فخ العولمةوَصَفَ كتابُ فخّ العولمة بدقة ما حدث قبل حدوثه، ولم يكن ذلك تنبؤا بقدر ما كان استشرافا عميقا لما سيؤول إليه وضع الانسان والدولة في ظل دكتاتورية السوق والعولمة. فقد سارت الأمور في اتجاه مغاير لما بشّرت به الدعاية وانتهى الأمر إلى الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية على حد تعبير المؤلفين.

مع نمو العولمة ازدادت الفوارق بين البشر، وأصبحت نظرية الخُمُس الثري بمثابة الحتمية التاريخية، عشرون في المائة من السكان يمتلكون الثروة وثمانون في المائة سكانٌ فائضون عن الحاجة يعيش جزء كبير منهم بالتبرعات والإحسان والتكافل الاجتماعي. قلصت التكنولوجيا فرص العمل وألغت الفلسفةُ الليبراليةُ دورَ الدولة الاجتماعي واقتضت المديونية أن تنضبط الحكوماتُ بصرامة أمام مؤسسات النقد الدولية حيث يتحكم مضاربون كبار في اقتصاديات الدول وسياساتها من وراء وميض شاشات الكمبيوتر فتفاقم عجزها. كلُّ شيء كان مخططا له بدقة، والسؤال المحيّر حول: ماذا سنفعل بالفائضين عن الحاجة؟ كان مطروحا منذ البداية على منظري اقتصاد السوق، وقرّروا أن خليطا من التسلية المخدرة والتغذية الكافية يمكن أن يهدّئ خواطر المُحبطين. لن تلتزم مؤسسات الإنتاج بأي واجب اجتماعي تحت ضغط المنافسة التي تفرضها العولمة إذ الاهتمامُ بأمر العاطلين عن العمل هو من اختصاص جهات أخرى، وينبغي أن يقع عبء الأعمال الخيرية على عاتق الأفراد في مبادرات تضامنية يقومون بها لمساعدة بعضهم البعض. لقد أخذت المنافسة المعولمة تطحن الناس طحنا وتدمّر تماسكهم الاجتماعي، وقعنا في الفخّ، ولم يكن ثمة سبيل إلى القفز على هذه الهوة العميقة أو تجنبها، وأصبحت الهزات الاقتصادية تعصف بدول عريقة في الديمقراطية والرفاه الاجتماعي وتلقي بظلالها العميقة على أوضاع الناس فيها، أما في الدول التي تفتقر إلى الديمقراطية والتي كانت تتمتع في الماضي القريب بقدر نسبي من الرفاه الاجتماعي فإن الانقراض التدريجي للطبقة الوسطى وتوسع رقعة الفاقة والبؤس قادا إلى الانفجار.   (مواصلة القراءة…)