الدوحة

الدوحة

كل تونسي أصادفه زائرا الدّوحة للمرة الأولى أحرص على سؤاله بعد يوم أو يومين من وصوله عن رأيه فيما رأى وعن المقارنة بين انطباعاته الجديدة والصورة التي كان يحملها من قبل عن قطر. وغالبا ما يعبّر الزائرون على تنوّع مستوياتهم الثقافية والاجتماعية عن انبهارهم بمستوى العيش في هذه العاصمة الخليجية المثيرة للجدل وعن اختلاف مشاهداتهم العينية عن الصورة القبلية التي كانت لديهم. والسبب في تلك الصورة أحكام مسبقة لا تستند إلى معطيات موضوعية بقدر ما تعبر عن خلفية سياسية وحساسية إيديولوجية، إذ عادة ما يكون الجدل الدائر بين السياسيين حول علاقة قطر بالإخوان المسلمين منطلقا لجعل البعض يعتقدون أن هذا البلد غارق في التزمت وأن الحياة فيه تشبه حياة البدو في عصور الإسلام الأولى أو على أقل تقدير أن تكون ضمائر الناس فيه خاضعة لرقابة صارمة يفرضها الدعاة ولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يجعل حياة المسلمين غير المتديّنين وحياة أهل الكتاب صعبة وعسيرة.

كل ذلك يتبدّد حتما منذ لحظة الوصول إلى مطار حمد الدولي الذي يُصنّف واحدا من أفضل مطارات الدنيا، فهناك سيكتشف المشاهد أنه أمام مجتمع يقوم على التعدد والتنوع واحترام الاختلاف، وكل مظاهر الرفاه الاجتماعي والرخاء الاقتصادي متصلة بالتركيبة الديمغرافية المعقدة التي تجعل المواطنين يمثلون حصة ضئيلة في بلادهم مع المقيمين ومعظمهم من الآسيويين ثم من العرب والأوروبيين بنسب متفاوتة، هؤلاء يتوزعون على مختلف القطاعات حسب المهارة وحاجة النمو الاقتصادي السريع للدولة، فلئن تتركز العمالة الآسيوية بكثافة في مجالات الصناعة والإنشاء والتعمير فإن فرص العمل كثيرة للكفاءات العربية والغربية في مجال الخدمات وقطاعات الصحة والتربية والرياضة وغيرها من المجالات. يعيش هؤلاء على اختلاف لغاتهم وثقافاتهم وعاداتهم في أمن وسلام، وهم مدعوون فقط إلى احترام قانون الدولة وهو قانون مدني وضعي يسيّر الحياة العامة وفق مبادئ العدالة والإنصاف ويقف فيصلا بين حرية الأفراد ومقتضيات العمران.

في هذا المجتمع، المواطنون محافظون ومعظمهم متدينون، لكن لا أحد يجبر أحدا على التديّن، والفضاءات التجارية التي تعتبر الوجهة السياحية والملاذ اليومي لكل الناس خصوصا في فصل الحرارة والرطوبة لا تكاد تميزها في شيء عن نظيراتها في الدول الأوروبية فقط يمكنك أن تلاحظ وجود بعض الأكشاك المخصصة لتقبل الصدقات ودفع الزكاة. لقد استطاعت الدولة هنا أن تفرض نظاما اجتماعيا يقوم على احترام الهوية الوطنية وحقوق الجاليات، فالأنشطة التجارية مثلا تتوقف وقت صلاة الجمعة بمقتضى القانون، لكن أداء الشعائر طوعي واختيار شخصي، والقانون يعتبر التّجاهر بالإفطار في الفضاءات العامة خلال شهر رمضان مخالفة، لكن المقاهي والمطاعم في المطار وفي المنشآت السياحية تواصل نشاطها دون مساءلة حرفائها عن ديانتهم أو التفتيش في عقائدهم.

نبيل معلول المدرب الوطني
نبيل معلول المدرب الوطني

كل تونسي يزور الدوحة لأول مرة يبدأ منذ وصوله في محو صورة مظلمة رسمتها في ذهنه شبكات التواصل الاجتماعي التي لا يميز الناشطون فيها بين الأنظمة وشعوبها فيهدمون البيوت على رؤوس ساكنيها آخذين هذا بجريرة ذاك، وهو شكل من أشكال التعصب الفكري البغيض، ولا شك أن الكثير من أفراد الجالية التونسية المقيمة في قطر يعملون كل من موقعه على إزالة هذه الأحكام المسبقة والتصورات الخاطئة لا تزلفا لنظام سياسي بعينه بل ردا لجميل شعب طيب ومسالم وله قدرة على إكرام الضيف تفوق كل شعوب الخليج قاطبة، ومن أبسط الواجبات أن ننقل للناس الصورة الحقيقية لهذا البلد لا أن نغذي لديهم عن جهل أو عن طمع الصورة السلبية الخاطئة. هكذا خلط الناس بين سلوك نبيل معلول المدرب الوطني وإفراطه في إظهار تدينه بمناسبة أو بغير مناسبة وكونه مقيما في قطر، واستغلوا تلك الحركات الصبيانية الشخصية المبالغ فيها والمتهافتة للتعريض بالدولة المضيفة والإيهام بأنها سبب من أسباب هذا الشكل الكاريكاتوري الذي بدا عليه مدربنا، هذا غير صحيح بالمرة، وقديما قيل: يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، أنت مولانا ونعم النّصير.