أرشيف الإذاعة التونسية

أرشيف الإذاعة التونسية

صدمت الرأي العام صور نشرت على الفايسبوك لأشرطة الإذاعة التونسية مبعثرة في الأروقة المهجورة وقد طالتها أيادي الغدر والعدوان، لا أحد يمكنه أن يتكهن بما في داخل تلك العلب الصدئة لكنه على أية حال سيجد شيئا صالحا لمقاومة النسيان، أغان أو برامج أو تمثيليات، كلها أعمال بذل فيها بناةُ الدار حياتهم كلها. هذه الأشرطة هي ببساطة ثروة من ثروات البلاد التونسية لا تقدّر بثمن لأن ما فيها غير قابل للتعويض ولهذا أجمع كل من شاهد تلك الصور على أنها جريمة في حق الشعب والذاكرة.

تعقيبا على هذه الصور كتب كريم السمعلي ممتعضا:” كم يؤلمني ما أرى.. لكن لإحقاق الحق هذا مشكل قديم لا علاقة له بالتنصيبات الجديدة. حدثني آدم فتحي قال: حين كنت مستشارا لمدير الاذاعة منصور مهني حاولنا أن ننقذ الأرشيف.. فذهبت الى مقر الأرشيف فما هالني الا وروايات الدوعاجي مفروشة على الأرض في حالة يرثى لها…الخ

وهذا الكلام على قصره وعفويته يختزل ثلاث حقائق من الحيف ألا تُذكر في باب الإنصاف وردّ الفضل إلى أهله. سيما وأن المتلفظ شخص أقدّر له اهتمامه العجيب بالذاكرة فهو صاحب أكبر موقع الكتروني لتجميع تراث الفن الملتزم وخصوصا أعمال الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وهو مغرم بذلك حدّ الهوس مما يقيم الدليل على أن العناية بالأرشيف هواية قبل أن يكون وظيفة ومحبة قبل أن يكون عبئا من الأعباء.

 الحقيقة الأولى أن قضية ذاكرة الإذاعة قضية قديمةٌ، وكلما تقادم عهد تلك الأشرطة وأصابها البلى أكثر فأكثر، تضاءلت حظوظ إنقاذ ما فيها. وتظهر الصور بكل وضوح أن الفضاء الذي ألقيت فيه تلك الأشرطة شاسع مما يدل على أن المشكلة ليست لوجيستية خصوصا بعد انتقال التلفزة إلى مقرها الجديد إنما هي قضية أولويات إدارية بالأساس.

الحقيقة الثانية هي في ما قاله آدم فتحي عن الفترة التي عمل فيها مستشارا للرئيس المدير العام للإذاعة التونسية منصور مهني أول من يتقلد تلك المهمة بعد فصل الإذاعة عن التلفزيون في 2007 وقد طرح موضوع الأرشيف في تلك الفترة بشكل جدّي ملموس، ولم تكن مهمة صديقنا الشاعر الا جزءا من رعاية الأرشيف حيث عمل على إصدار كتابين يتضمنان وثائق مهمة الأول عن تاريخ الإذاعة بمناسبة سبعينيتها والثاني عن المسرح الإذاعي بمناسبة سنة المسرح ، هذا الجهد التوثيقي النبيل هو الخطيئة التي لن يغفرها له  قصر قرطاج بعد أن ارتدى لبوس الثورة فوضع اسمه في الكتاب الأسود!

أما الحقيقة الثالثة فهي تتمثل في أن فكرة إنقاذ الأرشيف بعد أن وصل إلى الحالة التي وصفها آدم فتحي عند البحث عن روايات الدوعاجي قد أوكلت إلى محمد المدب أحد المقربين من الرئيس المدير العام ولكنه لم يتقدم فيه كثيرا ولم تنجز إدارة الأرشيف في عهده شيئا كبيرا غير جمع تراث صليحة والهادي الجويني في أقراص ليزرية ستوضع للبيع لاحقا في المغازات العامة بعد توزيع كميات منها على الوزراء وكتاب الدولة ورؤساء الدواوين في الذكرى السنوية للسابع من نوفمبر. وقد أدى الاقتناع بعدم كفاءته إلى عزله وتجميده الأمر الذي جعل حكومة الترويكا تتوهّم أنه مناضل شرس من المناضلين ضد بن علي وتمنحه مفاتيح الإذاعة التونسية بعد انتخابات 23 أكتوبر ليفعل بها ما يشاء.