يمينة الزغلامي

يمينة الزغلامي

تحولت قضية مضيفة الخطوط التونسية والحجاب إلى قضية رأي عام بعد أن تصدّت النائبة عن حركة النهضة بمجلس نواب الشعب يمينة الزغلامي للدفاع عن المضيفة ضد قوانين المؤسسة التي تشغلها. ويمكن إجمال آراء النائبة المحترمة في ثلاث نقاط: أولها ضرورة أن تتناسب الأنظمة الداخلية للمؤسسات مع ما جاء في الدستور، ثانيا تنزيل القضية في إطار حرصها والمجلس على الحقوق والحريات، وثالثا التزامها بأن يتبنى نواب المجلس قضية أي مواطن يلجأ إليه أيا كان انتماؤه السياسي وتنطوي هذه النقاط الثلاث على مغالطات استماتت النائبة في تغطيتها بالانفعال والصراخ والإيحاء بأن السعي حثيث إلى إعادة المنشور 108 الذي استخدم سابقا لمنع الزي الطائفي.
المغالطة الأولى تكمن في سحب مبدأ حرية الملبس الواردة في الدستور على الأنظمة الداخلية للمؤسسات، إذ تمثل هذه الأنظمة عقودا بين المؤسسة وموظفيها، والعقد شريعة المتعاقدين بما يجعل السياق مختلفا كليا عن أي تدخل سياسي أو إيديولوجي باسم السلطة، وما ينزع عن الأمر أي مظهر تعسفي هو البُعد الوظيفي للملبس، فالمظهر هنا هو أداة عمل مضيفة الطيران الأولى ولكل شركة طيران صورة خاصة تحرص عليها. وتتعلق المغالطة الثانية باعتبار النائبة أن القضية قضية حقوق وحريات وأن تدخلها للدفاع عن المضيفة إنما هو بسبب الخوف من التراجع عن المكاسب التي تحققت بفضل الدستور، إذ ليس يعرف لهذه النائبة ومن هم في صفها بمجلس نواب الشعب والمجلس التأسيسي مواقف تذكر في سياق الدفاع عن الحريات، بل إن كل فصول الدستور التي تدخل ضمن هذا الباب ما كانت لتنجو من مماحكات النهضة ودعواتها إلى فرض استثناءات بداعي تناسب حقوق الانسان الكونية مع الشريعة الإسلامية، كما لا يعرف للإخوان المسلمين في أي بلد يستفحلون به نضالٌ من أجل الديمقراطية والحرية إلا أن يكون مطيتهم في التمكين، من ثمة فإن الحرية التي يدافع عنها هؤلاء هي حريتهم هم في السيطرة على المجتمع وفرض الوصاية عليه. أما المغالطة الثالثة فتكمن في التزام النائبة بتبني قضية أي مواطن مهما كان انتماؤه السياسي فهي تستولي هنا بكل وضوح على جميع السلطات وتشلُّ أيدي الإدارة والقضاء وسائر المنظمات الموكول لها الدفاعُ عن حقوق العمال، وليس ذلك من مشمولات المجلس المختص في التشريع أساسا، أما الاستقواء بالمجلس ونوابه من قبل الموظف في قضية إدارية بحت فيدخل ضمن توجيه الرأي العام وإغراقه في قضايا وهمية يؤججها الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بينما لم تمرّ بمراحل التظلّم الأولى بعد عبر الإدارة والنقابة والقضاء، وما مرورها بهذا الشكل المفاجئ من قمرة القيادة في الطائرة إلى أحضان يمين الزغلامي في المجلس الا مبعث للريبة ولا شك!.

يبقى السؤال في النهاية، هل يتعلق الأمر بموقف فردي من النائبة يُفسّرُ بغلبة الطبع على التطبع، أم هو شغل سياسي متقن من جناح صارم داخل النهضة في وقت انشغل فيه الجميع بمواقف شيخ الحركة وتنازلاته الرشيقة حتى إذا ما تعلق الأمر بسؤال صحفي ماكر عن حقوق المثليين في بلد مسلم!