الزبيدي يعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية

الزبيدي يعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية

يصور الفيلم الكوميدي «الرجل الغامض بسلامته» بطريقة كاريكاتورية كيف يمكن امتطاء المصعد السياسي بارتداء بدلة فخمة واستعمال حقيبة جلدية فاخرة. إذ تدفع الظروف الاجتماعية الصعبة البطل «هاني رمزي» إلى البحث عن شغل، فيتقمص شخصية رجل أعمال حتى يغير مظهره، ومكنه ذلك من تحقيق هدفه، حيث أبدى أحد الوزراء إعجابه بأفكاره، ورأى فيه نموذج الشابّ المصري الطموح الذي يستحق الوصول إلى أعلى المراتب بسرعة، فاتّخذه مستشارا. أما العنوان فمن أغنية لصلاح جاهين غنتها سعاد حسني في فيلم «خلي بالك من زوزو» وتقول فيها «الرجل الغامض بسلامته متخفي بنظارة…» وأصبحت هذه العبارة تستخدم في الشارع المصري للتعبير عن الوجاهة الزائفة.

ولا شك أن هذا الوصف ينطبق بشكل ميلودرامي على صورة عبد الكريم الزبيدي وهو يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المبكرة واستقالته من وزارة الدفاع، حيث يظهر فيها على يمينه رجل بنظارات سوداء وشعر حليق يجعلان ملامحه صامتة خالية من أي تعبير، ولولا تحريكه الرأس بين الفينة والأخرى تعبيرا عن موافقته المطلقة لكل ما يقوله المترشح لكان أشبه بالتمثال، قبل أن يضع إصبعه على فمه في إشارة آمرة للصحفيين بأن يصمتوا، بشكل يعطي انطباعا لا يرقى إليه شك في أنه حارس شخصي للوزير، لكن قلة من الملاحظين اهتموا بهذا الرجل وبرمزية إصبعه الآمرة بالسكوت أمام هجمة تبدو منظمة ضد المكلفة بالاتصال والتي يبدو أن ظهورها في الصورة إلى جانب المترشح تسبب إحراجا كبيرا لمهندسي الحملة وتلخبط أوراقهم في وقت قاتل، ما دعا إلى اتخاذ قرار استعراضي بتقديمها كبش فداء في محاولة لتدارك الأمر، وقد تقدمت باعتذاراتها للصحفيين في حوار إذاعي مؤكدة أن الشخص الثاني الذي ظهر رفقة الزبيدي وكان يحمل نظارات شمسية، لا أحد يعلم من هو! ezgif-5-b4d51b54e07f

وهكذا تتخذ الصورة بفضل التسونامي الذي أثارته في المجال الاجتماعي بعدا آخر ينحو بها في اتجاه السريالية، إذ نكتشف أن الرجل الغامض صاحب النظارة السوداء والإصبع الصارمة ليس ملاكا حارسا بل هو شخص مجهول لا علاقة له بالمترشح ولا بفريقه الأمني أو الاتصالي، ومن ثمة تنقلب الدلالات رأسا على عقب، وننتقل من صورة الرئيس المحتمل المدجّج بالحراس والمرافقين إلى وضع آخر مغاير تماما وشخص عارٍ من أي حماية ويمكن لكل من هبّ ودبّ أن يخترق فريقه بسهولة ويقف إلى جانبه في لجظة تاريخية وصورة رمزية. والتونسيون في هذه المسألة منقسمون منذ الإطاحة بزين العابدين بن علي إلى فريقين: فريق تعجبه صورة الرئيس المتخفّف من كل مظاهر الهيبة والصرامة وفريق آخر تزعجه!

والحق أن الرجل الغامض في الصورة ليس مجهولا بالشكل الذي قد يسمح لهواة نظرية المؤامرة بابتكار قصص عن اختراقات مخابراتية للمشهد الانتخابي، فبالرجوع إلى صفحته على الفايسبوك وتأمل منشوراته، ستكتشف أنه شخص عادي، مواطن تونسي، أستاذ جامعي شاب، مواقفه منحازة بوضوح للعائلة الوسطية، وله بعض النشاطات في المجتمع المدني، ويظهر من خلال صوره الشخصية أنه مغرم كثيرا بالنظارات السوداء التي تجعل مظهره أقرب ما يكون إلى رجل الأمن، كل شيء يبدو عاديا لديه باستثناء أمر واحد فقط، ماذا يفعل يومها إلى جانب عبد الكريم الزبيدي؟ ومن كلفه بمرافقته واللّصوق به؟ لا أحد يمكنه أن يجيب عن هذا السؤال، فمن الواضح أن أسهل شيء في بلادنا اليوم هو امتطاء المصعد السياسي، بعد أن اختلط الحابل بالنابل واشتبك الكوع بالبوع..