الثورة مخاض وولادة الجديد من رحم القديم.

وككل ولادة هناك نصيب من الألم و الفرح والخوف والاكتئاب.

هذه المقالة هي محاولة لفهم و تجاوز حالة الاحباط التي تعترينا ما بعد الثورة والبحث عن منفذ مضيء للمستقبل الممكن.

  • خمس وخمسون سنة من الكذب:

من شعار” فرحة الحياة” البورقيبي الى شعار “بلد الفرح الدّائم” للمخلوع لم يجني الشعب التونسي الا الخيبات و الأحزان. وكما يقول الشاعرمنوّر صمادح الذي مات بخيبته “شيئان في بلدي قد خيّبا أملي .. الصدق في القول والاخلاصُ في العملِ”. لنعترف الآن اذا أنــّه كُذب علينا مرارا وتكرارا وأنـّنا لطيبتنا أو غفلتنا قد صدّقنا واقتتنا بهذه الأكاذيب المخدّرة وربّما باهينا بها بين الأمم ضانين انّنا بصدد الخروج من بوتقةالعالم المتخلف. نصحو من اثر ثورة أدركنا فيها مثلا أن نسبة العيش تحت خط الفقر الحقيقيّة هي 25 بالمائة وليست 4 بالمائة كما رُوّج لها . وبالتالي أن 80 بالمائة من التونسيين هم من الطبقة الوسطى التي تمتلك مسكنها هي حسابيّا كذبة أخرى وقس على ذلك نسبة العاطلين عن العمل. وحدّث ولاحرج عن نتائج الانتخابات، ونسبة النمو الاقتصادي وكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المغشوشة.

قد يكون من طباع التونسي انــّه يفضـل حلاوة الوهم على مرارة الواقع من باب “قل لي اللـّي نحبّْ .. حتــّى بالكذبْ” لكن جرس الاستفاقة قد دق. من حق التونسي أن يكون سعيدا في حياته وبحياته أوّلا لأن تونس بلد في غاية الجمال ولاأقول هذا لأنني تونسي بل لانني طوّفت كثيرا أو قليلا من بلاد العالم لأرى و أستتنتج ان جمال الطبيعة والضوء الذي حبتنا بهما الطبيعة نادريْ الوجود. يبقى ان الانسان لا يعيش بالمناظر الجميلة والخبز فقط بل يلزمه الكثير من الكرامة. لقد ثار التونسيّن لأنهم أرادو أن يمارسو حقهم الطبيعي في أن يكونوا تونسيين بمعنى انّ هذا البلد الجميل ملك للجميع ومن حق الجميع أن يأخذو نصيبهم منه. فعندما وصل سيل الانتهازية و السرقة والاهانة الزبى … قال التونسيون لا…  وتقيؤوا الورم الخبيث.

  • الدكتاتوريّة لا تعرف الضحك

هل رأيتم أو سمعتم بشعب عاش سعيدا في ظل حكم دكتاتوري؟ أنا لم أر ولم أسمع. ان طبيعة الدكتاتورية هي المراقبة والحجـْر. فلا عجب اذن أن ضمرت في تونس كل فنون الضحك والسخرية. ففن الكاريكاتور مثلا في تونس باهت بلا رائحة او مذاق. وفن الغناء الهزلي والساخر مات مع موت صالح الخميسي اي سنوات قليلة قبل بداية الدكتاتورية البورقيبية باغتيال صالح بن يوسف و منع الأحزاب. الأدب الساخر يكاد يكون معدوم الوجود. بقي المجال “للفوكاهجيّة” وثيمتهم الأبديّة عن البدويّ في المدينة… خمسون عاما من اجترار نفس الموضوع بتنويعات. كأنه من أجل أن يضحك يجب على التونسي أن يستهزأ من لهجة وتصرفات و عقليّة تونسي آخر أسفل منه في سلـّم القفز. “قفز يقفز فهو قافز”. ان حرمان التونسي من حقه في الفرح وفي الضحك وتضييق مواضيع ضحكه أدّت الى أزمة نفسيّة وسلوكيّة. فصرنا “نعيش في بلاد كل مافيها يسير بفورة الغضب” كما يقول الراحل محمود درويش. لم يكن ممكنا لهذا الوضع أن يستمر لأنه لا يمكن أن تمنع شعبا من الفرح والضحك. وخبث الدكتاتوريةالتونسية يكمن في أنـّها قتلت الكثير من الأحلام الجميلة بمسميات تلك الأحلام نفسها… فقتلت الديمقراطية و حقوق الانسان باسم  الديمقراطية و حقوق الانسان  كما قـُتل الفرح باسم الفرح الدّائم. “ابتسم انك في تونس” تقول لك يافطة اشهارية وأنت تنزل مطار تونس قرطاج … تم يعترضك الشرطي ثم الدّيواني ثم حمّال البضائع ووجوههم مُكـمـّشة كَـكـِرْشة البقـّـاري المُعلـّـقة عند جزار الحومة. ويريدوننا أن نبتسم… وأثاث المطارملوّن  بنفس ذلك اللون الأزرق البوليسي الذي نجده في مراكز الشرطة.

  • أيّ فرح ممكن؟

انـّه من حق التونسي أن يكون سعيدا هنا، الآن، على هاته الأرض التي ما زال فيها ما يستحق الحياة من أجله. لكن هناك مفاتيح لهذا الفرح الممكن والتي لا يمكن تصوّر أيّ احتمال للسعادة بدونها: الحريّة، الكرامة، المساوات والحق في تقاسم ثروات البلد. فتونس للتونسيين جميعا ولا حق لفئة اقتصادية أو اجتماعيّة أو سياسية أو دينيّة أن تستأثر بها مرّة أخرى. ان الثورة المضادّة واقع و ليس وهما. ان القوى الخفيّة الخبيثة التي تحرّك الخيوط لاحباط معنويّات التونسيين والتقليل من قيمة انجازهم ستضع ما لديها من أجل ذلك لأنـّها الخاسر الأكبر من جرّاء ثورة هدفها الوحيد اعادة البلاد لأهلها. أملنا أن التونسي الصبور بطبعه لن ينجرّ للخوف والاحباط وهو الذي صبر ربع قرن على حاكم جاهل، عديم الفهم والذوق علاوة على خساسته الاجراميّة. الفرح القادم ممكن لكن يجب العمل من أجله… لن ينزل من السماء.. هو هنا يتنظر ارادتنا لكي يتحقق .. جيلا بعد جيل. فلا تكونة متفائلين بغباوة .. ولا متشائمين بسلبيّة بل لنكن شعبا اراديّا.. لأننا شعب ارادة الحياة