يوسف رزوقة

يوسف رزوقة

يصعب تصنيف الكاتب يوسف رزوقة ضمن تيار بعينه من تيارات الكتابة الحديثة في تونس وذلك على الأقل لثلاثة أسباب موضوعية، أولها تبعثر التيارات الأدبية المحلية منذ نهاية الثمانينات وتلاشيها في أصوات منفردة رغم كل محاولات تجميعها اللاحقة، وثانيها غزارة إنتاج الكاتب فهو أكثر شعراء جيله إصدارا للمؤلفات بل لعله يمثل ظاهرة فريدة في تونس التي يتسم إنتاج كتابها ومثقفيها بالندرة بدءا من أبي القاسم الشابي وصولا إلى محمود المسعدي، وثالث هذه الأسباب تنوع تجربة الكتابة لدى يوسف رزوقة فقد جمع بين لغات شتى ووظف ذلك ليكون بمحض مبادرته جسرا بين الثقافة العربية في شمال افريقيا ونظيرتها في أمريكا اللاتينية، وهو ينتقل جيئة وذهابا بين الشعر والرواية وإن كان لا يتفرد بهذا إذ درج كثير من الشعراء على الانتقال في مراحل متقدمة من تجاربهم إلى السرد مستثمرين حوار الأجناس في أعمالهم لاكتشاف مناطق جديدة في التجريب الإبداعي.

في مطلع ثمانينات القرن الماضي صنف النقاد في ملتقى الحمامات الأول للشعر الحديث التجربة الشعرية التونسية إلى ثلاثة تيارات كبرى: أولها التيار الواقعي الذي كان امتدادا لقصائد الستينات اليسارية الثائرة على المدّ الليبرالي وهو يصعد بقوة مع إخفاق تجربة التعاضد الاشتراكية وتخلي الدولة عنها نهائيا لفائدة اقتصاد السوق، وثانيها التيار الصوفي الذي يرتبط بالمدرسة القيروانية التي تستلهم تراث كبار الصوفيين في العصر الوسيط وما يحفُّ بالمدينة من دلالات روحية، أما ثالث هذه التيارات فقد أطلق عليه اسم الريح الإبداعية الجديدة وهي تسمية تعكس ما ينطوي عليه هذا الاتجاه من تباين في الأشكال والمرجعيات وإن كان يقع تحت هيمنة تأثيرات شعراء الحداثة الكبار في مصر والعراق وسوريا ولبنان. في هذا المشهد الشعري الممزق بين الإيديولوجيا والنوازع الجمالية ظهر اسم يوسف رزوقة نهاية السبعينات بعمله الأول أمتاز عليك بأحزاني (1978) الذي نال جائزة وزارة الثقافة سنة 1981، وجاء كتابه الثاني المشترك لغة الأغصان المختلفة (1982) ليؤكد انتماءه إلى جيل جديد يلتقي في الاختلاف ويستعصي على التصنيف، فالأسماء التي كونت الاتجاه الثالث هي التي استمرت في الإنتاج طيلة الثلاثة عقود الموالية ولكن في اتجاهات مختلفة من غير أن تنتميَ إلى مدرسة أو اتجاه كما خفّ تأثرها بشعراء الحداثة في المشرق وخفت فيها صوت الأيديولوجيا، من هذا الاتجاه خرجت قامات شعرية من أبرزها يوسف رزوقة الذي كان حاضرا بقوة في المشهد الثقافي الوطني بالإشراف على مجلة شعر طيلة خمس سنوات (1982-1987) وعدد من الصفحات الثقافية في الصحف اليومية والأسبوعية التي كان لها دور بارز في دفع الحركة الأدبية وتنشيطها. جمع يوسف رزوقة منذ بداياته بين الشعر والنثر بإصداره روايته الأولى الأرخبيل (1984) لكنه لم يعد إلى الكتابة السردية بقوة الا بعد ثورة 14 جانفي، وقد صدرت له مطلع هذا العام رواية مسمار تشيخوف فيما تصدر له هذه الأيام رواية ضخمة بعنوان وداعا براءة العالم.       
يعتبر الابتكار في اللغة أحد أبرز مميزات تجربة يوسف رزوقة الإبداعية شعرا ونثرا، فقد عرف في الوسط الثقافي المحلي ومن ثمة العربي والعالمي بمعجمه الخاص منذ أعماله الأولى وخاصة ديوانه برنامج الوردة (1985)، كما عرف بريادته في تطويع مصطلحات العصر اليومية في الصورة الشعرية على غرار ديوانه ثاني أكسيد التاريخ (2001) أو إعلان حالة طوارئ (2002).

وهو يشترك مع شعراء جيله من أمثال محمد البقلوطي ومحمد الغزي والمنصف المزغني في الكتابة الأدبية للأطفال، لكنه يمتاز بتجربة الخيال العلمي التي تظل نادرة في الأفق الثقافي العربي وقد توجت روايته وطارت البرتقالة بجائزة وزارة الثقافة لأدب الطفل سنة 1993

ومع تراجع أداء المؤسسة الثقافية الرسمية وخفوت دورها المحوري في التعريف بالأدب التونسي أصبح حضور يوسف رزوقة العالمي أحد أهم مميزات تجربته الإبداعية والانسانية، فهو يتقدم اليوم بمفرده في عالم مدجج بالتكنولوجيا لا يثق كثيرا في الشعر، من أجل أن يرسّخ صوت الشاعر بوصفه رسول سلام ومحبة بين الشعوب والثقافات والأمم، يحضر يوسف بقوة في القارة الأمريكية بعد أن عاش لسنوات في الاتحاد السوفياتي السابق وتتجلى في كتاباته بشتى اللغات وبأشكال عدة روح المغامرة لديه. فقد انتخب سنة 2005 سفيرا لدى جمعية أمريكا اللاتينية لشعراء العالم بالشيلي، ممثّلا للعالم العربي ثم تولى الأمانة العامة كما تم تعيينه في 2006 سفيرا عالميا للسلام وقد خاض تجارب إبداعية مشترك مع كتاب من فرنسا وأمريكا اللاتينية، كما كتب باللغة الإسبانية والسويدية والبرتغالية وترجمت أعماله الشعرية إلى الفرنسية والإنقليزية   .
يوسف رزوقة كاتب تونسي ينتمي إلى قرية العالم وهو يفتح نوافذه على الكون من قريته الصغيرة في الساحل التونسي حيث ولد سنة 1957، تلك القرية التي يعود إليها دائما ليستظلّ بفيء أمومتها من صخب العصر وشراسة الواقع.