بشرى بالحاج حميدة

بشرى بالحاج حميدة

وتدخّلت العناية الإلهية في آخر لحظة لتنقذ التونسيين من الهبوط درجة أخرى في الحضيض، كان كل شيء على ما يرام هنا في القاع، إسفاف نسبي، وأحداث تسير ببطء وملل، حتى تكلّمت النّائبة في البرلمان بشرى بلحاج حميدة وقالت: إن طبيبة مُحجّبة في مستشفى الأطفال بباب سعدون رفضت فحص العضو الذكري لطفل في الثالثة عشرة من العمر.

 يا الله يا كريم، يا رحمن يا رحيم، خبر قُدّ على قياسنا، وها نحن ذا نتوكّل عليك لنشحذ سكاكين الفتنة ونعدّ لها ما استطعنا من العدّة، لنبحثْ أولا عن تسمية لائقة لوصف هذا القضيب العجيب الذي سيثير العجاجْ من باب سعدون إلى قرطاجْ، فعبارة “العضو الذكري” جافة ورخوة أكثر مما يلزم ولا تنتصب بشكل جيّد في ذاكرة السياسيين، سنستخدم عبارة “البشّولة” فهي أكثر بلاغة من “الزنّانة”، ولو شئنا لفرّكنا الرمّانة، فكتاب “الروض العاطر” يزخر بأسماء الأيور وصفاتها، لكن ليس هذا مقامها، فمربط البغل في هذه الحكاية هي عبارة “مُحجّبة”، التي ستعيدنا إلى المربّع الأول، “تغيير النمط”، وهلمّ جرّا من الفقاقيع التي ستقضي على هذا الملل.

فجأة تراجعت النائبة وأسقطت كل الحسابات في الماء، اعتذرت عن تسرّعها في نشر خبر تبيّن لها أنه كاذب، ولسحب البساط من تحت أقدام من سيلومونها أكّدت أيضا أنه كان ينبغي عليها التّثبت قبل نشر الخبر، ولسان حالها يقول: من اعترف بذنبه فلا إثم عليه، هكذا بكل بساطة تبخّرت حكاية الطبيبة المُحجّبة والبشّولة كأن لم تكن، والحال أنها حكاية متقنة الصنع يمكن أن تنطلي على الجميع، وكان يمكن أن تتصدّر أخبار البلاد في كبريات وكالات الأنباء لتعكس الصراع التراجيدي المزمن بين “الحداثيين والحداثيات” بوصفهم حرّاس “النمط”، والمحجّبين والمُحجّبات بوصفهم أعداءه.

لن نأسف كثيرا لضياع هذه الفرصة، فالقادم بلا شكّ سيكون أجمل، والأيام دائما حبلى بما يصعب تخيله،  عليك دائما أن تتوقع عند شراء علبة مفرقعات (الفوشيك) وجود واحدة أو أكثر لا تفرقع بشكل جيّد انما تطلق دخانا أبيض وهي تتمرّغ على الأرض، أطفال الثالثة عشرة يُسمّون هذه المفرقعات التي تسلّلت إليها الرطوبة فمنعتها من الفرقعة، “فسّاية” إذ أن صوتها يشبه صوت “الفسوة” وهي الظرطة المكتومة كما تعلمون.

القادم أجمل فمنصّات التواصل الاجتماعي وبلاتوهات الحوار السّياسي تحفل بالأكاذيب من كل نوع. الكذب أكثر السّلع رواجا، وله فوائد شتى، فوراء كل كذبة حقيقةٌ، لكنّ أكثر الناس لا يدركونْ، خذ مثلا حكاية الطبيبة المًحجبة والبشّولة، لك أن تُسميها “ضرطة” فلتت على حين غفلة، لكنها دليل قوي على أن كثيرا ممن يحترفون السّياسة اليوم في بلادنا لا يفعلون شيئا غير الضراط، كثير من السياسيين ونشطاء المجتمع المدني كان ينبغي أن يعتزلوا النشاط السياسي والحقوقي مباشرة مع رحيل بن علي إلى السعودية، فمواصفات دولة الاستبداد التي جعلتهم نجوما في عالم السياسة والمعارضة وحقوق الانسان تغيرت، وحرام ألاّ يُجازى هذا الشعب الذي ضحّى بالغالي والنفيس من أجل الديمقراطية الاّ بكثير من الفُساء.