Tag: الثورة التونسية

إعــــدام ميت

 

محمد البوعزيزي

محمد البوعزيزي

حمدت الله كثيرا عندما قرأت نص أدونيس “رماد البوعزيزي” ، لقد هبط هذا النص في وقت حرج أخذ فيه جمع غفير من الأوصياء على التاريخ والرّمز والمجاز يسحبون محمد من أسماله البالية ليخرجوه بالقوة من بيت الأسطورة الذي شيدته له ضمائر الناس في الوطن العربي، وقد كان سببا -مجرد سبب لا غير- في أن تتهاوى أصنام السياسة العربية الواحد تلو الآخر فتتكسّر تحت وطأة أمواج الغضب الشعبي.

جاء أدونيس في الوقت المناسب ومدّ يده ليدفع البوعزيزي دفعةً قوية إلى الداخل ويغلق باب البيت آخذا المفتاح معه، إنها نقطة ينبغي أن يعود الجميع بعدها إلى السطر ويبحثوا عن جثة أخرى يبدؤون معها سطرا آخر في لعبة الكـرّ والفرّ العجيبة هذه، فالاندفاع الأهوج في مقاومة صورة البوعزيزي وصدّها تحت مسميات العدالة والحق والفضيلة والديمقراطية تبدو للناظر عن بعد كالوقوف أمام قاطرة  تشق عباب الفراغ. إن إحساس بعض الأشخاص بامتلاك الحقيقة لا يعدو أن يكون تورما واضحا في ذواتهم وخللا في تصورهم للوجود، فهم لا يتورعون مثلا إذ يفتحون  ثلاجة الموتى ليقتلعوا  ضرسا ذهبيا يرون أنهم أحق به من الديدان، أو يقصون إصبع جثة متفحمة ليفوزوا بخاتم يعرفون أنْ لا أحد سيتذكره في المأتم. هؤلاء هم الجزء المخفي من جبل الثلج، هذا الجزء ما كان ليظهر لو لم يذوّب حريقُ البوعزيزي الجزء الظاهر منه والذي كان ستارا كثيفا يمنع الناس من رؤية الأشياء كما ينبغي أن تُرى.

لقد كانت الثورة الشعبية زلزالا عنيفا أطاح بعرش الفساد وظلت ارتداداته المتتابعة تسحب الأرض من تحت الأنبياء الجدد والكهنة والسحرة وحملة المباخر والمشعوذين، وها إن رماد البوعزيزي يعيد إلى الحقيقة شيئا من نسبيتها بعد أن مرّغ أنفَها البعضُ في وحل المزايدات الانتهازية والدونكيشوتيات الخالية من كل معنى إيجابي، فلم يكن ضروريا الربط بين الدفاع عن سجينة لم يهتم أحد بالإصغاء إليها في غمرة الثورة وما تلاها وإخراج البوعزيزي من ذاكرة الرمز وتجلياته الممكنة والتراجع عن منحه شرف الحرف الأول في فقرة التغيير الدراماتيكي الذي حدث. (مواصلة القراءة…)


صبّ الماء على اليدين

عبد العزيز بن ضياء

عبد العزيز بن ضياء

في حوار صحفي أجري معه أكد السيد ساسي بن حليمة محامي عبد العزيز بن ضياء أن موكله لا يقبع في ثكنة العوينة بسبب تهم واضحة يمكن اعتمادها للزج به في السجن وإنما احتياطيا تحت ضغط الشارع الذي لن يحتمل رؤيته طليقا، فلو حصل ذلك لحدث ما لا يمكن التكهن به من فوضى وعنف على سبيل التذمر والاحتجاج، وكانت الكلمة المفتاح في تبرير المحامي براءة هذا السياسي “الكبير” الذي رافق عهدين من عهود الدولة التونسية إلى الهاوية، أن موكله لم يكن له ذنب فيما حصل إذ لم يكن صانع سياسة الفساد بل كان مجرد “صباب ماء على اليدين”.

وعندما يصدر كلام كهذا عن أستاذ في القانون مشهود له بالبراعة و طول ذات اللسان في ساحات القضاء ومَعامِعه فإنّ الشعب الكريم سيتجرّع لامحالة بعضا من مرارة الخيبة، فالناس ينتظرون تسليط عقوبة تليق بوزير شارك في إدارة دفة البلاد أربعة عقود بلا كلل أو ملل حتى صار حضوره في المحافل الرسمية للدولة التونسية أبرز دليل مرئي على ضعف هذه الدولة وتراجع أدائها العام بل ووقوعها في تناقض صارخ بين منطوقها الخطابي وأسلوبها السياسي، فبينما كان  نظام بن علي يزعُم الإيمان بدور الشباب في تحقيق المصير كانت الطبقة الحاكمة في تونس تتآكل تدريجيا تحت وطأة الترهل والشيخوخة والضعف وما كان لبعض الرماد المذرور على العيون أن يصرف أنظار الناس عن خطورة الوضع بعد أن بدأت رائحة الصراع على خلافة الرئيس تزكم الأنوف وبدأ حضور هذا الوزير بالذات مع صهر الرئيس الصاعد بقوة يستفز قريحة المشاهدين وينبئهم بأنه بصدد البحث عن مقعد وثير في دولة ما بعد بن علي أيضا. (مواصلة القراءة…)


أحمد الكرفاعي : عندما خرجنا من بيت طاعة الزعيم

احتلت جريدة الرأي طيلة عقد كامل من الزمن (1977-1987) مكانة ممتازة في التجربة الصحفية التونسية بوصفها محطة مهمة من محطات النضال ضدّ الاستبداد السياسي والعمل من أجل إرساء الديمقراطية الحقيقية في مناخ سياسي تسوده كاريزما الزعيم فتلقي بظلالها الحادة والقاتمة على مشهد شمولي ينزلق بسرعة ضدّ حركة التحرّر.

أحمد الكرفاعي رئيس تحرير صحيفة الراي

أحمد الكرفاعي رئيس تحرير صحيفة الراي

في هذا السياق تتنزل تجربة السيد أحمد الكرفاعي إذ تفتح وعيه السياسي في مناخ الحزب الحرّ الدستوري وفي أحضان رعاية بورقيبة الرمز والانسان  للشباب الدستوري المؤتمن على وضع لبنات الدولة الحديثة وإنجاح مرحلة الاستقلال ولكنه سرعان ما وجد نفسه منذ بداية السبعينات وبعد تجربة مهمة في جريدة العمل الناطقة بلسان الحزب منساقا ومندفعا في اتجاه مغاير اتجاه يؤمن بالديمقراطية سبيلا إلى تحقيق الانعتاق الحقيقي والخروج بالانسان التونسي من القهر والهيمنة أيا كان مأتاها الاستعمار الامبريالي أم طموح الدولة الحديثة.

وهكذا كانت صحيفة الرأي التي ظهرت في نهاية سنة 77 أياما قليلة قبل الخميس الأسود (26 جانفي 1978)  نقطة الجذب القوية التي التف حولها الديمقراطيون والمثقفون وعلى صفحاتها بدأت تظهر الأفكار المتحرّرة والأساليب المجدّدة في مقاربة الواقع السياسي بعينين مختلفتين تؤمنان بالحرية

هذا الحوار الإذاعي الذي أجريناه مع السيد أحمد الكرفاعي يعود الفضل فيه إلى مبادرة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية بالتنويه إلى مسيرة الرجل النضالية وحقه في التكريم في عهد ما بعد الثورة باعتبار أن جيله مهّد الطريق ولا شكّ أما ما تشهده تونس اليوم من رغبة في إرساء نموذج سياسي ديمقراطي حقيقي ولأن للسيد أحمد الكرفاعي كما قال الدكتور المنصف المرزوقي يومها أسلوبا لا يستهان بأهميته في استقطاب الأقلام واستمالتها ومنحها الثقة في النفس وهو ما يغلب العامل الانساني في تجربة الرأي على شتى العوامل الأخرى.

استقبلنا السيد أحمد الكرفاعي ( 77 سنة ) في بيته الكائن بمنطقة رادس جنوب العاصمة التونسية والكائن أمام محطة قطارات الضواحي وبحضور الشاعرين محمد بن صالح وحسين العوري وبقية أفراد الأسرة الصغيرة استمتعنا قرابة ساعة من الزمن بسرد أطوار من حياة الضيف ونضالاته في سبيل حرية التعبير وكرامة الانسان.

استمع إلى الحوار كاملا


وعادت حليمة لعادتها القديمة

لم تعد حليمة لعادتها القديمة فيما يخص تعامل البوليس مع المعتصمين
حليمة لم تفارق أبدا عادتها القديمة انـّما استراحت قليلا لتجمّع قواها. حليمة “مهبولة وزغرطولها في وذنها” لم تعد تميّز ما تفعل ولا لماذا تفعل أومن يفعل بها.

ليس المهم أن نكون مع أو ضد الاعتصام وأهدافه ومَن وراءه. يمكن أن يكون ذلك موضوع جدل سياسي لكن المهم هو أخذ موقف من العنف المسلـّط على المتظاهرين بصفة سلميّة لا غبار عليها. ان وزارةالدّاخليّة و أجهزتها أضاعت أكثر من فرصة للآعتذار عن ماضيها و بداية صفحة جديدة مع الشعب أساسها الاحترام المتبادل. انّ تونس لا تمرّ بمرحلة انتقاليّة حرجة فقط بل أصبحت عبارة على لوحة سُرياليّة يلزمها الكثير من آليّات التحليل النفسي والسلوكي لمحاولة فهم ما يحدث.

التناقض الحكومي

من المفروض أن الحكومة الانتقاليّة في مرحلة ثوريّة تسعى الى ردّ السلطة والاعتبار للشعب الثائر. وهي كذلك في خطابها وتسمية مؤسساتها الثوريّة الانتقاليّة لكنـّها في سلوكها تفعل عكس ذلك تماما. الخطاب السياسي الحكومي أجوف وغارق في العموميات. ستة أشهر مرّت على فرار المخلوع ولا نعرف من قتل وبأوامر من؟ القناصة اشاعة. ملفات الشهداْ أمام القضاء وملفات الفساد أمام اللجان المختصّة. الحكومة تنفي أنّها اقترضت رسميّا مليارات الدّولارات من دول الثمانية وفي نفس الوقت نكتشف مخططات تنمية من 2012 الى 2016. هل هذه الحكومة تستحق الثـقة؟ هل تدرك أنّ الثورة ليست اشتباكات عقب مباراة كرة قدم تهدأ النفوس بعدها لترجع حليمة لكرتها القديمة؟ لقد نعت الباجي قايد السبسي وزير الدّاخليّة السابق فرحات الرّاجحي بالغباء السياسي. طيّب أين هو الذكاء أو الدّهاء السياسي للحكومة الحاليّة؟ في التلكــّأ والالتفاف على المطالب. في سياسسة الدم البارد والرّيق البارد الذي تتبعها و الشارع مازال في حالة غليان. هل تريد هذه الحكومة أن تختبر مدى صبر الشعب عليها بمماطلته لعلّ وعسى يرضخ لعنفها و تهديديها ويعود الى بيته فرحا مسرورا تاركا أمر الشأن العام لمحترفي السياسة التي ألفناها في الربع القرن الأخير التي أثبتيت في الربع الساعة الأخير قبل رحيل المخلوع أنها كانت كذبة كبرى. هل تريد منــّا هذه الحكومة تصديق كذبة أخرى لأنها أحدث.

التناقض البوليسي

“ضربني وبكي سبقني و شكى” و”كف وبُرج بقلاوة” هذه هي عملة الجهاز البوليسي. بعد مظاهرات ونقابة وتصريحات تعد الشعب بالتزام الحياد ازاء تظاهراته السلميّة تنزل العصيّ على ظهور المتظاهرين والمارّين العابرين كمطر غسّالة النوادر لكن في عز الصيف. ويخرج علينا المسؤول ليصرّح أن تلك المعاملة قانونية بصفة أن المظاهرة لم تتحصّـل على ترخيص مسبق. ثم يخرج متحدّث باسم قوّات التدخـّل ليعتذرعن العنف المفرط و يقول انـّها تجاوزات فرديّة. هل هذه الوزارة و مصدر القرار فيها أفعى بٍاس أو رأسين و بسبعة رؤوس. هل هناك تطاحن ومعارك أجنحة بين الأجهزة تجعل القرارات والتصريحات في تلك الحالة السريالية من التذبذب والتناقض؟ الناس لا يصدّقون الا ما يرونه… لأن الخطابات و التصريحات لا قيمة لها. الواقع هو المحك والواقع اليوم هو أنّ دار لقمان بقيت على حالها بل أتعس. هل هناك خطـّة لجر البلاد لما لا يُحمد عقباه لتبرير تأجيل جديد للانتخابات بتعلّـة القوّة القاهرة. ان الاعتداء على المصلّيين داخل مسجد القصبة سابقة لم تحصل أبدا. فهل هناك نيّة في اخراج الغول القديم الذي استعمله بن علي زهاء ربع قرن للوصول الى السلطة والمكوث فيها. انّ البوليس السياسي لم يتعلّم ولم يألف ولم يُتقن الا تلك الأغنية .. الغول الذي يتربّص بنا. وكما يقولون:” عندما تكون الأداة الوحيدة التي لديك مطرقة فان كل المشاكل تتراءى لك في شكل مساميير”

هناك نخبة سياسية وفكريّة لا تروق لها ديمقراطية الأغلبية. هذه النخبةالأثينيّة لا تعترف الا بدمقراطيّة اقصائيّة تماما كما كانت الديمقراطية في اغورا أثينة تقصي النساء والعبيد ولا تخصّ الا ما يقارب 10 بالمائة من مجموع السكان. الأحزاب والنخب التي لم تكن مع القصبة 1 والقصبة 2 لن تكون بطبيعة رؤيتها للمشهد السياسي ومصالحها مع القصبة 3. هناك من الأحزاب الانتهازية من يرى زعمائها انفسهم على كراسي الرئاسة والوزارة ليمارسو نفس لعبة السياسة البنعليّة بأسماء جديدة. هم لم يفهموا الثورة ولم يساندوها من يومها الأوّل وارتموا في أحضان المخلوع في الربع الساعة الأخيروحسبوا أنفسهم مؤهلين لقيادة المرحلة المقبلة. أحزاب “الكسكروتات” لا تستطيع الا أن تكون ضدّ أي نفس ثوري. هي تريد قطف انجازات الثورة فقط لا الثورة ذاتها. فهي مع أكل الغلّـة و سب الملـّـة .. وقسْ عليها شرائح من المثقفين الذين لم نسمع لهم صوتا معارضا فيما مضى وشرائح من المسيّسين الذين لا همّ لهم سوى أن يكونوا ضدّ ذلك التيـــّــار أو ذلك الاتجاه. الرّائحة متعفــّنة … ليس في مملكة الدنمارك فحسب وانــّما في ممالك الانتهازيين الجدد الذين يعتقدون قباقيبهم تيجانا على رؤوسهم. يردون الحريّة التي لم يضحّوا من أجلها ويسبّون الثوؤيين الذين دفعوا دماءهم لأجلها. يريدون المناصاب و يُنفقون من المال القذر فقط لنرى وجوههم ونألفها كما نألف مواد التنظيف ولتذكـّرنا بالمخلوعين أجمعين. دم الشهداء لم يجف بعد و هم يقيمون مراقص الوليمة ليغنموا من لحم الشعب و لحم أبنائه. ان كانت تلك هي السياسة فتبّا لها


Copyright © 1996-2010 آراء حرة. All rights reserved.
View My Stats iDream theme by Templates Next | Powered by WordPress