راشد الغنوشي دافوس 2017

راشد الغنوشي دافوس 2017

تناولت وسائل الإعلام التونسية مؤخرا بكثافة خبرا يفيد بأن منتدى دافوس صنّف تونس البلد الديمقراطي الوحيد في العالم، وصنّف المغرب والجزائر ومصر والعراق والأردن ضمن الدّول التي توجد فيها ديمقراطية، واستثنى ليبيا وسوريا واليمن لأنها تعيش حربا أهلية بينما صنّف دول الخليج في خانة الدّول التي لا توجد بها ديمقراطية. وقد وردت صيغة الخبر واحدة في مختلف المواقع، والاجتهاد الوحيد الذي لوحظ هو في العناوين المصاحبة أو في محاولة التدقيق بالإشارة إلى أن هذه الدّراسة قد صدرت بعد نهاية أشغال المنتدى! ورغم هذه الصيغة المبهمة التي لا تحدّد السّياق الحقيقي للمعلومة فإن الإعلام التونسي تعامل مع هذا الخبر دون أدنى مساءلة.

بقليل من البحث يتّضح أن الخبر لا علاقة له بمنتدى دافوس إطلاقا، وأن الخريطة التي رافقته في بعض المواقع والتي تميّز تونس باللون الأزرق في مجال الديمقراطية هي من منشورات الأمم المتحدة، وقد أعادت نشرها مجلّة (The economist) يوم 9 جانفي 2016 ضمن مقال بعنوان “الشتاء العربي” تحدثت فيه عن مآل الثورات العربية وأفردت فقرة للحديث عن الاستثناء التونسي في مجال الديمقراطية استنادا إلى ثلاثة معايير هي تصنيف تونس من قبل مؤسسة “فريدوم هاوس” الأمريكية كأول بلد عربي تتوفر فيه الحرّية، والمركز المتقدم الذي تحتله تونس في تقييم منظمة التصنيف الديمقراطي بالنمسا، وحصول أربع منظمات من المجتمع المدني على جائزة نوبل للسلام. وقد نوّهت عدة مواقع وصحف تونسية في الإبّان بالمقال المذكور للأهمية العالمية التي تحظى بها هذه المجلة.

وإذا حاولنا ربط الصلة بين هذا الخبر في صيغته الأصلية التي تعود إلى سنة مضت والدورة الراهنة لمنتدى دافوس لن نعثر الا على تغريدة في تويتر تحت وسم (#) دافوس تضمنت الخريطة المذكورة والمنصوص عليها بوضوح أن المجلة نشرتها نقلا عن وثائق الأمم المتحدة بينما يتضح بسهولة أن الوسم غير رسمي ولا يمثل المنتدى في شيء، وهو ما يثبت أن كثيرا من المواقع الالكترونية والصحف تنزع إلى المجهود الأدنى ولا يأبه المشتغلون بها حتى عن البحث في الأسئلة الأساسية المُكوّنة لأيّ خبر صحفي والتي تُعتبر من أبْجديات المهنة.

من وثائق منظمة الأمم المتحدة

من وثائق منظمة الأمم المتحدة

من الأرجح إذن أننا مرة أخرى إزاء مغالطة إعلامية واسعة النّطاق، لكن تبدو مدروسة بعناية شديدة، فالمشاركة التونسية هذا العام في منتدى دافوس من الأهميّة بمكان، أولا لأنها تأتي مباشرة بعد انعقاد المؤتمر الدولي للاستثمار في تونس، وثانيا لحجم التمثيلية السياسية في هذه النّسخة لا سيّما بمشاركة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بشكل مواز للحضور الرسمي ممثّلا في يوسف الشاهد رئيس الحكومة، وانتشار الخبر المغلوط بهذه الصيغة مع التنصيص على أنه قد ورد في أحدث دراسة للمنتدى صدرت بعد انتهاء أشغاله إنما يربط ضمنيا بين هذه المشاركة والاعتراف الدولي المتجدد بالاستثناء التونسي، خصوصا وأن ما نسب إلى منتدى دافوس أثار موجة من الابتهاج الشديد في أوساط المنتسبين إلى حركة النهضة على شبكات التواصل الاجتماعي.