عامر بوعزةفيما يشبه المتلازمة الحتمية ينقسم الرأي العام في تونس عقب كل عملية إرهابية غادرة إلى موقفين، موقف مع وجهة النظر الرسمية، وموقفٍ آخرَ يتبنى روايات مناقضةً تذهب حدّ تخوين السلطة ذاتها واتهامها بافتعال الإرهاب. ورغم تبني التنظيمات الإرهابية عملياتها الدموية واحتفال خلاياها المتناومة هنا وهناك بما يحدث من خراب، يصرّ البعض على ترويج سيناريوهات تبدأ بمراكمة الأسئلة حول أسباب الإخفاق الأمني لتصل إلى قصص متكاملة تتوفر على قدر كبير من الخيال الهوليودي.

عملية سوسة تبدو من خلال المعطيات الأولى عملا إرهابيا شديد التعقيد نسجت خيوطه تخطيطا وتدريبا في سوريا وليبيا لضرب عصفورين بحجر واحد، إنهاك الدولة التونسية والانتقام من بريطانيا بسبب مشاركتها في التحالف الدولي ضدّ داعش. لكن البعض يدفع في اتجاه الإيحاء بأن العملية من صنع الدولة العميقة، فهي التي تُحرك أبا عياض وأبا قتادة وأبا مصعب بأزرارها السحرية كلما ضيّق عليها “الثوار” الخناق! هذه الروايات تنتزع دائما الحدث التونسي من سياقه الإقليمي والدولي لتنظر إليه في علاقة بالمتغيرات السياسية المحلية فقط، وهي تتجاهل بشكل كلي ثوابت تاريخية معروفة حول علاقة الإسلام السياسي بالعنف والقدرات التنظيمية والقتالية للجماعات الإرهابية وما أصبحت تتوفر عليه من غطاء مالي بسبب سيطرتها على آبار النفط في سوريا والعراق وليبيا. يتجاهل هؤلاء أن هذه الفرق وان اختلفت أسماؤها وتناحرت فيما بينها لا تختلف عن بعضها البعض إذ تقوم بنفس الفعل لتحقيق نفس الهدف، وكل واحدة منها ترى نفسها الفرقة الوحيدة الناجية التي ستستأثر بالجنان والخلد والنعيم، وأن التمدّد في الأرض جزء من عقيدة “الدولة الإسلامية” التي ينشدون وأن الإنهاك بالفوضى جزء من استراتيجية التمكين.

هؤلاء يرون دائما أن الفظاعات المرتكبة تحت غطاء هذه الحرب الدينية هي من صنع المخابرات الغربية للسيطرة على النفط العربي وإعادة تقسيم الشرق الأوسط، وهي في بعض الروايات مجرد عمليات استخباراتية تبرر ردود الأفعال التي ستليها فالسيسي ذبح الأقباط في ليبيا ليتمكن من قصفها، ولا وجود لعشرية سوداء في الجزائر، إنما هي حرب قامت بها المخابرات العسكرية للسيطرة على الحكم، كما أن الموساد هي التي هاجمت نيويورك يوم الحادي عشر من سبتمبر، ولا يختلف عن ذلك ما جرى في سوسة فقد تم تفريغ الشوارع المؤدية إلى الفندق من الأمنيين حتى يتمكن شخص مسطول لم يظهر عليه أي تديّن من قبل من الوصول إلى هدف حدّده له بعض كبار رجال الأعمال الفاسدين مثلا ليقوم بفعلته ويمكن الحكومة من اتخاذ قرارات تضع حدّا للاحتجاجات الاجتماعية وهلمّ جرّا.

صحيح أن هؤلاء يجدون في بعض التصريحات الحمقاء حبالا يعتصمون بها على غرار ربط الرئيس في خطابه المرتجل بين حادثة سوسة وحملة “وينو البترول”، لكن الخيال الشعبي وهو يذهب في السريالية إلى ما هو أبعد يمثل دائما الحاضنة الثقافية المثلى للإرهاب، وفي الواقع كما في فضاءات التواصل الاجتماعي حراك شعبي حثيث لتعميم البؤس الفكري وتغطيس العقل في وحل الخرافة.