Tag: تونس

ضدّ الحكومة

الحبيب الصيد رئيس الحكومة التونسية

الحبيب الصيد رئيس الحكومة التونسية

المشهد ذاته تقريبا تخيله منذ سنوات قليلة علاء الأسواني في روايته عمارة يعقوبيان، يقف الطالب المتفوق أمام لجنة من الضباط لدخول أكاديمية الشرطة، فلا يشفع له نبوغه لأنه ابن حارس عمارة ولا يحق له الانتساب إلى الشرطة. وقد لا ينتبه كثير من القراء والمتفرجين في غمرة الأحداث الكثيرة المتشعبة التي تفيض على جانبي الرواية إلى العداء الرمزي الذي نشب بين هذا الشاب بعد أن انتمى إلى الإخوان المسلمين والشرطة ممثلة في شاب آخر لا يختلف عنه في العمر لكن من الواضح أنه قادم من “وسط محترم” على حد عبارة وزير العدل المصري المخلوع في الواقع. لم يختر هذان الشابان مصيرهما، كل ما حدث أن الانتماء الطبقي حدّد لكل واحد منهما دوره في مسرحية الحياة: فجعل أحدهما ضحية والآخر جلادا، وينتهي الاثنان قتيلين في معركة ينبغي لكل طرف فيها أن يلغي الآخر.

يحدث هذا في الخيال ويتجسد ما يشبهه في الواقع، هناك في مصر التي يرى بعض السّاسة هنا في تونس أنها غادرت حديقة الربيع العربي وتركت شعبنا يرفل لوحده في غابةٍ أزهارُها تخلب الأنظار تحت سماء ديمقراطية لا يعكر صفوها شيء غير بعض الأحداث المتفرقة التي تبدو بلا قيمة تُذكر لدى صاحب السعادة من فرط لامبالاته بها، كالاحتجاجات الموسمية في الجنوب والمناطق الفقيرة المهمشة وهي تعيد بقوة إلى الواجهة متلازمة الديمقراطية والتنمية. نحن إذن أمام نموذجين مختلفين، هناك في القاهرة أغلق العسكر قوسي الربيع العربي وزجّوا بالإخوان في السجون بعد أن حملتهم الصناديق إلى السلطة، وهنا في تونس انتقال ديمقراطي يتعايش فيه الحزب الإسلامي القادر على تغيير جلده كلما اقتضى الأمر مع الدولة العميقة وسائر مكونات المجتمع، لكن هناك في ظلّ الدكتاتورية العائدة بقوة يستقيل الوزراء أو يقالون “احتراما للرأي العام”، وهنا في ظل الديمقراطية الناشئة لا يستقيل الوزراء ولا الرؤساء ولو سلح عليهم جمهور الفايسبوك ولو أصبحوا أضحوكة أو طراطيرَ، يتوهم البعض منهم أن استقالته من منصبه ستؤدي إلى انهيار الجمهورية على رؤوس الناس وكأنه المحور الذي تدور عليه دواليب الحكم. والاستقالة الوحيدة التي حصلت كانت بتوقيع وزير التربية في حكومة الترويكا، وهي استقالة كان يمكن أن توضع هي أيضا في كتاب غينيس للأرقام القياسية إلى جانب منجزاتنا التنموية الأخرى كأكبر علم مفروش في الصحراء وأكبر عصير برتقال فهو تقريبا الوزير الوحيد في العالم الذي ظلّ يزاول عمله في الوزارة وهو مستقيل دون أن يعرف أحد ما إذا كان مسؤولا عن قراراته في تلكم الفترة أم لا؟!

استُقيل وزير العدل المصري، وهو اشتقاق لغوي جميل يصف حالة من تُفرض عليه الاستقالة حفاظا على ماء الوجه، ولم يُستقَل أي وزير عندنا رغم الحماقات الكثيرة المتكررة، والحالات القليلة التي اضطرّ فيها الحاكم إلى تسليم الأمانة والهبوط من كرسي العرش كان ثمنها باهظا جدّا ولم تكن في كل الأحوال تعبر عن احترام الرأي العام بقدر ما كانت فرارا من جحيم مفتوح على مصراعيه، كذلك فعل حمادي الجبالي عند اغتيال شكري بلعيد  ومن بعده علي العريض بعد اغتيال محمد البراهمي، وكأن التداول على السلطة لدى هؤلاء لا يحتكم إلى معايير الإخفاق والنجاح في قلب معادلات التنمية والرفاه التقليدية وإنما في حاجة دائمة إلى قرابين بشرية. وقد اعترف مؤخرا المنصف المرزوقي وهو يرمّم ما تهدّم من تمثاله السياسي والحقوقي بأنه كان ينبغي عليه الاستقالة من منصبه عندما كان رئيسا مؤقتا للجمهورية لكن هذا الاعتراف المتأخر لا يزيد الرأي العام الا إحباطا إزاء عقلية التشبث بالسلطة التي لا يختلف فيها الحكام الجدد عن سابقيهم، فلا اختلاف بين قوله ذلك وقول بن علي في اللحظات الأخيرة “غلطوني”، ولا يضيف شيئا قوله وهو خارج السلطة “كان ينبغي أن أستقيل” الا المزيد من المرارة والسخرية.

يستقيل الوزراء في العالم المتحضر لا لأنهم مسؤولون بشكل مباشر على ما يحدث في وزاراتهم ولكن لأن مسؤوليتهم السياسية والأخلاقية تقتضي ذلك، فالاستقالة في حالات كثيرة رسالة إيجابية من الحاكم إلى المحكوم، ويمكنها في الوقت المناسب أن تنزع فتيل الأزمة قبل اشتعالها. والمتابع للشأن السياسي والاجتماعي في تونس بعد مضي مائة يوم من انتصاب حكومة الحبيب الصيد يمكنه أن يتبيّن بسهولة أنها في حاجة إلى استقالات كثيرة في وزارات لم يرق أداؤها إلى النجاعة المطلوبة، لكن التعنت ومعالجة الأخطاء بأخطاء أفظع لا يزيد الأزمات الا استفحالا، لا يختلف في ذلك قول وزير التربية في حكومة النداء للممنوعين من اجتياز امتحان الكاباس “تو نرجعولكم الخمسطاش دينار”؟؟! عن قول وزيرة المرأة في حكومة الترويكا وهي تعضّ بالنواجذ على كرسي الوزارة: اشربوا ماء البحر…!، فلا عزاء للتونسيين في طبقة كاملة من المناضلين خيبت أمل الناس في السياسة والديمقراطية وجعلت بعضهم يغبط في سره الرأي العام المصري الذي أقال وزير العدل لحماقة ارتكبها في برنامج تلفزيوني وما أكثر الحماقات التي نتجرّعها يوميا.


خارج عن السيطرة

Mosquée Ez-zitouna 04حدثني أحد الأصدقاء قال:

بعد رحيل بن علي اعتلى المنبر في المسجد الذي كنت أصلي به الجمعة رجل لا أعرفه، لم أسأل عن مآل الخطيب السابق فقد كان واضحا أنه أجبر على البقاء في البيت بعد أن عصفت به رياح لم يتهيأ لها.

تكلم الخطيب الجديد يومها فارتجل الكلام ارتجالا، ونظم الدعاء بطلاوة آسرة، كان صوته يعلو وينخفض، يسرع ويبطئ، يتلون ويتموج فانشدّت الأنظار إليه من أول كلمة نطق بها إلى أن أقام الصلاة، وما هي إلا أن فرغ الجمع من الركوع والسجود والدعاء فاستقبلهم الإمام الخطيب قائلا يا عباد الله، لقد بلغنا من الإخوة المصلين اقتراح بأن نُغــيّر وقت هذه الصلاة فنجعلها في الواحدة بعد الزوال فما قولكم؟

اشتدّ اللغط في المسجد وعلا هرج المصلين استنكارا لهذا الاقتراح، فقد حرص تنظيم المساجد منذ “العهد البائد” على أن تُصلى الجمعة في وقتين مختلفين: عند دخول الظهر وعند نهايته فتتصل بصلاة العصر وهو الأنسب في القيظ، وكان المرء يختار الوقت المناسب بحسب مهنته إذ لا تعطل أعمال الناس أيام الجمعة في تونس المحروسة إلا مساء خلافا لما هو سائد في الشرق.

ولما بدا واضحا أن الأمر لا يحظى بإجماع الحاضرين قال الإمام الجديد: لنحتكم إلى رأي الأغلبية، أو ليست تلك هي الديمقراطية، وليرفع يده كل من يرغب في تغيير وقت الصلاة في هذا المسجد! لكن الهرج تزايد واللغط اشتدّ وامتنع الحاضرون وكانوا بين جالسين وواقفين عن استفتاء الإمام، فما كان منه إلا أن صاح من جديد: يا عباد الله لا يجوز هذا اللغط في بيت العبادة، لنترك الأمر كما هو ولنؤجل النظر في اقتراح الإخوة إلى حين.

توقف صديقي قليلا ثم قال: وفي الأسبوع الموالي تغير وقت الصلاة وارتفع أذان الجمعة في الواحدة بعد الزوال، فانقطعت عن هذا المسجد الجامع وصرت أقطع عشرات الكيلومترات بحثا عن الصلاة الثانية ولم يتيسر لي سماع خطبة أخرى لهذا الإمام الخطيب إلا في مناسبتين اثنتين علقتا في بالي وكانتا الدافع الأكبر لحديثي هذا.

ازداد شوقي لمعرفة الحكاية بعد أن خلت أنها بلغت النهاية فاستسلمت لحديث الصديق وأصغيت بانتباه، قال: عدت إلى ذلك المسجد مرة في عطلة عيد الأضحى، يومها رفع ذات الإمام يديه إلى السماء متضرعا في خاتمة الخطبتين: اللهم عليك بالعلمانيين، شتت شملهم وأبد نسلهم… فتملكني خوف شديد من أن تفلت مني كلمة آمين وأنا أعتبر نفسي رغم مواظبتي على الصلاة أحد العلمانيين. أما الخطبة الثانية التي حضرتها إثر ذلك فكانت القطرة التي أفاضت كأس صبري، لقد فوجئت يومها بأذان واحد يرفع للجمعة ولم يخرج أحد كعادته لينبه المصلين بأن من لغا لا جمعة له كما درجت العادة في المساجد التونسية وعلمت آنفا أن رفع الأذان ثلاث مرات هو في المذهب الوهابي بدعة عثمانية وكل بدعة ظلالة وكل ظلالة في النار، وأن هذه البدعة قد ألغيت من هذا المسجد ، ليس هذا مهما فقد كانت خطبة الإمام يومها  أشبه بكابوس لم أفق منه حتى الساعة، لم يقتصر فيها على الدعاء على العلمانيين بل أضاف فيها حديثا عن الجهاد والجهاديين وبرأ نفسه من حث الشباب على الجهاد في سوريا لأن تونس على حد قوله أولى بجهاد شبابها، وقال لا فظ فوه: ينتظر العلمانيون منا أن نعود إلى السجون ويعودوا هم إلى سدة الحكم هيهات هيهات، لن يكون ذلك إلا أن تغرق البلاد في بحر من الدماء، فغايتنا التي لن نتنازل عنها هي تحكيم شرع الله طال الزمن أم قصر.

عند هذا الحد سكت صاحبي سكتة طويلة، خلت أنها استغرقت دهرا وأضاف: لقد سألت عن ذلك الإمام وعن الملّة التي ينتمي إليها فقيل لي إنه من أحد التيارات الإسلامية المعتدلة ! وهو معروف بانتسابه إلى الجناح الأكثر تشددا داخلها ! أما عن مستواه العلمي فهو لا يتجاوز الثالثة من التعليم الثانوي.

قلت لصاحبي لعلك قد انتهيت بمغادرة هذا المسجد الجامع إلى غير رجعة فالأئمة الخطباء تتباين مستوياتهم وتختلف، لكنه رمقني بنظرة تحمل أكثر من معنى: لقد أحدثت في خطب ذلك الرجل ندوبا عميقة لم أبرأ منها بعد، لقد احتقرت نفسي جالسا بين يدي ذاك الإمام ومن هم في درجته ونوع تفكيره فلعله أن يكون قاتلي من غير أن أدري لقد فقدت الرغبة في الصلاة وأخشى أن ينتهي بي الأمر إلى ما لا تحمد عقباه.


عدالة ساكسونيا

عدالة ساكسونيافي القرن الخامس عشر عرفت ولاية ساكسونيا الألمانية قانونا شهيرا ارتبط باسمها على مرّ العصور، وهو قانون يميّز بشكل سافر بين النبلاء والفقراء في تطبيق العقوبات، فالفقير الكادح يُعدَمُ في الساحات العامة بقطع رقبته، أما الغني ذو الحظوة والمكانة فيُعدمون ظلَّه!

وقضية نقابة التلفزة التونسية مع شركة “كاكتوس” لم تخرج بعد من نطاق عدالة ساكسونيا، فقد أنهت محاكم البلاد تقريبا النظر في كل الملفات المتعلقة بالثورة وبتّت فيها، فأطلقت سراح كبار مسؤولي الدولة في “العهد البائد” بعد أن لم تَجِدْ في ملفاتهم ما يمكن أن يُدينهم وأوصتهم بعدم الظهور في الأماكن العامة احتراما لمشاعر الراكبين على الثورة، ثم أغلقت المحاكمُ العسكرية قضايا الشهداء والجرحى ووضعت الختم العسكري الثقيل على مقولة السبسي الشهيرة: “القناصة إشاعة”، وأخيرا برّأت ابنة زين العابدين بن علي ذاته من تهمة تبييض الأموال ورفعت عنها قرار تحجير السفر حتى تتمكن من الذهاب إلى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة! يحدث هذا بينما يتواصل تحجير السفر على الأستاذ محمد الفهري شلبي المدير العام الأسبق للتلفزة التونسية بوصفه أحد خمسة مسؤولين لم يقولوا: “لا” في وجه سامي الفهري عندما كان يصول ويجول، فالقضية الوحيدة التي ترتخي أمامها عضلات القضاءهي هذه القضية التي اتهم فيها المديرون باقتناء برامج خارج قانون الصفقات العمومية وهي قضية تأبى المحاكم البت فيها وغلق ملفّها وإعطاء المتصلين بها حقوقهم، مواصلةً تسليط عقوبةِ المنع من السفر على شخص حتى لو أدين لما عوقب بمثل هذا العقاب الظالم!

تستمرّ هذه القضية حتى الساعة رغم أن شركة كاكتوس التي صادرت الدولة نصيب بلحسن الطرابلسي في رأس مالها تبث برامجها بذبذبات الحوار التونسي القناة المعارضة الأولى لنظام بن علي وتحقق أعلى نسب المشاهدة(!). هكذا أعيد توزيع المقاعد من جديد، بقي من بقي في مكانه وغيّر من غيّر مكانه، حصل كثير من المذنبين على صكوك التوبة الغفران ودخل من دخل بيت أبي سفيان. ولم تنتبه العدالة إلى أن مماطلتها في هذه القضية لا تجعل منها مأساة انسانية واجتماعية في حياة الأستاذ محمد الفهري شلبي فحسب بل أيضا كوميديا سوداء مضحكة، لقد ظلّ الراكبون على هذه الثورة يبحثون عن مؤيدات تُـقنعهم هم أولا وتقنع العالم ثانيا بوجهة نظرهم، إذ ينبغي الكثير من الجرائم والكثير من المتهمين والكثير من الضحايا حتى يقتنع الناس بأن تونس كانت تعيش حالة الجاهلية الأولى قبل هذا الطوفان، ومثلما لم يجرؤ بن علي على محاكمة معارضيه باسم الاختلاف السياسي ولفق لهم قضايا تحرش و اغتصاب و تخابر مع دول أجنبية فعل خصومه أيضا عندما استلموا السلطة، فلم يقدموا مسؤولا واحدا إلى العدالة بتهمة الاستبداد والانحراف السياسي بل تركوا المحامين والنقابات والفضوليين يقدمون قضايا ذات خلفية سياسية تفوح منها روائح الانتقام الشخصي تحت مسميات مختلفة أبرزها إساءة التصرف في المال العام أو مخالفة قانون الصفقات العمومية، وهكذا اختلط الحابل بالنابل وَوُضِع البيض كله في سلة واحدة، ونظرا لتفاهة الكثير من القضايا المرفوعة وخواء ملفاتها من المؤيدات والقرائن الدامغة لم يعاقَبْ أحدٌ من الذين قال عنهم الرئيس في سويعاته الأخيرة: “غلطوني وسيحاسبون”، لكأنهم أول المستفيدين من الثورة التي قامت ضدّهم، “فسيادته” لو حاسبهم كما توعّد لما أطلق سراحهم مثلما فعلت عدالة ساكسونيا.


في وداع سميح القاسم

سميح القاسم ومحمود درويش

سميح القاسم ومحمود درويش

كانت أول مواجهة ميكروفونية لي مع الرائعين محمود درويش وسميح القاسم في كواليس المسرح البلدي بتونس العاصمة صائفة 1994، كانت ليلة الوداع التي توجت رمزيا إقامة فلسطينية في تونس دامت اثنتي عشرة سنة وامتزج فيها دم الشعبين، في تلك الليلة أطلق درويش جملته التي صارت فيما بعد دعاية فولكلورية: كيف نشفى من حب تونس؟ وبكى وهو يوصينا خيرا بالشهداء الذين لن يعودوا إلى ما تبقى من أرض فلسطين.
كان محمود درويش يلتهم الأضواء من كل المحيطين به ويختزل الشعر الفلسطيني كله ولم يكن ذلك ليثير حفيظة أحد، لا سميح القاسم صاحب القصيدة الشهيرة: “تقدموا تقدموا كل سماء فوقكم جهنم وكل أرض تحتكم جهنم تقدموا…”، ولا أحمد دحبور صاحب القصيدة الزجلية الرائعة: “يما مويل الهوى يما مويلية ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّ” كنا نعرف القصائد والأغاني ولا نعرف أسماء الشعراء فقد كان درويش هو فلسطين. وكثير من القراء اهتدوا إلى سميح القاسم من خلال الرسائل الشهيرة المتبادلة بينهما، ولم يكن ثمة أفضل من سميح القاسم لاستقبال رفات درويش في رام الله عندما عاد من رحلته الأخيرة إلى قطعة من أرض الوطن.
في تلك الليلة سهرت مع بعض الأصدقاء حتى الفجر في أحد مقاهي باب سويقة أنتظر تحرك سيارات الأجرة الأولى في اتجاه المنستير، وقدمنا مقتطفات من الحوار مع الشاعرين في نشرة السابعة والنصف صباحا للأنباء تمهيدا لعرض السهرة كاملة في السهرة الأسبوعية “قمر لكل الليالي”، في تلك الأيام كان لقاء إذاعي مع شاعر يستحق البث في نشرة إخبارية رئيسية وكانت تحدث مفاجآت جميلة لبعض زملائنا كأن ينزل ياسر عرفات دون إعلام مسبق ضيفا على سهرة إذاعية تحيي ذكرى الشاعر معين بسيسو! يا لتلك الأيام!! (مواصلة القراءة…)


غابة تتذكر أحزانها

الفرد عصفور

ديوان شعر على الطريقة الحديثة. قطع صغير وصفحات غير مزدحمة. والشعر نفسه على الطريقة الحديثة المرسلة بدون قوافي الا اقل القليل. ولكن بالقراءة المتأنية يمكن لمن يحاول الاصغاء الى الصوت الداخلي في القصائد ان يجد موسيقى حزينة تنتظم كل النص من الصفحة الاولى الى الاخيرة.

يلفت النظر في هذه الاشعار ذلك الاستحداث الغريب لربط ما هو جماد بما هو صاحب روح اي  المادي والمعنوي. شعرت ان الشاعر في بعض القصائد، الاولى على سبيل المثال والتي حمل الديوان عنوانها: غابة تتذكر احزانها، ان الشاعر يحمل في نفسه حزنا دفينا وتساؤلا ينم عن شعور يمكن وصفه بانه الاحساس بالغبن. هناك تكرار جميل لكلمة من بعدنا وهذا التكرار في رايي يعبر عن حنق الشاعر على الحالة التي يتحدث عنها. حالة من التعب والحزن والغبن والانكسار الى جانب حالة من العشق والذوبان والنوستالجيا للماضي الجميل…. لكنه الماضي الذي لم يحدث.

في قصيدة اخرى يكثر الشاعر استخدام فكرة المرايا. حيث يرى فيها البحر والنخيل والشهوات… تلك هي تونس الجميلة. (مواصلة القراءة…)


الدرس الانتخابي

انتخابات 23 أكتوبر 2011

انتخابات 23 أكتوبر 2011

“إقبال التونسيين على صناديق الاقتراع فاق كل التوقعات”، تلك هي العبارة التي تردّدت بكثافة على ألسنة جميع المتدخلين يوم 23 أكتوبر 2011 إجابة عن كثير من التساؤلات.

هذه العبارة لا يمكن تجاوزها بسرعة لأنها في نظرنا تمثل بيت الداء وأصل الدواء..

فلماذا أقبل التونسيون بكثافة على الانتخابات بينما توقعت استطلاعات الرأي التي تداولتها الصحف عزوفا؟ ولماذا تعجز النخب عن مرة أخرى عن فهم الشعب وتحليل ردود أفعاله بشكل صحيح حتى تتوقع جيدا ولا تقف مبهوتة أمام واقع يتضح من جديد أنها لا تعرفه كما يجبُ؟ (مواصلة القراءة…)


أم زيـــــــاد

نزيهة رجيبة (أم زياد)

لن نتردّد ونحن نحتفل يوم 13 أوت بعيد المرأة في توجيه الأنظار تحية واحتراما للسيدة نزيهة رجيبة أصيلة القلعة الصغرى المعروفة بكنية “أم زياد” تتويجا لما بذلته طيلة ثلاثة وعشرين عاما من المقاومة المستمرّة.

لقد أصبح عيد المرأة جديرا بالاحتفال بعد أن فرّت “السيدة الفاضلة” رفقة زوجها “الأب الحنون” يوم 14 جانفي ولحقت بهما رئيسة جمعية الأمهات منذ أيام فقط ليزول شبح السابع من نوفمبر تدريجيا عن هذه المناسبة الوطنية الهامة، فلطالما اعتقد الزعيم الحبيب بورقيبة أن مجلة الأحوال الشخصية هي أهم إنجاز قام به في حياته حتى لتكاد تغطي على حدث الاستقلال ذاته، وهو محق في ذلك قطعا إذ ما فتئ التاريخ يؤكّد أن تحرير البلاد من ربقة الاستعمار كان ثمرة جهاد وكفاح استمرا أكثر من خمسين عاما سقطت فيها أرواح الأبرياء في جنوب البلاد وشمالها، أمّا تحرير المرأة من نيّر عبودية المجتمع التقليدي الغارق في الأمية والعادات البالية في ذلك الوقت المبكر فقد كان للعامل الذاتي فيه أثر حاسم.

دقّت أم زياد أول نواقيس الخطر عندما تصدّت بشجاعة نادرة لسلوك انتهازي مقيت جعل الطبقة المثقفة والنخبة التي أفرزها العهد البورقيبي تُبارك استيلاء الجنرال زين العابدين بن علي على مقاليد الحكم صبيحة السابع من نوفمبر، لقد توفرت لها الجرأة كي تنظر إلى الرجل من الزاوية التي تحاشى الجميع النظر منها، فوزراؤه ومستشاروه وأتباعه الخلّص والطامعون في بركاته والمتشعبطون من مختلف الدرجات والرّتب كانوا يعرفون أكثر من غيرهم ضحالة مستواه التعليمي بما لا يليق بدولة راهنت منذ استقلالها على التعليم ولكنهم لم يمانعوا في تصديق حكاية طرده من المدرسة بسبب نشاطه الدستوري! ، وهم يعرفون أن يديه ملطختان بدماء العمال الذين سقطوا على الأرصفة الحزينة يوم الخميس الأسود (1978) والبسطاء الذين انتفضوا دفاعا عن حقهم في الخبز والحياة الكريمة ذات شتاء ثمانيني حافل بالمفاجآت (1984) ولم يمانعوا في نفي هذه الذكريات المؤلمة وتأجيل الاعتراف بها إلى حين حتى لا تلطّخ نقاوةَ الجنرال الملاك مبعوثِ العناية الإلهية إلى الأرض يوم 7 نوفمبر 1987 صباحا لإنقاذ الشعب التونسي الذي كانت تحاك من حوله الدسائس في قصر الرجل العجوز بينما كان هو يغطّ في نوم عميق. هؤلاء الذين عَنَـتْهُم أم زياد في مقالها “نشاز” هم الذين صنعوا من بن علي أكذوبة صدّقها الجميع تقريبا تحت وهج الانبهار بفصاحة بيان التحوّل وجاذبية أضواء الثورة الهادئة، ولم يكن توجيه الأنظار إلى الحقيقة عملا سهلا بينما كان المشهد السياسي التونسي يتشكل شيئا فشيئا على نحو جديد بدا قادرا على خلب الألباب قبل أن يكشر الرئيس الجديد عن الأنياب ويبدأ رحلة النكوص على الأعقاب، لقد استطاعت آنذاك أن تقف أمام عنفوان الأسد، فلم تخفْ سطوةَ زئيره ولا شراسةَ أنيابه ولا حدّةَ نظراته النارية، ولم ترهبِ الذئابَ التي ظلّت تحيط به إلى آخر رمق من عهده السعيد قبل أن يفرّ ويتركها في حالة يرثى لها من الخوف والفزع والانهيار، وعلى مدى ثلاثة وعشرين عاما ظلّت أم زياد تدفع بالتقسيط المملّ ثمن المشروع الباهظ، مشروع الرفض والعصيان والتمرّد، الثمن الذي تقاسمته مع رجال ونساء من معترك الحياة السياسية قاوموا نظام بن علي بشراسة فكرية تضاهي شراسته البوليسية، ونغصوا عليه فرحة الحياة التي كان يُـغرِق في إنائها العسلي جموع التونسيين والتونسيات، فكانوا معا عرضة لشتى صنوف التعذيب والملاحقة والتجريح والامتهان من قبل البوليس السياسي وبيادق النظام. (مواصلة القراءة…)


تميم البرغوثي ينشد في تونس عن البوعزيزي

الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي

الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي

بدعوة من حركة الشعب الوحدوية التقدمية وأمام جمهور غفير من مختلف الأعمار ألقى الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي مجموعة من قصائده الجديدة من منبر قصر المؤتمرات بتونس العاصمة عشية الأربعاء 22 جوان 2011

وتأتي زيارة الشاعر تميم البرغوثي إلى تونس  في نطاق سلسلة من الدعوات التي وجهتها الأحزاب السياسية والجمعيات الثقافية لشعراء ومثقفين عرب لزيارة تونس الثورة وفي هذا السياق كان قد زار تونس في وقت سابق الشاعر العربي أدونيس وأحمد فؤاد نجم ومؤخرا كان لجمهور القصرين لقاء مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم في نطاق مهرجانها الثقافي السنوي

تميم البرغوثي قدم على امتداد حوالي الساعة والنصف مجموعة من القصائد تفاعل معها الجمهور الحاضر بكثافة منذ وقت مبكر مطالبا الشاعر بتقديم قصيدته الشهيرة في القدس فأبى إلا أن يختتم بها اللقاء ، أما أبرز القصائد التي حرّكت القاعة بحميميتها الانسانية الرفيعة وقربها من الوجدان التونسي فقد كانت قصيدة مهداة إلى محمد البوعزيزي الشهيد الذي أشعل نيران الثورة في جسده في محافظة سيدي بوزيد يوم 17 ديسمبر 2010 فكانت اشتعالة شرارة الثورةالأولى وما أعقبها من تحولات في كامل خارطة الوطن العربي.

وضجت قاعة قصر المؤتمرات بالعاصمة التونسية بجمهور من الشباب القومي رفع شعارات تطالب بتحرير فلسطين تخللت صعود الشاعر إلى المنبر وقد قاطعت جماهير الشباب الشاعر عديد المرات مطالبة بإعادة المقاطع الحماسية وقد تفاعل الحاضرون خصوصا مع قصيدة مطولة باللهجة العامية المصرية امتزجت فيها براعة الشاعر في توليف الصور بحسذ الدعابة السوداء الذي يمتاز بها الشعر العامي المصري في تجارب كبار روذاده مما يميّز أسلوب تميم البرغوثي ويمنحه فرادة لافتة.

ويعتبر تميم البرغوثي أحد ابرز شعراء جيله وأكثرهم انتشارا مستفيدا استفادة قصوى من ظهوره التلفزي المتكرر وانتشار قصائده بكثافة على الشبكة الاجتماعية فايسبوك ومواقع تخزين الفيديو، وامتاز حفله التونسي الأخير بجودة في مستوى التنظيم وحرص من قبل حركة الشعب الوحدويةالتقدمية على تمكين الشباب من محاورة الشاعر في قضايا مختلفة وذلك في أعقاب اللقاء الشعري.

قصيدة محمد البوعزيزي:

للتوسع:

 


كــــلنا محمد شلبي، كلنا ذاك الرجــــل!

الدكتور محمد الفهري شلبي

الدكتور محمد الفهري شلبي

في صائفة سنة 2005، انطلقت في المركز الافريقي لتدريب الصحفيـين والاتصاليـين حلقات تكوين علمي ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي لتطوير وسائل الإعلام في عدد من بلدان الجنوب وفي مقدمتها تونس، ولم تكن الجهة المانحة لتعترف بالكسل الصيفي المعتاد لدى التونسيين ولا بالعطلة المدرسية المقدسة لدى بعضهم، وقد كان واضحا أن الدكتور رضا النجار مدير المركز آنذاك قد خطط مع شركائه لصائفة استثنائية مصمّما على تنفيذ مخططه ذاك ببراعة فائقة.

كانت العاصمة تذوب شيئا فشيئا منذ ساعات الصباح الأولى في حرارة خانقة مثلما تذوب قطعة الصابون، وكانت قاعة المركز محتشدا حقيقيا طيلة أسبوعين، محترفون ومدرسون يشتغلون لأكثر من خمس ساعات متواصلة بلا هوادة في مسائل بيداغوجية تتصل بتكوين المكونين وتُــعلم المُعلمين كيف يأخذون بأيدي الكِبار من المُـتعلمين، كانت الأصوات تعلو وتنخفض كسفينة تَـشقُّ طريقها رغم كل شيء، وكان علينا جميعا من خلال الحوار الصّعب الشاق المضني أن نُسلّط الكشافات على المرآة فنرى أنفسنا في ضوئها ونكتشفها ثم نعيد اكتشاف كل ما يقع حولنا كما يكتشف الطفل الشغوف أسرار لعبته المُرْبكة. وفي تلك المرآة، عرفتُ رجالا ونساء كثيرين وشدّني أكثر الدكتور محمد الفهري شلبي لتنطلق مذّاك أواصرُ مودّة لم يعترها الصدأ، رغم أن لقاءاتنا بعدها كانت طفيفة وصِلَـتَـنا لم تتجاوز الأطُـرَ المهنيةَ كثيرا.

يفاجئك الدكتور محمد الفهري شلبي بِحسِّه الانساني الرفيع وهدوئه الرائع الجميل، ولا تملك إلا أن تغبطه على محبة المحيطين به وإجماعهم حول شخصه في ذلك المرجل الذي غرقنا فيه طيلة فترة التكوين، فلم يكن من اليسير جمع ذلك العدد الغفير من المكونين الجامعيين والمحترفين دون الاصطدام بعوائق بسيكولوجية جمة كان يدركُها كل واحد من الحاضرين، ولكن المُدرّب الفرنسي المكلف بإدارة الحوار وتنشيطه لم يكن بقادر على تخيل حجم الصراع النفسي الذي فرض على النقاش التوتر والحدة والعصبية في أحيان كثيرة وجعله يقول في الاختتام عبارة لخّص بها تقريبا أزمة الإعلام التونسي ببلاغة يتمنى المرء لو يتقنها: “إن أهم شرط للتكوين الصحيح عدم إلغاء الآخر وقبول الاختلاف وفي تونس ينتظركم عمل كبير لتحقيق هذا الشرط”. (مواصلة القراءة…)


في أول حوار مع أم زياد: بن علي كان يخاف شعبه

الكاتبة نزيهة رجيبة

الكاتبة نزيهة رجيبة

أدلت المناضلة الحقوقية أم زياد بأول حوار حصري لإذاعة المنستير يوم 20 جانفي 2011 ، وفي هذا الحوار استعرضت جوانب من مسيرتها النضالية خصوصا في ظلّ عهد الرئيس المخلوع  الذي كانت أول من عارضه بمقال شهير عنوانه: نشاز كان سببا في إيقاف صحيفة الرأي.
أم زياد كانت خلال السنوات التي سبقت ثورة الحرية والكرامة في 14 جانفي 2011 ناشطة في المجال الحقوقي والإعلامي ونشرت مقالاتهااللاذعة في موقع كلمة الذي تديره المناضلة سهام بن سدرين، وفي هذا الحوار أبدت العديد من المواقف متحدثة عن الثورة التي أطاحت بحكم بن علي وأنهت مرحلة أخرى من تاريخ الاستبداد السياسي في تونس

أجرى الحوار الزميلان عامر بوعزة وبثينة الكرماني في إذاعة المنستير التونسية للاستماع إلى هذا الحوار:

للاطلاع على مقال نشاز انقر هنا


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress