحصول على خطة وظيفية وهو ما يستبعد أي علاقة له بأي تنظيم محظور في العهد السابق لأن نظام بن علي كان شديد الحرص على مراجعة الملفات الأمنية لمنظوريه واستبعاد كل من حفت به الشبهات ولو من بعيد في الانتداب والترقية. كما يستبعد أن تكون النهضة عينته بسبب انتسابه إليها بعد الثورة فالمنطق السليم يفترض أن الأحق بالتسمية لو كانت بسبب الولاء هم قدامى المناضلين في الحزب الأجدر بالثقة من المتحولين.

النهضة براء إذن من تسمية محمد المؤدب رئيسا مديرا عاما للإذاعة على أساس الولاء، فهل تم ذلك على أساس الكفاءة؟

لقد اطلعنا على السيرة الذاتية للرئيس المدير العام الجديد في الصفحة السادسة من مجلة الإذاعة لشهر ماي 2012 في نسختها الأصلية، قبل أن يتم تأخير صدورها وإعادة طبع الصفحة لحذف الفقرة الخاصة بالر م ع الجديد. والفقرة المصنصرة تقول إن محمد المؤدب متحصل على الإجازة في الكهرباء وشهادة الدراسات المعمقة في الهندسة الكهربائية وهو بصدد إعداد دكتوراة حول معالجة الإشارة !. ولا أحد يعرف ما إذا كانت المؤسسة قد تكبدت خسائر إعادة طبع الصفحة إرضاء لتواضع المعني بالأمر وعدم رغبته في إطلاع العامة على مستواه العلمي المرموق،مأأم أم لتواضع السيرة الذاتية وفقرها المدقع مقارنة بسِيَرِ كل من تقلدوا أمر الإذاعة منذ عهد المرحوم عثمان الكعاك، وسيرة الرئيس المدير العام الجديد مقارنة بالمهمة التي تقلدها تبدو حجة كافية على أن تسميته لم تتم على أساس الكفاءة.

إن هذا الغموض الذي يفتح باب التأويلات والظنون على مصراعيه، لا يخدم الحكومة في شيء إذ يقيم الدليل على استخفافها بالمؤسسات العمومية ويقوي موقف أهل المهنة المطالبين بهيئة عليا مستقلة من مشمولاتها وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. 


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress