Tag: الإسلاميون في تونس

شاهد ما شافش حاجة

عامر بوعزة

عامر بوعزة

لا حديث في أوساط التونسيين في الفايسبوك هذه الأيام إلاّ خبر حذف الأزهر بلادنا من قائمة الدول الإسلامية، وذلك بعد أن تداولت صفحات وجرائد كثيرة مقالا يتيما صدر في بعض المواقع المصرية يتحدث عن امتعاض برلمانيين مصريين من قوانين تعتزم بلادنا سنّها يرونها مخالِفة للشريعة الإسلامية ويرون أن مؤسسة الأزهر ينبغي أن تكون المرجع الوحيد للفتوى في العالم الإسلامي.

هذه الزوبعة التي يخوض غمارها بكفاءة واقتدار فايسبوكيون أشاوس، تُذكّر بمقطع شهير من مسرحية عادل إمام “شاهد ما شافش حاجة” عندما يقول إن إدارة البريد ستحجز عدّة الهاتف إذا لم يبادر بخلاص معاليم الفاتورة، ثم فجأة يتذكّر أنه لا يملك هاتفا، فالأزهر إذن سيحذف تونس من قائمة لا وجود لها أصلا، وحتى إذا وجدت قائمة مثلها لدى جهة ما فإنها بلا قيمة إذا لم تكن لها حجية في نطاق العلاقات الدولية.

لم ينتبه أحد إذن في خضم هذه الحميّة “الوطنية” إلى أنه ليس ثمة شيء في العالم اسمه “قائمة الدول الإسلامية”، وأن مثل هذه القائمة لا توجد الا في الموسوعات والمعاجم لأغراض تربوية وتتضمن أسماء البلدان ذات الغالبية المسلمة والتي يجوز نعتها تبعا لذلك بدول إسلامية. وهناك أيضا منظمة التّعاون الإسلامي التي تأسّست سنة 1969 إثر حريق المسجد الأقصى ولها عضوية دائمة في الأمم المتحدة. لكن التّهافت على الأخبار المزيّفة في الفايسبوك يعطّل ملكة التمييز وآلة النقد لدى الجميع، لا سيّما بعد أن تسري الإشاعة سريان النار في الهشيم، وتتطور لتتّخذ أشكالا أخرى من التّفاعلات تنسي العموم منشأ الأكذوبة الأصلي وسخفها، فالتونسيون تجندوا في قضية الحال بمختلف أطيافهم الذهنية والثقافية للدّفاع عما يعتبرونه “اعتداء أزهريا” على دولة ذات سيادة، وانبروا كلّ من موقعه في الدفاع الالكتروني الذي يبدأ من التذكير بأنّ الجيش الذي أسّس القاهرة قد حطّ رحاله في مصر قادما من المهديّة ويصل حتى المعايرة والمفاضلة بين ما آلت إليه ثورة 14 يناير في تونس وما آلت إليه شقيقتها ثورة 25 يناير في مصر.

لجنة الحريات الفردية والمساواة

لجنة الحريات الفردية والمساواة

ثلاث حقائق لا غير في زوبعة الكذب هذه.

الحقيقة الأولى أن المواقع والصفحات التونسية التي بادرت إلى ترويج المقال المستورد عن امتعاض البرلمانيين المصريين ودعوتهم إلى أحقية الأزهر في احتكار الفتاوي هي صفحات ومواقع قريبة جدا من حركة النهضة ومتحدثة باسمها وهي تمثل الحاضنة الإعلامية للرأي العام الإسلامي القاعدي في تونس.

الحقيقة الثانية، أن هذه الحملة تبدو تبعا لذلك أقرب إلى خطة استنفار مدروسة منها إلى ردة فعل عفوية فهي تستحضر زوبعة أزهرية أخرى ثارت بمناسبة دعوة رئيس الجمهورية في عيد المرأة إلى النظر في قوانين الميراث والاتجاه بها نحو المساواة التامة بين الجنسين، وتفعل ذلك في وقت أوشكت فيه لجنة الحريات الفردية والمساواة التي شكلها رئيس الجمهورية على الفراغ من أعمالها وهي لجنة تضم في صفوفها أشخاصا يعتبرهم الإسلاميون استئصاليين.

الحقيقة الثالثة وهي بمثابة الخلاصة تتمثل في عدم قدرة القاعدة الإسلامية في تونس على التخلّص في مستوى الفعل من التبعيّة الإخوانية إلى مصر رغم تنصّل قياداتها في مستوى التنظير والخطاب الإعلامي من هذه التبعيّة وزعمها أنها قد تطوّرت في اتّجاه أن تكون حزبا مدنيّا يساهم في إدارة شؤون الحكم في ظل توافق واسع النطاق. فالاستقواء بمؤسسة الأزهر بإقحامها في جدل تونسي محض ليس الاّ مناورة سياسيّة تستفزّ حميّة العامّة وتوهم بأنّ الخطر التكفيري قادم من الخارج وصادر عن مؤسسة دينية رسمية لها مكانتها الاعتبارية في الذهنية الإسلامية بينما المحرّك الحقيقي للزوبعة داخلي معروف، ولا شكّ أن قلة من التونسيين ما تزال تتذكّر لهجة الاعتداد التي تحدث بها قياديّ نهضوي نافذ إبّان حكم الرئيس محمد مرسي أمام قواعد الحركة عن المظلّة المصرية التي لن تترك أحدا يناوئ حكم الإسلاميين في تونس.

هي زوبعة في كأس إذن، لكن ثمة من يترشف بهدوء هذه الزوابع ويقتات منها.


تونس بين تركيا وأفغانستان

تركيا أو أفغانستان ؟

تركيا أو أفغانستان ؟

من تداعيات عرض الشريط الإيراني بيرسيبوليس على قناة نسمة التلفزيونية، ارتفاع درجة الحرارة الثورية في الشارع التونسي، فقد انطلقت الحملة الانتخابية في جوّ من “الوفاق العام”  بعد نهاية آخر مطبات المرحلة الانتقالية ونعني بها مشروع الاستفتاء الذي لم يصمد لأسباب لوجيستية ولم يشقّ الصف السياسي بقدر ما وحّد اللاعبين الأساسيين حول جملة من الضوابط لرسم خطوط فترة ما بعد الانتخابات، ولكن لم يتسن لهذا الهدوء أن يتواصل وعاد مسلسل الصراع بين السلفيين والحداثيين إلى الواجهة ناسفا بعض المكاسب التي تحققت سياسيا في الفترة الماضية متهدّدا لا سلامة المسار الديمقراطي فحسب وإنما السلم الاجتماعي ومكتسبات المجتمع التونسي كذلك..

فلئن كانت النهضة تتقدّم إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بوصفها الحزب السياسي ذا المرجعية الدينية الأكثر ملاءمة لمقتضيات الانتقال الديمقراطي في تونس التي تنتمي إلى عصر الحداثة فإن مظاهرات “استعراض القوّة” عشية الجمعة 14 أكتوبر 2011 تكشف الوجه الآخر لرقعة الشطرنج السياسية ونحن في مفترق طرق تاريخي حاسم، إذ عبّرت الفصائل الأشدّ تطرفا ومغالاة عن وجودها وعن تطلعاتها لإعادة المجتمع قرونا إلى الوراء والتخلي عن منجزات الحداثة لأنها طبعا من منظورها تعتبر خروجا عن أحكام الشريعة. وهكذا يجد المواطن التونسي البسيط نفسه وهو الذي يخشى دائما على طمأنينته وأمنه موزعا بين مظهرين من مظاهر “الإسلام السياسي” أحدهما يناقض الآخر تماما، إنه يرى على شاشة التلفاز قياديين سياسيين إسلاميين غير ملتحين وبثياب افرنجية، يبتسمون ويتحدثون ويضحكون وينشئون التحالفات الخفية والعلنية حتى مع السياسيين المنعوتين تقليديا في الذهنية العامية بأنهم من أعداء الدين لأن الدين حسب مذهبهم هو أفيون الشعوب، وهو يرى في المظاهرات التي تندلع بين الفينة والأخرى نصرة لله ورسوله متدينين عتاة غلاظا شدادا يرتدون ملابس لا تشبه ما تعوّد التونسيون ارتداءه منذ قرون، هم في الغالب شبان في مقتبل العمر ومن آفاق اجتماعية متواضعة تتعلق الشعارات التي يرفعونها بالكراهية والانتقام والدعوة إلى تصفية الخصوم الكفار. (مواصلة القراءة…)


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress