مريم بوزيدي

مريم بوزيدي

قالت سلطة الإشراف كلمتها في قضية الأستاذة التي طلب زميلها نقلتها من قاعة الامتحان في أحد اختبارات الباكالوريا، ونفى التحقيق الإداري المزاعم التي راجت في الفايسبوك حول امتعاض الزميل من هندام زميلته ومظهرها وتحديدا اللون الأحمر الفاقع على شفتيها، وهي القصة التي جعلت من الحادثة قضية رأي عام لغرابتها وطرافتها وما توحي به من شبهة تزمت لم يعد غريبا عن بيئتنا التعليمية في السنوات الأخيرة.

والرواية الرسمية كما جاءت على لسان المدير الجهوي للتربية تنفي ذلك لكنها لا تنفي المظلمة التي تعرضت لها الأستاذة بل تؤكدها، فقد تنفس الجميع الصعداء عندما فندوا جملة وتفصيلا حكاية أحمر الشفاه، لكنهم تغاضوا عن البعد البيداغوجي في القضية وهو هنا مربط الفرس وقطب الرحى.

يقول المدير الجهوي وهو يروي ما انتهى إليه التحقيق أن الأستاذ الشاكي وصل إلى القسم بعد زميلته، ولاحظ أن التلاميذ متحلقون حولها يتبادلون الحديث، فنهاها عن ذلك. ويفسر المسألة بقوله حرفيا «لأن الأستاذ تراءى له» أن ذلك سيكون له تأثير على سير الامتحان! فطلب إما نقلتها هي أو نقلته هو، وقرر رئيس المركز تغييرها هي لأسباب تقنية بحت.

يتضح انطلاقا من رواية المسؤول الأول عن قطاع التربية في الجهة أن الأستاذ الشاكي استخدم سلطته المعنوية (ربما التفاوت في السن والخبرة بينه وبين الزميلة) ليحوّل توقعاته الشخصية إلى أدلّة، فقد بدا له أن الجو اللطيف بين الأستاذة والتلاميذ قبل بداية الامتحان سيؤدي بالضرورة إلى انخرام الوضع لاحقا، وهو من قبيل ما يعرف في ثقافتنا الشعبية بقطع يد السارق قبل أن يسرق، لاحظوا هنا أن الأستاذ أثار زوبعة بسبب شيء لم يقع بعد ولا شيء يثبت إمكان وقوعه، فالقانون لا يمنع الأستاذ من التحدث إلى التلاميذ وممازحتهم قبل دقائق من الامتحان، لا يوجد هنا أي خرق لقواعد المراقبة أو قوانينها فالأمر يتعلق بالأسلوب الذي يتوخاه هذا المراقب أو ذاك في ممارسة مهمته، والأسلوب جزء من الشخصية، فبعض المدرسين يحبذون التعامل مع التلاميذ بليونة وندية والبعض الآخر يتوخى الصرامة والجدية حتى خارج قاعات الدرس، لا مفاضلة في المطلق بين هذين الأسلوبين، ففي علم البيداغوجيا لا توجد وصفة واحدة مثالية بل هي عملية تواصل انساني بالدرجة الأولى، والمهارة الحقيقية للمربي هي في المواءمة بحذق بين الشدة والليونة والقيام بالواجب التربوي دون التعسف على البعد الإنساني الأساسي بين المعلم والمتعلم.

أي سلطة يتمتع بها هذا الأستاذ ليعاقب زميلته بسبب شيء لم يقع بعد ولا وجود له الا في خياله؟ أهي سلطة مستمدة من الذكورة في مقابل الأنوثة أم من الأقدمية في المهنة أم من الانتماء الجهوي أم ماذا تحديدا؟ لماذا يمنح نفسه امتيازا والحال أن المراقبين في قاعة واحدة متساوون أمام القانون؟ نتحدّث هنا عن عقوبة لأن شكايته واستجابة رئاسة مركز الامتحان تمثلان إهانة بالغة للأستاذة أمام التلاميذ بلا مبرر، وهذه الإهانة وحدها قد تفسر ما ذهبت إليه المتضررة في محاولة للدفاع عن النفس ورد الاعتبار برواية حكاية أحمر الشفاه على الفايسبوك!، فالأخطاء تتراصف مثل قطع «الديمينو» ويجرّ أحدها الآخر حتى النهاية، لقد أخطأ الأستاذ بممارسة وصاية لا شيء يبررها ونسي دوره هو في عملية المراقبة وافترض مسبقا أن الأمور ستخرج عن السيطرة وهي مجرد هواجس (إلا أن يكون هناك أمر آخر نجهله لم يذكر في التحقيق) وأخطأت رئاسة مركز الامتحان بالاستجابة له هكذا دون أن يكون لديها ما يثبت حقا أن الأستاذة مخطئة والأحرى في مثل هذه الوضعية أن تلجأ إلى تغييرهما معا حتى لا تهين أحدهما أمام التلاميذ وتظهره في موقع المذنب.

الغموض يحفّ بهذه القضية من كل جانب رغم توضيحات المدير الجهوي وقناعته بأن الإدارة قامت بواجبها على أفضل وجه بل وسعادته البالغة بوجود الطرف النقابي في التحقيق والسيطرة على المسألة في وقت وجيز، لقد هبت الإدارة للتحقيق بعد أن وجدت الحادثة موقعا لها في الفايسبوك ضمن الجدل المستمر بلا هوادة بين قيم الحداثة والأفكار الرجعية، لكننا  لا نتحدث هنا عن هندام الأستاذة أو أحمر شفتيها، بل عن الحرية والتسلط، عن حرية الأستاذ في أن يمارس مهمته بالأسلوب الذي يناسب شخصيته وتسلط أستاذ آخر عليه وعلى الإدارة ليفرض أسلوبه هو بل وتخوفاته وهواجسه. القصة هنا تتعلق بالاستبداد وليتها كانت قصة أحمر الشفاه فذلك أمر مقدور عليه.