الكرنك نجيب محفوظ

الكرنك نجيب محفوظ

كتب أحد أبرز الحقوقيين التونسيين وهو يتأهب لدخول السجن سنة 2001 عن الجلاّد الذي ينتظره هناك ليحرُس عزلته ويذيقه من نار الاضطهاد صنوفا وألوانا، وتساءل بحسّه الحقوقي عن هذا الآدميّ الذي هو مواطن تونسيّ شبّ وترعرع في هذه الأرض ونَما وهو يتنشق هواءها ويكرع من مائها ويرتوي من نسغ جمالها، ولكنه انتهى جلاّدا في خدمة قضية قد تبدو له عادلةً منصفةً بينما تبدو لغيره ظالمةً جائرة.

هذه الفكرة التي قلّما يُـنتبَهُ إلى بداهتها ألهمت الأدباءََ والسينمائيين، ليس أدلّ على ذلك من فيلم “الكرنك” المأخوذ عن قصة لنجيب محفوظ أدان فيها القمع السياسي في عهد عبد الناصر والملاحقات التي استهدفت شباب الجامعات بمختلف انتماءاتهم الإيديولوجية لمجرّد نقدهم ثورةَ الضباط الأحرار، وتشير قرائنُ عديدةٌ إلى أن صورةَ الضابط الذي كان جلاَّدا قاسيا في المعتقل ثم صار إلى السجن بعد النكسة تتطابق مع صورة صلاح نصر مدير المخابرات العامة المصرية السابق الذي تمت محاكمته في قضية انحراف المخابرات الشهيرة في أعقاب نكسة 67، ويعتبر مشهدُ لقائِه وهو سجينٌ مع الطلبة الذين كان يُعذِّبهم من أقوى مشاهد الفيلم.

كما تُعتبر شخصية الضابط توفيق شركس (محمود عبد العزيز) في شريط “البريء” لوحيد حامد وعاطف الطيب أبرز نموذج سينمائي لهذه المفارقة، فهو المكلف بالإشراف على المعتقل الصحراوي الكائن في منطقة نائية من العالم يُعذب فيها “أعداء النظام” من الطلبة والمثقفين والنشطاء السياسيين بطريقة موغلة في الفظاعة، ولكننا نراه في اللقطات الأولى وهو يختار هدية ابنته في عيد ميلادها فيرفض أن يبتاع لها لعبةً في شكل “عسكر وحرامية” ويفضِّل اختيار آلة موسيقية ناعمة بما يعكس بوضوح هذا الازدواجَ الحادّ في شخصية الجلاّد التي قد

يدلُّ مظهرُهَا الخارجيُّ وهي بعيدةٌ عن سياقِها الوظيفي على غير ما تبطنه. (مواصلة القراءة…)